محمد الوشيحي

باشلّ حبك معي

جئت إلى الدنيا أجري بأقصى سرعة، عين على ساعة يدي وأخرى على الطريق خوفا من العركبة، وياما تعركبت. أجري وتتساقط مني الأشياء ولا أمتلك الوقت للتوقف والتقاطها، باستثناء العاطفة وأمور أخرى. والعاطفة إنْ سقطت فسأتوقف وسأنحني لألتقطها وسأمسح الغبار عنها بـ«طرف كمّي».

وبعد انتقالي من بيتي الذي فيه تربيت وحبوت على ركبتيّ وكفيّ، جريدة «الراي»، وجئت إلى بنت الذوات الأنيقة الشقية، جريدة «الجريدة»، أقول بعد إعلان الانتقال نصحني من نصحني بتغيير اسم الزاوية من «آمال» إلى اسم آخر، على اعتبار أن «آمال» أخذت حقها وزيادة، وجاز لك أيها الوشيحي أن تستمتع وتجدد حياتك، مثنى وثلاث ورباع.

وفكر الأحباب والأصحاب في أسماء وأسماء، واقترحوا وأرسلوا لي بوفيه مقترحاتهم لأختار، فخلوتُ مع نفسي برهة ثم رفعت صوتي مرددا أغنية الفنان الجميل أبو بكر سالم بلفقيه: «باشل حبك معي بلقيه زادي…»، ولمن لا يتحدث الحضرمية، كلمة «باشل» تعني سأحمل، و«بلقيه» أي سأجعله، وأنا سأحمل «آمال» معي وسأجلسها على حجري… في «مقْيَلي والسمَر».

و«آمال» جريدة «الراي»، هي ذاتها «آمال» جريدة «الجريدة»، بشحمها ولحمها. وجريدة «الراي» مثل المعلمة المصرية في شوارع وسط البلد، جمالها واضح من على بعد فرسخ وفيها من الدهاء ما فيها، وستشاهدها على ناصية الشارع بجانب بياع الفول ويداها على وسطها، وسيلفت نظرك قوامها الممشوق وجبروتها، ويا ويلك ويا سواد ليلك لو اعترضتَ طريقها، وهي ستدعوك إلى الغداء وستطبخ لك بيديها وجبة دسمة باللحم والخضار، وستأكل أنت إلى أن تفقد الذاكرة… بينما جريدة «الجريدة» كما الصبية الأنيقة الذكية التي تلقت تعليمها في مدرسة فرنسية، وتحفظ الأغاني الأجنبية كلها وتداوم على قراءة الروايات، وهي ستسبب لك غصة في الحلق لو مرت من أمامك تتقافز كالغزالة والـ«آي بود» على أذنيها، وستبلع ريقك مرارا ومدرارا لو تبسمَت، وستتحرك تفاحة آدم في بلعومك المبارك من دون كنترول، طالعة نازلة، وقد تتوقف التفاحة في قفاك أو بجانب أذنك، حسب التوافيق، وستفقد ملامح النوم لو شممت عطرها، وآه يا عطرها، وستدعوك الشقية إلى تناول «وايت موكا» في ستار بوكس مع أصدقائها وصديقاتها، وسيجلس بجانبك «شحط» من فصيلة الدببة لا يرتدي حزام البنطلون، يتبادل معها الضحك والحديث باللغة الفرنسية، وأنت مثل الأطرش في الزفة، وسيغلي الدم في عروقك، وستطلب أنت من «الشحط» رقم موبايله، وسترسل له «مسج»: «اهب يا النذل، متى وصلت من سيبيريا؟»، وستغادران المقهى أنت والشقية على سيارتك، وفي الطريق ستطلب منك التوقف أمام محل «باتشي» للضرورة القصوى، فالكاكاو من أساسيات الحياة، بيليف مي! وفي «باتشي» ستسألها الصبايا عن اسم عطرها وعن ملابسها وتسريحتها، فتخبرهن بترف تلقائي، فيقلدنها ويعجزن، وع الأصل دوّر.

والصحف كما النساء، مذاقات مختلفة يا صاحبي، وستستمتع أنت بالمذاقات كلها طالما صحتك عال والتيس يمشي على زندك، ومتى ما وقع التيس يفتح الله، فستنهال عليك الركلات والشتائم من كل فج عميق، والركل قسمة ونصيب.

