محمد الوشيحي


 «طالعة من بيت أبوها»

حباني الله بـ»عُقد» لا مثيل لها، أهمها الوقوف أحيانا أمام تفاصيل أصغر من الصغر، رغم عدائي للتفاصيل… من هذه التفاصيل/ العُقد كلمات أغنية «طالعة من بيت أبوها»، الله يهد حيلها وحيل أبوها كما هدّت حيلي. دقق معي يا صاحبي على الكلمات ثم لمني بعد ذلك: «طالعة من بيت أبوها، رايحة لبيت الجيران»، تمام؟ يعني أخونا الشاعر يتحدث عن «أنثى» وبصيغة التأنيث: «طالعة»، «أبوها»، «رايحة»، ثم فجأة تنقلب الأنثى إلى ذكر والعياذ بالله، ويأتي البيت الثاني بشنب وسكسوكة: «مرّ ما سلّم عليّه، يمكن الحلو زعلان»، لاحظ صيغة المذكر: «مرّ، سلّم، الحلو، زعلان». وبعيدا عن كلمات البيت الثالث المصابة بكسور من الدرجة الأولى، دعونا نتساءل عن سبب خلود هذه الأغنية واتساع شهرتها رغم الكسور المتفرقة في جسمها والخطأ الهيكلي في بنائها من ناحية التأنيث تارة والتذكير تارة أخرى، وهو ما يعرفه أصغر الشعراء سنا وعقلا!

أمر آخر صغير شغلني ولايزال، لماذا تنطق «الكويت» بصيغة المؤنث، و»لبنان» بصيغة المذكر، فنقول مثلا «الكويت حرة» و»لبنان حر»، لماذا؟ هل رأى علماء اللغة العربية الكويت وهي تسير مرتدية تنورة ولبنان يسير إلى جوارها كما يسير القبضاي مع خطيبته؟ سألت أحدهم وهو شخص بارد غائم جزئيا على أنحاء متفرقة من البلاد، فأفتاني: «هي هكذا أُنزلت». يا سلام، هكذا أُنزلت؟ طيب ولماذا أُنزلت هكذا؟ لا جواب غير الدوران واللت والعجن في ما لا يسمن ولا يغني من جوع. سألت الآخر، وهو أيضا غائم جزئيا لكنه أكثر عمقا من الأول، فأجاب: تماما كما أن «الشمس» مؤنث و»القمر» مذكر! الله أكبر، طيب ولماذا الشمس مؤنث والقمر مذكر؟ أنت أجبتني بمثال آخر، وسؤال آخر.

ما علينا، هذه أمور لا تؤثر سلبا في الصحة العامة، ولا تشغل إلا بال المعقدين من أمثالي. في حين أن ما يشغل البلد والناس والصحة العامة هو «تكبيل البلد بالفتاوى»، بلد مدني يحكمه دستور، يضم ديانات وطوائف مختلفة، ومع ذا وفوق ذي يجرونه جرا من ياقة قميصه إلى ميدان الفتاوى. ليش؟ لأن عقولهم جوفاء، وقلوبهم يملؤها الخواء… هل يجوز للعسكري الرجل تحية المرأة العسكرية؟، أفتنا يا فضيلة الشيخ يرحمنا ويرحمك الله حلال بشرط، حرام بالكلية، وعطني شليلك وتعال شيل.

كلنا نتذكر حكاية تحريم «دراسة البنت» في السعودية التي أصبحت ماضيا مبنياً على الفتح، والآن نشاهد تسابق بنات «علماء الشريعة» – الذين حرموها في السابق – على الجامعات، فما الذي تغير؟ لا شيء يا صاحبي، لا شيء سوى زيادة وعي الناس… أيضا حكاية «حقوق المرأة السياسية» عندنا في الكويت، كانت «كُفرا إلا ربع»، وباتت الآن حلالا زلالا. طيب ليش يا الربع أضعتوا كل هذه السنوات في أمور مفروغ منها؟ معلش، حقكم علينا.

قلناها ملايين المرات ونعيدها: «الدين أسمى وأرقى من السياسة، ونحن نحترم الدين أكثر منكم، لذلك لا نسحبه إلى وحل السياسة»، ولم تصدقونا… والحياة تمشي وتكشف لنا كل يوم صفحة جديدة، فنفغر أفواهنا ونتمتم ونحن نضع كفوفنا على جباهنا: «أها… أثاريها»، لكن بعدما نستنزف المال والجهد والعرق الزحلاوي.

وفي السياق ذاته تدخل قضية الفرعيات. وكان من يعارض الفرعية «كافر إلا ربع» لأنه «شذ عن الجماعة» ومن شذ شذ في النار، لا إله إلا الله ما أشرس هجومهم على من يعارضهم وما أفجر خصومتهم. والآن تغير «الكفر» إلى «اختلاف في الرأي»، بعدما أدركوا أن الفرعيات تضر القبيلة، أولاً وقبل كل شيء… وها نحن اليوم نقرأ بفخر بيان ثلاثة من أبناء قبيلة العوازم الكريمة يؤكدون فيه خوضهم الانتخابات العامة خارج فرعي قبيلتهم. كفو يا سعد الشريع ويا مناحي الحباج ويا بدر ناصر. كفو لأنكم لم تجرجروا قبيلتكم إلى المحاكم والنيابة العامة. كفو لأنكم مسحتم دمعة من دمعات الكويت المنهمرة بغزارة، كما مسح أبناء عمومتكم عوازم الدائرة الأولى قبلكم دمعة أخرى برفضهم إجراء انتخابات فرعية. وليت قبيلة العوازم تقود بقية القبائل إلى جهة… الكويت.

وسأعلنها هنا والرزق على الرزاق، كثير من مرشحي قبيلتي والقبائل الأخرى يطلبون مني بإلحاح أن «أضغط أكثر» حتى تتفركش الفرعيات ويمضي كلّ إلى غايته، وعندما أسألهم عن سبب خوض الفرعية رغم رفضهم لها، تأتيني إجابة واحدة بصيغ مختلفة: «نعلم مضار الفرعية، لكننا نخشى غضب القبيلة»! إذاً القضية قضية شجاعة وخوف، ليس إلا… هانت إذاً.

هانت، غداً سيؤدي العسكري التحية لقائدته العسكرية من دون فتوى، وستغادر الفرعيات إلى حيث ألقت رحلها، وسنتساءل جميعا: «طالعة من بيت أبوها، رايحة لبيت الجيران/ مر ما سلم عليّه، يمكن الحلو زعلان»، ليش انقلب المؤنث إلى مذكر بلمح البصر ومسافة السكة؟ 

آخر مقالات الكاتب:

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *