محمد الوشيحي

بكّير يا كويت

وفي لحظة مشهودة، أنهى الرعد والبرق مهمتيهما بنجاح وتراجعا إلى الخلف، واختفيا وبقي صدى صوتيهما «ألا هل بلغنا، اللهم فاشهد». وتقدمت الغيوم الصفوف، يد على ظهرها والأخرى على بطنها، تتمايل كتمايل الحامل، ثم تربّعت وأطلقت آهاتها، وهات أشوف…

لأول مرة أشاهد منظرا كهذا. السماء كانت غاضبة، تبكي بحرارةِ مَن فقدت ابنها الوحيد، أو كأنها أكلت لقمة سامة فوضعت أصبعها في فمها واستفرغت كل ما في جوفها. يا الله سيجف مخزون السماء بالتأكيد بعد هذا الصباح. كانت تنثر ماءها بانتقام وإسراف، وأظنها لن تجد ما يكفيها للطبخ، وستستجدي الجيران. الإسراف عواقبه وخيمة، وبعدما رفعت المظلات الرايات البيضاء… تسابقنا نحن المارة إلى الجدران طلباً للرحمة سباقَ حياة وموت، والتصق بعضُنا ببعض لشدة الزحام، وكأننا نتواصى بالثبات في وجه هذه الغاضبة العنيفة… لحظتذاك، حبكت معاي السوالف في عز المعمعة فالتفتّ إلى صاحبي وقلت: «سحقا لكم، لماذا أغضبتم السماء إلى هذا الحد أيها الفرنسيون الفسقة؟» فأجابني ضاحكا: «يا عمي حساسة كتير هالسماء، هيئتها جابت معها سماوات تانيين يساعدوها بكبّ المييّ»، قلت: «تفقد المحيطات يرحمني ويرحمك الله، يبدو أن أحدها ذهب في مشوار سريع إلى السماء وها هو يعود إلى موقعه على الأرض»، ووعدني ذلك، سيتفقد المحيطات وسيخبرني… وبعد نحو ساعة من الغضب المدرار، استقر المحيط في موقعه، واكتفت السماء بما فعلته بالأرض، فمسحت دموعها وأغلقت فمها الشاغر ولوّحت لنا سحبها بكفوف الوداع، فودّعناها بزفرات ارتياح صادقة: «بحفظ الله، ما تشوفين شر».

ما هالني، هو أن الشوارع لم تتوقف أبدا، وأن الحياة عادت إلى طبيعتها، للدرجة التي دفعتني إلى التساؤل؛ هل ما حدث قبل قليل كان حفلة تنكرية، أو كاميرا خفية، ويجب الآن أن نتبادل الضحك والأحضان بعدما عرفنا موقع الكاميرا؟. قلت لصاحبي: «لو عطست السماء عندنا في الكويت، عطست فقط، لعقدت الحكومة جلسة طارئة ولتوقفت الشوارع عن التنفس، ولتسابق شيوخ الفتاوى مئة متر حواجز «هذا غضب رباني بسبب ستار أكاديمي، لا بسبب سوبر ستار، لا بل هلا فبراير»، ولتقدم بعض تجارنا بعروضهم لحل المشكلة واستيراد شوارع لا تعمل، كما فعلوا في طوارئ الكهرباء… بينما تشرب شوارعكم كل هذه الكميات من الماء وهي جالسة في المقهى تواصل حديثها على الموبايل مع حبيبها، وكأن شيئا لم يكن!». فقال: «هون ما تعتل همّ خيّي»، ثم أشار إلى عقلة أصبعه «الكويت هالقدّ وفلوسكن يا ما شاء الله»، قلت: «هذا بلا أبوك يا توني».

قلت له ذلك وأنا أتخيل شوارعنا الغارقة، وأتخيل حكومتنا مجتمعة كالعادة، وتلفزيونها يبث الأغاني الوطنية، وقنواتها الخاصة تلقي باللوم في حضن «نواب التأزيم». هاهاها.