* * *

قبل ترشيح العم عبدالعزيز العدساني، كنا على وشك ذكر محاسن الأموال العامة وقراءة الفاتحة على الأمل في مستقبل هذا البلد، فجاء ترشيحه لينثر الابتسامات في فضاءاتنا كما قصاصات الورق الملونة في احتفالات رأس السنة، فنهضنا كلنا نرقص ونغني.

لكن فرحتنا بالعدساني لم تتم بعدما أبلغنا البعض أن الداخلية تكثف دورات مكافحة الشغب لعساكرها! وقوات مكافحة الشغب لا تستخدم لتنظيم مهرجان هلا فبراير عادة… ويا أيها الدستور العظيم علامَ ينوي هؤلاء؟

سامي النصف

اقتصاديات واتصالات

الاشكالية الحقيقية للشباب الكويتي النشط العامل في الشركات المساهمة الكويتية (تجمع مستقبلنا) هي انهم يدفعون ثمن الاخطاء الفادحة لبعض المقامرين والمغامرين من العابثين بمصائر الشركات العامة، لذا نرجو من وزير التجارة الفاضل أحمد باقر ان يتم هذه المرة وضع الضوابط الكفيلة بمنع الانهيارات المتكررة في بورصتنا، حيث لن نملك مستقبلا الاموال الكفيلة بتعويم سوق أوراقنا المالية.

أضعنا كعرب جزءاً كبيراً من ثروتنا في انهيار الاسواق المالية العالمية، كما أضعنا جزءاً كبيراً آخر في مشاريع عمرانية ضخمة غير مدروســـة، أخـــشى أن نضيــع ما تبقى من أموالنا في بعض المشاريع شبه الخيالية التي اقترحتها الامــانة العـــامة للجامعة العربية، وأعني تحديدا مشـــروع ربط الوطن العربي بالسكك الحديدية غير المجدي اقتصاديا.

ويظهر المشروع الذي تختبئ الشياطين كالعادة في تفاصيله ان هناك 13 خطا ستتجه من الشرق الى الغرب و11 خطا من الشمال الى الجنوب، وان 11 الف كم من السكك الحديدية المهترئة الحالية ستزداد بمقدار اربعة اضعافها، أي 34 الف كم اضافية، حيث ستربط رام الله بغزة ثم عبر شمال افريقيا حتى موريتانيا كما ستربط شمال سورية بالاردن والسعودية واليمن ثم عبر البحر لجيبوتي والصومال ثم ربط شمال العراق بجنوب عمان وساحل البحر الابيض بجنوب السودان.

ومعروف ان اغلب مشاريع السكك الحديدية القائمة في الدول المتقدمة الاميركية والاوروبية واشهرها قطار «اليوروتنل» الذي يربط العاصمتين الشهيرتين لندن وباريس خاسرة رغم أن أوروبا تمتاز عنا بـ «أ» قصر المسافات، «ب» كثافة السكان بالنسبة لمساحة الارض، «جـ» كثرة الصناعات التي تحتاج الى نقل، «د» الثراء العام للناس الذي يساعدهم على الترحال الدائم والسياحة.

قد يكون البديل المناسب والممكن لمشاريع السكك الحديدية المكلفة انشاء وتشغيلا هو ربط الوطن العربي بشبكة طرق سريعة كحال الولايات المتحدة ع‍لى ان تتكفل كل دولة بتكلفة الطرق التي تمر بها مع مساهمات للقطاع الخاص يتم تحصيلها عبر فرض رسوم على استخدام تلك الطرق، ان عدم مساهمة الدول المعنية بجزء من تكاليف الطرق التي تمر ببلادها سيجعلها تتهاون في صيانتها، كما انها ستعمد لإغلاقها مع أول ازمة سياسية لها مع جارتها، وما أكثر أزماتنا.

ونشرت مجلة «الاقتصاد والاعمال» في عددها هذا الشهر قائمة بأكبر 1000 شركة عربية طبقا لحسن رأسمالها السوقي في مرحلة ما بعد طوفان 2008 وقد ضمت أول 6 شركات في الترتيب 4 شركات اتصالات، اضافة الى شركة سابك وبنك الراجحي، وبالمقابل نشرت نفس المجلة الخاسرين الكبار من الازمة واحتلت صناعات قطر المركز الاول، حيث خسرت 93% من قيمتها السوقية خلال عام ثم شركة اعمار العقارية 85% وبنك دبي الاسلامي 83% ومجموعة طلعت مصطفى 75%.. الخ.

