خمس عشرة قناة فضائية محلية، ونحو ثلاثة برامج عن الانتخابات في كل قناة، أي خمسة وأربعون برنامجا عن الانتخابات تُعرض يوميا. والمصيبة ليست هنا، أبدا، فالتنافس جميل، المصيبة هي أن البعض استيقظ من نومه فوجد نفسه بلا عمل وهو في «عز الموسم»، وعن طريق الأصدقاء عرف أن القنوات تبحث عن معدين فقرر أن يصبح معدا للبرامج، وعرض خدماته على أصحاب القنوات، فاستقبلوه بالطبلة والمزمار، على اعتبار أن «معدي البرامج» عملة نادرة، وهكذا… «قرر فأصبح».
والمصور فجأة وفي غمضة عقل «قرر» فتحول إلى مخرج، والنجار قرر فأضحى مهندس ديكور بين نكسة وضحاها، والكاتب أصبح مذيعا، والمحرر معدا، و»تك تك تك يا ام سليمان، تك تك تك جوزك وين كان، تك تك تك كان في الحقلة، عم يقطف خوخ ورمان». والحمد لله أن أحدا لم يقرر أن يصبح فيروز.
وتعال شوف إعلامنا هذه الأيام واضحك حتى تنفقع أسنانك، تعال شوف أحد المذيعين وهو يتمنى أن ينجح المرشحون كلهم! الأخ لا يريد أن يُغضب أحدا. وتعال شوف مذيعا جلس على كرسيه، حفظه الله، (الدعاء بالحفظ للمذيع وليس للكرسي) من دون إعداد ولا تدريب ولا تخصص ولا موهبة، وبدأ بالكليشة الغبية «مشاهدينا الأعزاء»، ولا أدري متى نشأت المعزّة بينه وبين المشاهدين، قبل أن ينثر أسئلته الجوهرية على الضيف: هل هذه أول مرة ترشح نفسك فيها؟ فيرد الضيف: شلون أول مرة وأنا نائب سابق! فيحاول المذيع ترقيع الموقف: لا، أنا أقصد هذه السنة؟ فتخرج إجابة الضيف من بين ثنايا قهقهته مترنحة سكرى، ومن يلومه: «كم مرة تبيني أترشح؟»! فيكحّل المذيع مصيبته ويعميها: «ما شاء الله شكثركم، لخبطتونا». لخبط الله مصارينك مذيعنا العزيز.
على أن أسهل الأسئلة وأغباها (اثنان في واحد) هو: «ما رأيك في…؟»، ما رأيك في تدهور مؤسسات الدولة؟ ما رأيك في تردي الخدمات؟ ما رأيك في صراخ النواب؟ واسحب معي «ما رأيات» لا حصر لها ولا خصر، أسئلة يستطيع طرحها مذيع من أي جنسية، وصل للتو إلى الكويت، ولا يعرف شيئا عن شؤونها الداخلية… وتتوالى الـ»ما رأيات» هذه إلى أن ينتهي وقت البرنامج، و»نلقاكم غدا أعزاءنا المشاهدين»، ثم نفاجأ بعد انتهاء البرنامج وظهور أسماء فريق البرنامج بوجود أربعة معدين! هل كيف؟
يا سيدي، يرحم الله تخبيص الحكومة مقارنة بتخبيص بعض الفضائيات. نقول ما نقول بعدما ضاع سمين الإعلام بين قطعان الغث؛ الديكور غث، والإضاءة أغث، والتصوير وإلاخراج أغث من الغث، والإعداد والتقديم كارثة تمشي على غث. لطفك اللهم وعطفك، اغفر لنا جهلنا يا رب فقد كنا نظن أن انقطاع الكهرباء نقمة، فتبين لنا اليوم أنها نعمة ينقصها الشكر. اللهم اقطع عنا الكهرباء عاجلا غير آجل، اللهم واقطع عنا بعض الوجوه، اللهم – وأنت القادر – خفف عنا الغباء… آمين.