بالتأكيد ستغرق الكويت في شبر ماء، أو عطسة سماء. فحكومة تحارب الفرعيات، أو تدّعي ذلك، على اعتبار أن اختيار القادة يجب ألا يرتبط بصلة القرابة، ثم تختار (الحكومة) ستة من وزرائها من أسرة واحدة، الأسرة الحاكمة، بالتأكيد ستغرق وستغرقنا معها. ولا أدري هل يظن الشيوخ أنهم يحبون أبناء عمومتهم أكثر مما نحب نحن أبناء عمومتنا. يجوز. ثم تختار بعد ذلك أحمد باقر (هذا الوزير، لو مات لا قدر الله بعد عمر طويل، لأغلقت الحكومة أبوابها ولباعت أثاثها مستعملا)، ثم تختار بعد باقر عبدالهادي الصالح ليقوم بتوزيع كتيبات فضل صيام عاشوراء، أو قصة معركة الجمل، وتختار عبدالواحد العوضي الذي سيدخل الحكومة مرتديا قفازاته حتى لا تبقى بصماته على الباب، وقس على ذلك يا صاحبي… بالتأكيد ستغرق الكويت، وستبقى كذلك لأنها «صغيرة» في عيني حكومتها، و«بكّير بعدك يا صغيرة، بكّير تتصيري كبيرة، بكّير بعدك ع الغيرة، بكّير».

 

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

سامي النصف

وبدأ التسونامي الاقتصادي تدميره

بينما نحن مشغولون بأزماتنا السياسية وانتخاباتنا النيابية ومعاركنا الإعلامية والكلامية بدأ يجتاح الكويت تسونامي اقتصادي مدمر لم نشهد له مثيلا في تاريخنا، ستسقط مقدمته الشركات المساهمة بمختلف أنواعها، ثم يتعداها الى البنوك التي اقرضتها ومنها الى كينونة البلد ومواطنيه حيث سيتسبب تفعيل قانون ضمان الودائع في تسييل جميع أصولنا وبيعها بأبخس الأثمان لدفع أثمانها للمودعين ما يعني التدمير الكامل لاقتصادنا وتوقف الدولة على الأرجح عن دفع الرواتب والأجور في المستقبل.

وإذا كنا نفهم ونتفهم ان تربح أو تخسر هذه الشركة أو تلك مليونا أو خمسة ملايين دينار، إلا أننا لا نستطيع ان نستوعب أرقام خسائر مجنونة كأن تخسر شركة مواد بناء ما يقارب المائة مليون دولار في حقبة كان فيها الطلب على أشده على تلك المواد، فمن أين أتت الخسائر؟ وأين ذهبت الأموال؟

ويردد بعض الساسة والأكاديميين والإعلاميين كالببغاء ان إنقاذ الشركات والبنوك في الشرق والغرب تم لأنها تدفع الضرائب (!) ونحن لا ضرائب عندنا، متناسين ان ما دفع للاستحواذ على شركات العقار والتأمين والبنوك الاستثمارية الغربية لا يمكن ان يسترد من خلال الضرائب حتى بعد ألف عام، فخطط الإنقاذ قد فعّلت كي لا تكبر كرة ثلج الأزمة الاقتصادية وتدمر كل شيء أمامها.

انّ جعل دفع الضرائب مقياسا للإنقاذ الاقتصادي من عدمه في بلدنا يعني الا ننقذ الافراد كذلك، حيث ان المواطن الأميركي والأوروبي والآسيوي يقوم بدفع الضرائب التي لا يدفعها المواطن الكويتي فهل يعني هذا تركه لمصيره كحال تركنا للشركات المساهمة والبنوك؟!

ان كبار الخبراء والمستشارين في العالم يحذّرون من تداعيات أزمتي شركات الاستثمار في الكويت وشركات العقار في دبي ومازالت دولة الامارات تعمل جاهدة لحل اشكالها العقاري بينما يكتفي البعض الجاهل لدينا في الكويت باختزال ذلك التسونامي في أنه مشكلة 10 أفراد لا غير يراد إنقاذهم وتعجز الكلمات بعد ذلك عن الرد على تلك الافتراءات.

ان على الدولة ان تتحرك بسرعة بعد ان تأخرت كثيرا في ضخ الأموال والسيولة اللازمة للسوق وتلك المبالغ لن يعرف مقدارها حتى تبدأ خطوات العلاج الأولى، وهذا ما حدث تماما في الغرب حيث ضخت الأموال ثم ضخ المزيد منها حتى ان بعض دولهم تقوم هذه الأيام بضخ الأموال للمرة الخامسة في السوق لعل وعسى أن يتوقف التسونامي ويقل تضخم كرة الثلج الاقتصادية وتداعياتها الرهيبة.

آخر محطة:
آخر ما يحتاجه البلد هذه الأيام هو حناجر تصدح وتصرخ ضد مشروع الإنقاذ الاقتصادي كوسيلة للوصول للكراسي الخضراء على حساب تدمير الوطن.