آخر محطة:

نشرت جريدة الديار المصرية في عددها الصادر في 27/1 على صفحتيها الاولى والثالثة تفاصيل مشاكل أراض تخص شركة كويتية ـ مصرية، كنا قد نبهنا لعدم صحة استخدام أموال مساهميها لشراء أراض متنازع عليها تخص أعضاء مجلس الادارة. ادعى علينا أحد الكتاب بما لم نقله، بل قلنا عكسه تماما، وقد أرسلنا له تصحيحا ومازلنا في انتظار نشره كما تقتضي ذلك الاعراف الصحافية.

احمد الصراف

مشكلة الوجود المسيحي العربي

لا يعاني المواطن غير المسلم، والمسيحي واليهودي بشكل خاص، مشاكل كبيرة في العيش بسلام مع بقية مواطنيه في غالبية دول المغرب العربي، مقارنة بوضع أقرانهم في دول المشرق، على الرغم من أن وجود مسيحيي الشرق بالذات سابق لوجودهم في أي منطقة أخرى في العالم. لذا نجد أن المواطن غير المسلم في دول المغرب، بشكل عام، لا يفكر في الهجرة، كما هو حال، وربما مآل مسيحيي الشرق الذين يتملكهم يوما عن يوم الشعور بضرورة البحث عن موطن آخر، خوفا من التطرف الديني على مستقبلهم ومستقبل أبنائهم، على الرغم من أنهم كانوا هنا قبل المسلمين بمئات السنين!
يمكن القول بشكل عام، مع إصرار على تجاوز فترات مظلمة في تاريخ المسيحيين واليهود في دول الشرق، بأن أوضاع غير المسلمين «الأمنية بالذات»، في بلاد الإسلام بشكل عام لم تكن سيئة دائما، وخاصة في فترات التسامح والازدهار الثقافي والفني والبحث العلمي التي لم تستمر طويلا إبان حكم العباسيين. ولكن هذا الخوف تزايدت وتيرته مع بداية الصحوة الدينية الإسلامية «المباركة»، التي ترفض التعايش مع الآخر، ما لم يكن ذلك التعايش خاضعا لشروطها الدينية التي من أساسياتها تقسيم الآخر بين مسلم وذمي وكافر ومشرك وعبد وحر ورجل وامرأة وغير ذلك، وقد تسبب كل ذلك في حركة هجرة الشباب المسيحي إلى دول الغرب، وهي الهجرة التي بدأت هادئة ومتقطعة قبل ثلاثة عقود، وأصبحت أكثر وضوحا في السنوات القليلة الأخيرة، وبالذات من مصر ولبنان والعراق، وأغلب، وربما كل من هاجر من هؤلاء لا يفكر حتما بالعودة لما كان يوما، ومن آلاف السنين، البيت والوطن والأرض الطيبة! والغريب أن جهات إسلامية ومسيحية تشجع هؤلاء على الهجرة، سواء بالتهديد المباشر لأوضاع حياتهم، أو بإشاعة ما ستصبح عليه أوضاعهم في منطقتنا، إن تسلمت الأحزاب الدينية الأصولية زمام الحكم في أي دولة عربية، كل هذا مع وجود هاجس الدعوة التي تتبناها أحزاب وجهات عدة للعودة إلى نظام الخلافة الإسلامية، وكل هذه المطالبات كافية لبث الرعب في نفوس الأقليات المسيحية الشرقية، التي لم تنس ما عاناه آباؤهم وأجدادهم من ذل وتحقير على يد العثمانيين، التي يتجنب أتراك اليوم حتى التطرق إليها!
