ليس مستغربا أبدا أن يبادر عدد من أهالي المنامة، أو لنقل من (خالص أهلها) الذين لا يستطيعون مفارقتها أبدا، من العوائل والأفراد الذين لا يزالون يعيشون هناك، ويستعرضوا فصولا محزنة من المشاعر على ما آل إليه حال المنامة… إنهم بذلك يكتبون وثيقة ولاء وانتماء للبحرين، لا مثيل له، وخصوصا أنهم أهل العاصمة، الذين ينظرون إلى الحكومة بنظرة المواطن الذي يريد أن يرى في العاصمة، ما يدل على أنها بحرينية… من وسطها… من عمقها ومن قديم أحيائها وما تبقى لإحيائه منها.
ولأنني في هذه السلسلة، أردت أن أتناول حقيقة أوضاع العاصمة لأثير أفكار المسئولين تجاه (التغريب القسري) الذي تعيشه المنامة، فلا ريب في أننا نحتاج الى الأرقام، وليكن، فوفقا للبيانات الإحصائية الصادرة ضمن التعداد العام للسكان والمساكن للعام 2001، فإن عدد سكان العاصمة بلغ 163 ألفا و696 نسمة، يبلغ البحرينيون 55 ألفا و230 نسمة، فيما يبلغ عدد الأجانب 108 آلاف و466 نسمة، وحسب تقديرات مجلس بلدي العاصمة، فإن عدد سكان العاصمة حتى العام الماضي 2008 بلغ 175 ألف نسمة، لكن حتى العام 2011، سيصل تعداد سكان المنامة إلى 181 ألف و361 نسمة، منهم 61 ألفا و191 من البحرينيين، و120 ألفا و170 نسمة من غير البحرينيين، ويبدو واضحا أن البحرينيين في «عاصمة البلد» لن يتجاوزوا (غيرهم) مهما كان.
تبلغ مساحة العاصمة 27 ألفا و48 كيلومترا مربعا، أما وحداتها السكنية (وفقا لتعداد 2001) فبلغت 34 ألفا و210، وكثافتها السكانية تستوعب 5582 فردا لكل كيلو متر مربع.
في شهر يونيو/ حزيران من العام الماضي 2008، أعددت تقريرا بشأن أوضاع العاصمة، وأجريت مقارنة أعيدها هنا بين العاصمة المنامة (كمدينة)، وبين المحافظة الشمالية كأكبر محافظة من ناحية الكثافة السكانية، فإن البشر يتكدسون في المنامة بشكل لا يمكن إغفاله، فمساحة المحافظة الشمالية بالكيلومترات المربعة تبلع 253 ألفا و31 كيلومترا مربعا، ويبلغ تعداد سكانها حسب العام 2001 قرابة 193 ألفا و78- نسمة، ونسبة البحرينيين تبلغ 81.4 في المئة، فيما نسبة غير البحرينيين تصل الى 18.5 في المئة، وعدد الأسر البحرينية يبلغ 23 ألفا و99 عائلة، أما غير البحرينية فتصل الى 3705، ويبلغ عدد قراها 42 قرية ومدينة، وعدد مجمعاتها 146 مجمعا، ومع كل مواصفات المحافظة الشمالية، فإن العاصمة ستحمل تعداد سكان مقارب، في مساحة أصغر وأصغر بكثير… فرق بين مدينة ومحافظة!
هذه الأرقام الهائلة، لاشك في أنها ستؤثر على الهوية الوطنية والثقافة والتراثية لعاصمتنا، والمهم من ذلك، أن نتساءل ونحصل على إجابة: «لماذا لم نجد تحركا من جانب الدولة للحفاظ على هوية العاصمة من الاندثار القسري، وخصوصا بالنسبة للأحياء القديمة في وسط المنامة، ومنها الفاضل والمخارقة، والصفافير، والحمام، والحطب ومشبر وكانو، وصولا إلى النعيم، أليست هويتها البحرينية مهددة وسط غزو وافد رهيب…؟»
الوضع صعب ومتشعب، والإجابة صعبة، لكن سنتناول المزيد مستقبلا.