سامي النصف

سنوات الغضب والغفلة والغباء

ثقافة الغضب والشتم والتطاول والتي آخرها ما قاله احد المرشحين الزاعقين المدغدغين بحق احد الوزراء الحكماء الصامتين ليست وليدة اليوم، بل يملك حقوقها الفكرية كاملة احد النواب المخضرمين الذي مازال يلعب في ساحة الديموقراطية الكويتية بشكل عبثي، مطالبا بالتحول للدائرة الواحدة الكوارثية بعد ان احالنا لدمار الدوائر الخمس الذي نعيشه.

فقد استنّ وخلق ذلك النائب السابق المخضرم ثقافة الغضب والتشكيك والصوت العالي التي توارثها حواريوه، فلا تراه متكلما قط داخل البرلمان او خارجه بل صارخا رغم ان الديموقراطية في اساسها وصلبها هي لعبة تقوم على الحوار الهادئ وافتراض حسن النوايا والقبول بالرأي والرأي الآخر دون زعل او غضب كما هو حال ديموقراطيات الدول المتقدمة، ومعروف ان ذلك النائب الفاضل لا يتكلم او يسلم على مخالفيه بالرأي، ولا حول ولا قوة الا بالله.

وضمن فهمه الخاطئ للديموقراطية عدم تقبله للهزيمة او نتائج الانتخابات التي تجرى داخل او خارج القبة البرلمانية ومعها التشكيك في كل مشروع تطرحه الدولة وعرقلته ثم التساؤل بعد ذلك، وبراءة الاطفال في عينيه، عن سبب توقف عمليات التنمية (!‍‍) في البلد، ومما اشتهر عنه اطلاق «العلوقات» غير الدقيقة او اللائقة على المشاريع الكبرى، فهذا مشروع «حيتان»، وذاك مشروع «بوق ولا تخاف»، والارض العامة هي العرض الذي يجب الا يفرط فيه كأن تؤجره الدولة لمن يريد اقامة المشاريع المفيدة للمواطنين عليه.

لقد تسبب نهج الارهاب والارعاب الفكري هذا في تحويل الحياة في بلدنا الى جحيم لا يطاق يجعل المواطنين والوافدين يفرون مع اي عطلة تعلن.

لقد شغلتنا تلك الديكتاتورية المستترة عن محاولة ايجاد بدائل لمداخيل النفط وعوائد الاستثمار مما يهدد بان نصبح مدنا ترابية تذروها الرياح مع انتهاء حقبة النفط كحال مدن الذهب الاميركية الشهيرة، لذا على الشعب الكويتي في هذه الفترة التاريخية الحرجة ان يعلي صوته فوق اصوات الساسة الغاضبين المزايدين المفرقين وان يسألهم قبل ان يحجب صوته عنهم: ما الذي استفدناه حقا مما فعلتموه في الماضي وتفعلونه هذه الايام عدا تحويل ايامنا الحلوة الى مأتم وبلدنا الى ساحة حرب وضرب؟!

آخر محطة: أقر بان اعلم الناس بمقاصد الكاتب هو الكاتب نفسه وان كان بعض الكتّاب كحال صاحب القلم الرشيق والانيق الرفيق محمد الوشيحي لا يعشق الهبوط بطائرة مقاله على مدرج القارئ بشكل بسيط ومباشر بل يقوم قبل ذلك وبمهارة الطيار البارع بالتشريق والتغريب والصعود والنزول والدخول بشجاعة في الزوابع والخروج منها للسرايات، لذا عليه الا يعجب ان اسأت وغيري فهم مقاصده «الخيرة» من طلب مرور سراية عاتية علينا في الكويت، فقد اختلط كُوعي كقارئ وراكب ببُوعه كطيار وكاتب من كثرة التشقلب والتقلب و.. فنان يا كابتن!