وقد يتساءل البعض عن سبب كل هذا الاهتمام بمسيحيي الشرق، والخوف على مصيرهم، وسبب الحرص على بقائهم بيننا، بالرغم من اختلافهم الكبير عن أسلوب عيش وتفكير الغالبية العظمى من سكان أي وطن عربي وشرقي، وللإجابة على ذلك، فإننا سنتجنب الدخول في متاهات التاريخ، وسنتجنب أيضا الجدال في العدد الحقيقي لمسيحيي دول الشام والعراق ومصر مثلا، قبل الغزو الإسلامي لبلادهم، أو بعد ذلك، لكي نؤكد حقهم في البقاء هنا ومعاملتهم كمواطنين متساوين في الحقوق والواجبات، مثلهم مثل غيرهم، فهذا سيطول بحثه وربما لن ننتهي إلى نتيجة حاسمة، على الرغم من تاريخ التعايش المشترك الذي يجمع الطرفين لأكثر من 1400 عام وهو أكثر من كاف، بل سنحاول هنا أن نبين أن وجود المسيحي، وغيره من أتباع الديانات الأخرى، بيننا ضروري لصحتنا العقلية والنفسية ولتقدمنا الحضاري والثقافي، هذا إضافة إلى حقهم الطبيعي في هذه الأرض كغيرهم من المواطنين.
فلا أحد يمكن أن ينكر حقيقة أن عطاء المسيحي لوطنه في حقول الثقافة والفنون والآداب يزيد بكثير عن نسبتهم لعدد السكان الإجمالي في أي دولة عربية أو إسلامية بشكل عام.
كما أن الفضل يعود إليهم في المقام الأول في ترسيخ مفهوم الوطن والمواطنة، وبغيابهم يسهل على معادي هذا المبدأ محو هذا الشعور وإذابة الوطن في كيانات أكبر قد لا تكون مناسبة.
كما أن وجودهم بيننا، أو وجودنا بينهم، لا فرق، يجعل المجتمع أكثر تسامحا بعضه مع بعض من جهة، ومع الآخر من جهة ثانية. كما أن لغة التخاطب بوجودهم تصبح أكثر تهذيبا ورقيا، ولو كان مفتعلا في مراحله الأولى، فسرعان ما يصبح عادة وجزءا من مسار الحياة.
ووجودهم بيننا، أو العكس، يجعل من ألوان المجتمع وثقافاته أكثر تعددا وتنوعا ومن الحياة أكثر بهجة. وزيارة لقرى ومدن أقباط مصر في المنصورة، أو ضيع الموارنة في كسروان لبنان، أو مدن الأرثوذكس في وادي النصارى بسوريا، ستبين ما يعنيه هذا الكلام، فهل بإمكان أحد تخيل بكفيا أو شتورة أو بسكنتا أو صيدنايا أو معلولا أو حتى المنصورة من غير مسيحييها؟
وفوق هذا وذاك فإن المسيحيين العرب، بالإضافة إلى كل مناقبهم وإسهاماتهم الكبيرة في كل نشاط، لم تقع بينهم وبين المسلمين أي حروب حقيقية منذ انتهاء الحروب الصليبية، وحتى اليوم. كما أن الكثيرين منهم وقفوا مع صلاح الدين ضد الغزاة الصليبيين. كما ان مسيحيي لبنان ومسلميه لم تقع بينهم حرب دينية واحدة طوال أكثر من ألف عام، ولكن فجأة شعر المسيحي اللبناني والعراقي والمصري أن وجوده مهدد، بعد قتل رهبانهم وبطاركتهم وهدم كنائسهم ومنعهم حتى من ترميم القديم منها، وبعد كل ذلك ماذا يتبقى من وهج لبنان وعنفوانه وتنوعه إن رحل المسيحيون عنه؟ والأمر ذاته ينطبق على سوريا والعراق ومصر وغيرها من الدول العربية.

