محمد الوشيحي


 قرر… فأصبح

خمس عشرة قناة فضائية محلية، ونحو ثلاثة برامج عن الانتخابات في كل قناة، أي خمسة وأربعون برنامجا عن الانتخابات تُعرض يوميا. والمصيبة ليست هنا، أبدا، فالتنافس جميل، المصيبة هي أن البعض استيقظ من نومه فوجد نفسه بلا عمل وهو في «عز الموسم»، وعن طريق الأصدقاء عرف أن القنوات تبحث عن معدين فقرر أن يصبح معدا للبرامج، وعرض خدماته على أصحاب القنوات، فاستقبلوه بالطبلة والمزمار، على اعتبار أن «معدي البرامج» عملة نادرة، وهكذا… «قرر فأصبح».

والمصور فجأة وفي غمضة عقل «قرر» فتحول إلى مخرج، والنجار قرر فأضحى مهندس ديكور بين نكسة وضحاها، والكاتب أصبح مذيعا، والمحرر معدا، و»تك تك تك يا ام سليمان، تك تك تك جوزك وين كان، تك تك تك كان في الحقلة، عم يقطف خوخ ورمان». والحمد لله أن أحدا لم يقرر أن يصبح فيروز.

وتعال شوف إعلامنا هذه الأيام واضحك حتى تنفقع أسنانك، تعال شوف أحد المذيعين وهو يتمنى أن ينجح المرشحون كلهم! الأخ لا يريد أن يُغضب أحدا. وتعال شوف مذيعا جلس على كرسيه، حفظه الله، (الدعاء بالحفظ للمذيع وليس للكرسي) من دون إعداد ولا تدريب ولا تخصص ولا موهبة، وبدأ بالكليشة الغبية «مشاهدينا الأعزاء»، ولا أدري متى نشأت المعزّة بينه وبين المشاهدين، قبل أن ينثر أسئلته الجوهرية على الضيف: هل هذه أول مرة ترشح نفسك فيها؟ فيرد الضيف: شلون أول مرة وأنا نائب سابق! فيحاول المذيع ترقيع الموقف: لا، أنا أقصد هذه السنة؟ فتخرج إجابة الضيف من بين ثنايا قهقهته مترنحة سكرى، ومن يلومه: «كم مرة تبيني أترشح؟»! فيكحّل المذيع مصيبته ويعميها: «ما شاء الله شكثركم، لخبطتونا». لخبط الله مصارينك مذيعنا العزيز.

على أن أسهل الأسئلة وأغباها (اثنان في واحد) هو: «ما رأيك في…؟»، ما رأيك في تدهور مؤسسات الدولة؟ ما رأيك في تردي الخدمات؟ ما رأيك في صراخ النواب؟ واسحب معي «ما رأيات» لا حصر لها ولا خصر، أسئلة يستطيع طرحها مذيع من أي جنسية، وصل للتو إلى الكويت، ولا يعرف شيئا عن شؤونها الداخلية… وتتوالى الـ»ما رأيات» هذه إلى أن ينتهي وقت البرنامج، و»نلقاكم غدا أعزاءنا المشاهدين»، ثم نفاجأ بعد انتهاء البرنامج وظهور أسماء فريق البرنامج بوجود أربعة معدين! هل كيف؟

يا سيدي، يرحم الله تخبيص الحكومة مقارنة بتخبيص بعض الفضائيات. نقول ما نقول بعدما ضاع سمين الإعلام بين قطعان الغث؛ الديكور غث، والإضاءة أغث، والتصوير وإلاخراج أغث من الغث، والإعداد والتقديم كارثة تمشي على غث. لطفك اللهم وعطفك، اغفر لنا جهلنا يا رب فقد كنا نظن أن انقطاع الكهرباء نقمة، فتبين لنا اليوم أنها نعمة ينقصها الشكر. اللهم اقطع عنا الكهرباء عاجلا غير آجل، اللهم واقطع عنا بعض الوجوه، اللهم – وأنت القادر – خفف عنا الغباء… آمين. 

سامي النصف

لماذا نقف هذا الموقف؟!

ما أسهل أن يتبنى المرء في هذه الأوقات الصعبة المواقف السهلة أو المرنة فيغمض عينيه كالنعامة عما يجري محاولا كسب الجميع في بلد يُنسى به المعروف في ستين ثانية ويتم تذكّر ما يعتقد أنه إساءة لستين عاما وضمن مجتمع كراهية يستجدي كثيرون الآخرين أن يعطوهم سببا واحدا لكراهيتهم والحقد عليهم.