احمد الصراف

الرصيف الشاهد على التدهور الخلقي

أسلك يوميا الدائري الخامس في طريقي الى المكتب، وقبل سنة تقريبا بدأت وزارة الاشغال، مشكورة وممنونة، أو هكذا ظننت، بإجراء صيانة شاملة على حاجز الكونكريت الذي يقع في منتصف اتجاهي الطريق السريع، وقد لاحظت في حينه بطء العمل وسوء المصنعية وقمت بإبلاغ الوزير الصديق موسى الصراف بذلك، ولكن نظام الاسئلة البرلمانية وركاكة نظام الاستجوابات لم يتركا له، او لغيره من الوزراء الجيدين فرصة الانتباه الى مثل هذه الامور.. الصغيرة!
ما ان انتهت اعمال الصيانة، وربما اثناءها، حتى بدأت تنعكس قيم المواطنين والوافدين واخلاقهم وطريقة تربيتهم ونظرتهم إلى الآخر على اطراف رصيف منتصف الطريق الذي انقلب خلال اشهر قليلة الى لوحة سريالية في كل مائة متر منه او اقل، وذلك من قبل مجموعة لا بأس بها من سائقي المركبات المصرين على معانقة الرصيف وترك الوان سياراتهم البهيجة عليه، مع نثر بعض من قطع الغيار هنا وهناك.. تبركا، مع اصرار البعض على تهشيم جزء من الرصيف وتركه شاهدا للتاريخ ليدل على مدى رعونة البعض، واهمال وتخلف ادارة المرور التي تصر على السماح لكل من هب ودب بقيادة مركبة حتى ولو كان، او كانت، لا تعرف التفريق بين حرف الألف وعود الكبريت، دع عنك المنقبات ومستخدمي الهواتف النقالة!
ولو غضضنا النظر عن اعتداءات البعض على هذا الرصيف الذي يبلغ ارتفاعه اكثر من متر وطوله يتجاوز العشرة كيلومترات والذي لا يخلو جزء منه من ضربة مركبة او حادث انزلاق او تهشيم حافلة، لوجدنا انه يمثل، بوضعه الحالي، عنوانا صارخا لحال الفساد التي تعم دولتنا «الفتية، واللي غيرها ما نبي»! فعلى الرغم من مرور اقل من عام على انتهاء صيانة الحاجز الاوسط، فان مظاهر الشيخوخة المبكرة والعجز بدآ يظهران عليه، حيث تكاثرت فيه الشروخ وتهدمت اجزاء كبيرة منه وتساقطت القشرة الاسمنتية التي طليت به لتغطية عيوبه الكثيرة!
فإذا كان من قام بأعمال صيانة ذلك الرصيف لم يعبأ بانكشاف امره، والطريق يمر عليه سنويا اكثر من 5 ملايين سائق مركبة، فكيف الحال اذن مع المقاولين الذين يعملون في الغرف المغلقة او تحت الارض؟
وهذا يقودنا الى أمرين: الاول يتعلق بأهمية الصيانة المستمرة والمستدامة، فلا يكفي بناء العمارات وتشييد المصانع ورصف الطرق ان لم يواكب كل ذلك نظام صيانة معتمد، فأعمال الصيانة الجارية على أغلبية مرافق الدولة تخضع للمصادفة وتوافر الميزانية، واهواء المسؤول ورغباته.
والامر الآخر يتعلق بضرورة محاسبة من اشرف ونفذ وراقب اعمال صيانة رصيف الدائري الخامس، فحبر الشيك الذي دفع له لايزال طريا لم ينشف!
نتمنى على وكيل الاشغال القيام بشيء ما في هذا الصدد.

أحمد الصراف

سعيد محمد سعيد

برلمان 2010

 

إذا شاء الله سبحانه وتعالى، لنا ولجميع القراء الكرام، بل ولمملكة البحرين قيادة وحكومة وشعبا، أن نشهد تجربة الانتخابات البلدية والنيابية في العام 2010، مقاطعين ومشاركين… متفائلين بتقدم التجربة ومتشائمين… مطالبين بالتعديلات الدستورية وإعادة النظر في توزيع الدوائر وغير مطالبين… موالين ومعارضين… رجالا ونساء، فإن ثمة صورة متخيلة لدى الفقير لله، لن تكون أفضل من صورة ما نحن عليه الآن.

