أسلك يوميا الدائري الخامس في طريقي الى المكتب، وقبل سنة تقريبا بدأت وزارة الاشغال، مشكورة وممنونة، أو هكذا ظننت، بإجراء صيانة شاملة على حاجز الكونكريت الذي يقع في منتصف اتجاهي الطريق السريع، وقد لاحظت في حينه بطء العمل وسوء المصنعية وقمت بإبلاغ الوزير الصديق موسى الصراف بذلك، ولكن نظام الاسئلة البرلمانية وركاكة نظام الاستجوابات لم يتركا له، او لغيره من الوزراء الجيدين فرصة الانتباه الى مثل هذه الامور.. الصغيرة!
ما ان انتهت اعمال الصيانة، وربما اثناءها، حتى بدأت تنعكس قيم المواطنين والوافدين واخلاقهم وطريقة تربيتهم ونظرتهم إلى الآخر على اطراف رصيف منتصف الطريق الذي انقلب خلال اشهر قليلة الى لوحة سريالية في كل مائة متر منه او اقل، وذلك من قبل مجموعة لا بأس بها من سائقي المركبات المصرين على معانقة الرصيف وترك الوان سياراتهم البهيجة عليه، مع نثر بعض من قطع الغيار هنا وهناك.. تبركا، مع اصرار البعض على تهشيم جزء من الرصيف وتركه شاهدا للتاريخ ليدل على مدى رعونة البعض، واهمال وتخلف ادارة المرور التي تصر على السماح لكل من هب ودب بقيادة مركبة حتى ولو كان، او كانت، لا تعرف التفريق بين حرف الألف وعود الكبريت، دع عنك المنقبات ومستخدمي الهواتف النقالة!
ولو غضضنا النظر عن اعتداءات البعض على هذا الرصيف الذي يبلغ ارتفاعه اكثر من متر وطوله يتجاوز العشرة كيلومترات والذي لا يخلو جزء منه من ضربة مركبة او حادث انزلاق او تهشيم حافلة، لوجدنا انه يمثل، بوضعه الحالي، عنوانا صارخا لحال الفساد التي تعم دولتنا «الفتية، واللي غيرها ما نبي»! فعلى الرغم من مرور اقل من عام على انتهاء صيانة الحاجز الاوسط، فان مظاهر الشيخوخة المبكرة والعجز بدآ يظهران عليه، حيث تكاثرت فيه الشروخ وتهدمت اجزاء كبيرة منه وتساقطت القشرة الاسمنتية التي طليت به لتغطية عيوبه الكثيرة!
فإذا كان من قام بأعمال صيانة ذلك الرصيف لم يعبأ بانكشاف امره، والطريق يمر عليه سنويا اكثر من 5 ملايين سائق مركبة، فكيف الحال اذن مع المقاولين الذين يعملون في الغرف المغلقة او تحت الارض؟
وهذا يقودنا الى أمرين: الاول يتعلق بأهمية الصيانة المستمرة والمستدامة، فلا يكفي بناء العمارات وتشييد المصانع ورصف الطرق ان لم يواكب كل ذلك نظام صيانة معتمد، فأعمال الصيانة الجارية على أغلبية مرافق الدولة تخضع للمصادفة وتوافر الميزانية، واهواء المسؤول ورغباته.
والامر الآخر يتعلق بضرورة محاسبة من اشرف ونفذ وراقب اعمال صيانة رصيف الدائري الخامس، فحبر الشيك الذي دفع له لايزال طريا لم ينشف!
نتمنى على وكيل الاشغال القيام بشيء ما في هذا الصدد.
أحمد الصراف