في صباح مثل هذه الأيام من عام 75 أرسل المقبور صدام فريق تخريب واغتيال مكونا من أربعة من منضوي منظمة التحرير العربية فأطلقوا النار على احتفال في احدى كنائس عين الرمانة وتلاه مرور باص يحمل مسلحين فلسطينيين محتفلين مما اعتبر استفزازا للمشاعر فأطلقت النار عليه وكانت تلك الحادثة هي شرارة بدء الحرب الأهلية اللبنانية التي استمرت 17 عاما ولم تبق بيتا دون قتيل أو معاق أو مفقود.

تلك الحادثة بذاتها ما كان لها ان تشعل الحرب الأهلية لولا ان الظروف كانت مهيأة بشكل مسبق لمثل تلك الحرب، فالمجتمعات الإنسانية تنقسم إلى نوعين الأول يسوده الهدوء والسلام الاجتماعي بين أفراده كحال مجتمعات الدول المتقدمة فيما هو أشبه بعمود حديد وصلب مغطى بالماء والثلج لا يهم بعد ذلك كم عود ثقاب (كحادث الباص) يرمى عليه حيث انه لن يشتعل قط.

النوع الثاني من المجتمعات هو ما يسوده عدم الاستقرار السياسي بشكل شبه دائم ويتم تحريض رعيته على السلطة بقصد كسر هيبتها، ثم تحريض الرعية على الرعية والطوائف على الطوائف والأعراق على الأعراق، والإقلال من شأن الوحدة الوطنية واستبدالها بألف ولاء وولاء فينتهي الحال بمجتمع أشبه بعمود خشب وقش مبلل إلى آخره بالوقود والبنزين ولا يحتاج إلا إلى عود ثقاب كي يشتعل وتحرق نيرانه الجميع.

ومما يستحق ذكره ان عواصم الدول الصغيرة في المنطقة آنذاك بدأت في الاحتراق والانقسام والتفتت فاشتعلت الأردن عام 70 بحرب بين الاخوة الاردنيين والفلسطينيين، ثم تلتها حرب في قبرص عام 72 بين أصحاب الأصول التركية واليونانية ولحقتهما لبنان عام 75 من حروب متعددة الأشكال والألوان.

وكانت كرة النار تتدحرج سريعا نحو الكويت لولا ان لحقها المغفور لهما الشيخان صباح السالم وجابر الأحمد فاتخذا مواقف حازمة أوقفت بعض بنود الدستور ومنعا عمليات التحريض والتقسيم ونجت الكويت من الدمار آنذاك دون أن تسفك قطرة دم واحدة أو يحاسب أو يعاقب أو يسجن أحد، وبعد هدوء الأحوال عاد العمل بالدستور كاملا غير منقوص وكان ذلك في عصر الحكمة والعقلانية والوطنية الكويتية المتجردة فلا تهديد ولا وعيد ولا ادعاءات بطولات فارغة ولا تنديد.

آخر محطة:
لنضع في أدمغتنا حقيقتين ثابتتين يجب أن نتفق عليهما جميعا أولاهما ان الكويت الآمنة المستقرة هي الأصل والباقي من ديموقراطية ودستور.. إلخ هو الفروع وليس من الحكمة والتعقل والذكاء بشيء أن نحرق الأصل بحجة المحافظة على الفروع التي ستضيع معه بالتبعية ولن يسعد أحد فيما لو أصبحنا صومال آخر به حرية وديموقراطية دون وطن، والحقيقة الثانية ان الديموقراطية والحرية والدستور هي أدوات ووسائل لتحقيق الأمن والرفاه والاستقرار وليست غاية بذاتها تحرق الأوطان لأجلها.

