لا يشك غير المستفيدين من فكرة البنوك والشركات الإسلامية في أن الفكرة برمتها لا تعدو أن تكون طريقة كسب مميزة، ولا علاقة للدين والتدين بها لا من بعيد ولا من قريب. وسبق ان حذرنا منذ اكثر من 15 سنة، وفي أكثر من مناسبة ومقال، ولم نزل، من ان الفرق بين المؤسسات المصرفية التقليدية وتلك التي تسمى بالإسلامية شبه معدوم في غير مجال التسميات التي تطلق على التعاملات!! فهدف اي مصرف او شركة استثمارية هو تحقيق الربح لمالكيه، وهذا لا يتم بغير إضافة نسبة مئوية محددة إلى اي عملية مصرفية او تجارية تكون مقبولة من الطرف الآخر أو العميل! وهنا نرى ان نسبة الفائدة او الربح هي المحك والمعيار، وهذه ترتفع مع ارتفاع نسب الربح او الفائدة في السوق المحلي او العالمي وتنخفض مع انخفاضها، من دون وضع اي اعتبار لملاءة العميل المقترض، او ظروف السوق، او مبادئ التآزر والتآخي مع افراد المجتمع، او جنسية او دين المقترض ومدى حاجته للمال، فالنسبة المضافة تسمى هنا فائدة، ولدى المتعاملين بالشركة، المسماة باللاربوية، تسمى مرابحة، او اي شيء من هذا القبيل، وهي واحدة في كافة الأحوال ومتقاربة جدا. كما ان المصارف وكافة المؤسسات المالية، التي تطلق على نفسها تسمية «إسلامية»، تخلت في السنوات الاخيرة عن تحفظاتها السابقة برفض تحديد سعر فائدة محدد ومسبق على الوديعة، واصبحت الآن تتساهل كثيرا وتوافق على دفع فائدة محددة او الارتباط بدفع منذ اليوم الأول لوضع الوديعة لديها، وهذا التغيير الجذري في التعامل، الذي نسف سنوات طويلة من التحفظ والممانعة، لم يتطلب غير الايعاز للهيئة الشرعية، للبنك او الشركة، اصدار فتوى تجيز ذلك، مثلما اجاز رجال الدين انفسهم، بعد التحرير، قبول فوائد محددة سلفا على ودائعها، أو قروضها للحكومة، وبررتها في حينه بكونها «هدية من ولي الأمر»! وكل هذا لا يعدو ان يكون تلاعبا على الدين والمنطق والبشر السذج، ولا علاقة للدين والشرع بها.
كما سبق ان حذرنا من ان ربط التعامل التجاري، بكل تعقيداته، بالقضايا الدينية يتضمن محاذير عدة، ليس أقلها ربط نجاح الفكرة التجارية بنجاح الفكر الديني! فنجاح واحدة تعني تلقائيا نجاح أخرى، وفشل الاولى يعني كذلك فشل الثانية.
وقد حدث ما توقعناه، فقد تعرضت مؤسسات مصرفية ومالية إسلامية كبيرة، وفي دول عدة، لخسائر ضخمة قد تؤدي ببعضها لخسارة كامل رؤوس أموال حملة اسهمها ومقرضيها والمستثمرين معها. كما بيّنت الازمة المالية الاخيرة ان هذه المؤسسات، المسماة بالاسلامية، لا تتورع عن ارتكاب جميع انواع المخالفات والخروج علىجميع الاعراف التقليدية او الدينية، التي تدعي الالتزام بها، متى ما تخوفت من السقوط! وقد بيّنت البيانات المالية، التي نشرتها الصحف لبعض شركات الاستثمار، أنها لم تتورع عن الاقتراض من الغير بصورة مباشرة وبنسب فوائد فاحشة بلغت 13%. كما ارتبطت إداراتها بقروض محلية وخارجية في فترة كانت تعلم فيها جيدا انها لن تتمكن من سدادها! وهنا نتساءل من دون اي براءة او حسن ظن: اين تقوى وورع المشرفين على هذه المؤسسات؟ واين كان اعضاء اللجان او الهيئات الشرعية من هذه المعاملات؟ ام انها جاهزة فقط لقبض المقسوم واصدار الفتاوى على خاطر ولي الأمر؟ ولماذا لم يتكرموا برفض المشبوه من تلك المعاملات او حتى الاستقالة من تلك المؤسسات؟ ولو افترضنا ان من الممكن محاسبة مدققي حسابات تلك الشركات، فمن الذي سيحاسب أعضاء الهيئات الشرعية على سكوتهم حتى الآن على تصرفات إدارات الشركات التي ائتمنها المستثمرون والمودعون على أموالهم؟
أسئلة عديدة ستبقى دون جواب لاننا نعيش في مجتمع ينافق أفراده بعضهم بعضا، ولا يود أحد التجاوب عندما نضع اصبعنا على الجرح!!
أحمد الصراف