إن أعطانا الله وإياكم عمرا، سأذكركم بأن ذات الأداء وذات التركيبة البرلمانية، وربما ذات الوجوه، وذات الإشكالات والمصادمات والمشاحنات، وذات العلاقة بين الحكومة والنواب، ستكون هي هي في البرلمان المرتقب في العام 2010، اللهم إلا في حالة واحدة: أن يتحرر المواطن البحريني من قيد الخوف من اتخاذ قراره بنفسه، وبشجاعة الرافض لتكرار ذات الأخطاء، وأن يختار مرشحه مرشحته بنفسه من دون إملاءات انتخابية طائفية أو حزبية، أي أن يكون شجاعا في الاختيار الحر ثم التصويت الحر، داخل كبينة صغيرة لا يعلم عن قراره إلا الله سبحانه وتعالى وحده.

وهذا الأمر أيضا، لن يتم؟! فالعقل الجمعي، وقوة التأثير المحيطة السالبة للقرار الشخصي، والمستسلمة للتوجيه الجماعي وفقا للانتماء الطائفي والسياسي، ستقوى أكثر وأكثر، ولا عتب على الكتل الانتخابية في مختلف الدوائر، إن استسلمت لهكذا توجيه، ولا عتب أيضا، على الجمعيات السياسية إن واصلت عملها في كسب كل صوت تستطيع الوصول إليه، كرها أو طوعا، ولا عجب، فهذه هي قمة الاحتراف في الصراع الانتخابي، ليس في المجتمعات النامية ديمقراطيا، بل حتى العريقة منها.

وربما يكون للسيناريو مسار آخر وارد لا محالة، وهو بقاء كتل انتخابية على قرارها المقاطع للمشاركة، وتنضم إليها كتلة انتخابية أخرى كانت فاعلة في انتخابات 2006، ولن تكون كذلك في انتخابات 2010، وهم جموع من المواطنين الذين وجدوا في من انتخبوهم ليكونوا ممثلين لهم، خيبة أمل لا مثيل لها، وأداء يجدونه أكثر من سيئ، وتجربة طمحوا لأن تكون منطلقا لحياة ديمقراطية مميزة، فلم يجنوا منها سوى المزيد من الشروخ الطائفية، والمزيد من الصدام الاجتماعي المؤثر على استقرار المجتمع، والمزيد المزيد من التحزب اللامبالي بقضايا المواطنين الرئيسية، والمزيد من التطلع للمصالح الفئوية.

ومع ذلك، لن يكون لهذه الكتلة تأثير يذكر، وستسير الانتخابات بمشاركة كبيرة… هكذا أتوقع.

وعلى أية حال، وعلى رغم وجود آراء محدودة تجد في الممارسة البرلمانية في تجربتها الأولى سقفا لا بأس به من الأداء الجيد المؤسس لنضج أكبر مستقبلا، إلا أننا لو استطلعنا رأي السواد الأعظم من المواطنين، وفق استبيان ميداني، فمن دون شك، ستكون النسبة الأكبر للمعبرين عن خيبة أملهم واستيائهم من أداء البرلمان، على اعتبار أن ما تحقق من إيجابيات، إن وجدت، أقل بكثير من مستوى الطموح، وربما طغت السلبيات بقوة، وهذا ما بدا من خلال استبيان أجرته الزميلة (أخبار الخليج) والذي أعرب فيه 76 في المئة من المواطنين بشأن أداء المجلس النيابي في الدور الثاني من الفصل التشريعي الثاني، عن عدم اقتناعهم بأداء النواب في هذا الفصل، وقال 45 في المئة منهم إن الأداء لم يكن مرضيا أبدا، واعتبر31 في المئة أن الأداء كان مرضيا إلى حد ما لكنه ليس مقنعا. فيما اعتبر 51 في المئة أن البرلمان لم يرضِ طموحات الشعب منذ إنشائه وحتى الآن، ورأى 70 في المئة منهم أن الطائفية كانت السمة الغالبة على الاستجوابات، كما ذكر 38 في المئة أن الصراع بين الكتل النيابية كان كبيرا وجاء على حساب إنجازات البرلمانيين.

في حين رأى 87 في المئة من المواطنين أن التسييس لعب دوره في المجلس النيابي سواء بشكل كبير (45 في المئة)، أو بشكل محدود (42 في المئة)، وبنسبة مقاربة لـ(85 في المئة) رأى المبحوثون أن الطائفية لعبت هي الأخرى دورها في المجلس، بينما أوضح 15 في المئة فقط أنه لم يكن للطائفية وجود تحت قبة البرلمان.

من يراهن، على أن الناس ستشارك في انتخابات 2010، وستبقى الوجوه ذاتها أو تتغير قليلا، وسيبقى الحال على ما هو عليه، لكن إلى أين يلجأ المتضرر؟