احمد الصراف

مؤامرة طارق حجي (2-2)

ولكن من هو طارق حجي؟ لا شك في أن غالبية شعوب المجتمعات العربية، وبالذات في موطنه مصر، لا تعرف من هو طارق حجي. حتى أنا الذي اعتبر نفسي قارئا نهما، وعلى اطلاع، لا بأس به، على ما ينشر على الإنترنت وفي منتديات الشبكة العنكبوتية ومواقعها الالكترونية، وما يبث من أفلام قصيرة على «ميمري واليوتيوب» وغيرهما، من خلال 130 رسالة تردني يوميا على بريدي، لم أسمع بطارق حجي إلا منذ أشهر قليلة ولم أشاهد له غير مقابلتين تلفزيونيتين، وبضعة مقالات… ولا شيء غير ذلك! وفجأة، وعن طريق الصدفة المركبة، وبدعوة من صديق كريم وسيدة أكثر كرما، دعيت للقاء طارق حجي، وإذ بي ألتقي ببحر من المعرفة الممزوجة والمعجونة والمدعوكة دعكا بثقافة صلبة تتعدى حدود بلداننا وثقافاتها الضحلة وأفكار أهلها الساذجة وآراء ومواقف «مثقفيها» المرائية! وهنا أزعم بأنني اعرف عددا لا بأس به من مثقفي مصر والكويت والسعودية والمغرب وتونس وفلسطين ولبنان وسوريا وبلاد المهجر.. الدائم، ولكن ما جعل طارق حجي مختلفا ليس كم مؤلفاته ولا بحر علمه وإحاطته بالكثير من العلوم النظرية والتطبيقية في أكثر من مجال، بحكم عمله الأكاديمي واشتغاله بقضايا مصادر الطاقة والسياسة والتعليم والإدارة، بل ما جعله مختلفا ذلك الكم من الصدق مع النفس الذي امتاز به والذي لطالما افتقدت ما يماثله لدى الكثير، إن لم يكن كل، من اولئك المثقفين الذين تقرأ سطورهم وكتابتهم الرائعة وتستمع لخطبهم وأحاديثهم الأكثر روعة، ولكن ما ان تقترب منهم اكثر وتتعرف عليهم عن كثب، وتطلع على الشخصي من آرائهم، حتى تفاجأ بذلك الفارق الكبير بين القول والفعل او الموقف، ومن هنا تأتي أهمية طارق حجي وخطورته في الوقت نفسه!
نعود الى نظرية المؤامرة لنقول إن هذا الأكاديمي والأستاذ الجامعي ورجل الأعمال والإداري الناجح الذي تمكن خلال السنوات الثلاثين الماضية من وضع وتأليف عشرات الكتب القيمة العظيمة الفائدة والمغزى، وباللغات العربية والانكليزية والفرنسية، والذي كتب أكثر من 1200 مقال في شتى المواضيع، والذي أجرت معه محطات تلفزيون عربية وعالمية عدة مقابلات مهمة ومثيرة، إلا أننا نادرا ما سمعنا به، وهنا مكمن الخطورة والداعي لوجود مؤامرة، ولو ان الفاعل غير معروف وليس من المهم وجوده! فمن يمتلك ما يمتلكه طارق حجي في مجتمعاتنا يجب ان يوضع على الرف، ويغطى وينسى ويحجر عليه، فقد تعودنا، في العقود الأربعة الأخيرة على الأقل، على العيش من دون عقليات نادرة، بعد ان اختفى مبدعونا إما تحت التراب او في السجون أو… المهجر! ومن بقي وقاوم واستمر من العقليات الحية والنادرة كان مصيره التجاهل، بعد أن استفحش الجهل بيننا، وأصبحت مجاميع شعوبنا لا ترى طارق حجي وأمثاله، وكأن طاقية سحرية تمنع رؤيتهم ورؤية أعمالهم الهادفة والاجتماعية والإصلاحية بغير كونها اعمالا مخربة وكافرة ومتطرفة!! وهذه الطاقية انتشر استخدامها مع اليوم الأول للانقلاب العسكري المصري في بداية الخمسينات واستفحل الاستخدام مع انهمار الأموال النفطية!
طارق حجي ظاهرة غير عادية تستحق الاحترام، ليس برفع اليد تحية له بل بتكريمه كمفكر وكاتب ليبرالي منفتح على مختلف الثقافات البشرية، ومؤمن بالإنسانية وبأن حقوق الإنسان، ومن صلبها إعلاء شأن المرأة، هي أهم منجزات العصر الحديث. فشكرا لمن أتاح لنا فرصة الالتقاء بك.
• ملاحظة: نظرا لاهتمامات طارق حجي الواسعة ومحاضراته الكثيرة في مجال مقارنة الأديان والتاريخ الديني واللاهوت المسيحي فقد أسست جامعة Toronto الكندية منحة دراسية للدراسات العليا
باسمه في هذه المجالات!

أحمد الصراف