احمد الصراف

مؤامرة طارق حجي (2/1)

الاعتقاد السائد في الشارع العربي، والشرق اوسطي بالذات، ان هناك مؤامرة اميركية صهيونية مستمرة ضد العرب. ويشارك غالبية «مثقفي ومتعلمي» المجتمعات العربية، رجل الشارع أفكاره هذه.
ونحن لا نكتفي هنا بعدم مشاركتهم هذا الهاجس او الهم المسيطر على العقول، بل نستغرب حقا عدم وجود تلك المؤامرة! فكم التخلف والعجز الذي نعيشه يجب ان يشجع ايا كان على حياكة المؤامرات ضدنا! ولكن يبدو ان امراضنا تعمل بشكل سلبي لتحذير الآخرين من الاقتراب منا.
ولو افترضنا جدلا وجود ما يمكن تسميته بالمؤامرة، فهي ستحاك حتما ضد الدول النفطية بهدف الحصول على حصة من فوائضها المالية بأقل كلفة وعناء، وبخلاف ذلك لا يمكن تخيل وجود مؤامرة ضد تونس او المغرب ومصر والسودان والاردن، فهذه ومعها بقية الدول العربية الاخرى، لا تشكل شيئا في ميزان القوى العالمي، لا ثقافيا ولا عسكريا ولا فنيا ولا فكريا ولا اي شيء. كما لا يمثل وجودها تهديدا على القوى المتهمة بحياكة المؤامرات، خصوصا انها دول استهلاكية كبيرة الشهية لكل ما ينتجه العالم الصناعي، شرقيا كان أو غربيا! والدليل على سخافة نظرية المؤامرة ان ايا من الدول المتهمة بحياكة المؤامرات لم تمنعنا يوما من تغيير مناهجنا الدراسية التافهة القائمة على اساليب الحفظ والبصم. كما لم يحثنا اي طرف على عدم الاهتمام بانشاء المعاهد والجامعات العلمية، او الاهتمام بالكليات الهندسية بقدر اهتمامنا نفسه بالكليات والمعاهد الدينية. كما ان الاستعمار والصهيونية العالمية واذنابهما لم تفرض علينا يوما مقاتلة بعضنا بعضا سياسيا ومذهبيا، ولم توعز لنا بصرف اموالنا، على قلتها، على شراء سلاح بدلا من الاهتمام بصحة مواطنينا! ولا ادري من الذي منعنا من ترجمة عشرات آلاف الكتب الرائعة التي تخرجها ارقى مطابع الغرب شهريا، والتي تتلاقفها الايدي في العالم اجمع غير اعتقاداتنا البالية بان الشر والفساد يكمنان فيها، وان الخير هو ما بين ايدينا وما بين ارجلنا! كيف يمكن ان نصدق ان الجامعات الدينية في بعض بلداننا يفوق عددها الجامعات العلمية؟ وان نكون الوحيدين في العالم في هذه الظاهرة المخيفة، فهل ضاع الدين من غير جامعات على مدى 14 قرنا؟ وكم ضيعت الجزائر وليبيا والسودان ودول الخليج من عوائد نفطية هائلة على التافه من الامور من دون ان تخصص ولو نسبا بسيطة للنهوض من الحفر التي اخترنا المكوث فيها؟ كيف يمكن ان نصدق ان الكويت، كمثال، وبعد أكثر من 60 عاما على انتاج النفط، ليس لديها غير جامعة واحدة، مع شديد تخلفها، ولم تسمح للجامعات الخاصة بالتواجد فيها الا منذ سنوات قليلة فقط؟! ما الذي تخصصه 21 دولة عربية مثلا للبحث العلمي؟ الجواب لا شيء، ويصبح الامر اكثر مأساوية عندما نعرف المبالغ الطائلة التي تخصصها تلك التي نصر على تسميتها «الدولة المسخ» على البحث العلمي والترجمة والتأليف والصحة والتعليم!
مع كل هذه المقدمة الطويلة النافية لــ«نظرية المؤامرة»، فانني اكاد اشك في وجود مؤامرة، ولكن هذه المرة من الداخل، للتعتيم على طارق حجي (!!) وهذا هو موضوع مقال الغد.

أحمد الصراف