أحمد الصراف

علي محمود خاجه

تكفه يا الجزّاف

بعد السنوات العجاف التي شهدت كل أشكال الفساد الإداري واللاعمل في الهيئة العامة للشباب والرياضة، وبتقاعس واضح من وزراء «الشؤون» المتعاقبين على إصلاح الخلل في القطاع الشبابي والرياضي، والاكتفاء بالكلام الإنشائي بحق الشباب بأنهم الجيل الصاعد، ومشيّدو أمجاد الوطن، وغيرها من العبارات.

وبعد أن أصبح التنفيع سمة من سمات القطاع الرياضي، فيتولى لاعب الجمباز منصباً مختصاً في «التنس»، وأصبحت التفرغات الرياضية تمنح لكل المقربين حتى إن لم يمتوا إلى الرياضة بصلة، وبعد أن أُبعِدت الكفاءات لمجرد عدم انتمائهم لأندية وتكتلات «طويلي العمر».

وبعد أن أصبحت المنشآت الرياضية الكويتية هي الأسوأ على الإطلاق، لدرجة جعلت بعض الساحات العامة المنتشرة في مختلف مناطق الكويت أفضل بكثير من المنشآت الرياضية الحكومية، بعد كل هذا القدر من المعاناة التي نتأمل من بعدها أن تأتي الإنجازات من العدم، أتى إلى قيادة القطاع الرياضي رجل سمعنا عنه وعن تفانيه في العمل وعطاءاته الكثير والكثير، وكم نتأمل أن يكون ما يسمع هو الواقع حقاً.

السيد فيصل الجزّاف نعلم أن فساد الرياضة «لا تحمله البعارين» شأنه شأن سائر قطاعات الدولة، ولكنك رياضي من الزمن الجميل، وأنت من لامست أناملك نشوة الفوز يوماً بعد يوم، فاعتدت عليه واعتاد عليك، ولن تقبل بأي طعم غير الانتصار، لذا فأنا أناشدك في هذا المقال أن يكون عملك ملموساً وواضحاً من الآن، فأول ما تحتاجه الرياضة الكويتية الآن هو المنشآت وصيانتها، خصوصا ملاعب كرة القدم، فنحن لا نملك أي ملعب كرة قدم أخضر!! حتى استاد «بيض الصعو» الذي لم ينته منذ 2004 يشكو من سوء الأرضية قبل أن تُلعب فيه مباراة واحدة.

الوضع لا يحتمل التأجيل أكثر، فالمصيبة الرياضية كبيرة جداً، وتحتاج إلى انضباط وإلحاح على التقدم، وهي أمور من مميزاتك بسبب عملك العسكري وإنجازاتك الرياضية، وكم أتمنى أن يصدر القرار في هذا الأسبوع بتهيئة الملاعب فوراً وقبل أن ينقضي هذا الشهر، وسترى المردود الطيب سريعاً.

خارج نطاق التغطية:

قد لا يُرضي هذا المقال الكثير من القراء، وأنا أعتذر على ذلك، ولكني على يقين بأننا سنناشد ونتشبث بكل شخص قيادي نعتقد أنه يريد أن يقدم شيئاً ملموساً لبلده، ومنهم فيصل الجزّاف.

سامي النصف

إفتاءات وانتخابات وأوباما والراشد

أحد اكثر المواضيع اثارة للاهتمام هذه الايام هو قضية الافتاء وقد تقدم عضو مجلس الشعب المصري مصطفى الجندي بمقترح يجرم من خلاله من يقوم بالافتاء دون صفة او تأهيل مسبق كونه لا يختلف من قريب او بعيد عمن ينتحل صفة طبيب مع فارق ان الاول قد يكون اكثر ضررا من الثاني.

لقد امتلأت الفضائيات المحرضة والمؤدلجة بشباب غر صغار يفتون بالثبور وعظائم الامور مطلقين على انفسهم لقب «شيوخ» الدين رغم ان اعمارهم لا تتجاوز العشرينيات، ان اجمل ما في مقترح النائب الجندي هو امكانية رفع الدعاوى القضائية على المحرضين واصحاب فتاوى التكفير والتدمير واستباحة الدماء.

وأمران محددان وددنا لو تم منعهما في قضايا الافتاء أولهما وقف عمليات الافتاء على الهواء وعبر خط الهاتف المفتوح كونها لا تسمح للمفتي بالرجوع للمراجع الفقهية ومن ثم قد يستعجل في اصدار فتوى يثبت خطؤها وضررها فيما بعد ولا يستطيع التراجع عنها، والافضل من ذلك ان تبعث الاسئلة مكتوبة كي يقوم المذيع بدور السائل والشيخ بدور المجيب، كما كان يحدث مع الشيخين النوري والطنطاوي، الامر الآخر ضرورة الحد من الفتاوى «الفردية» خاصة في القضايا المستحدثة والمهمة والحساسة واستبدال ذلك بالعمل المؤسسي الجماعي حتى لا تصدر الفتاوى دون البحث والتشاور اللازمين.

ومن الافتاءات الى الانتخابات وحقيقة ان العراق سيبقى جارا لنا ابد الدهر ومن ثم سنتأثر شئنا او ابينا بما يحـــدث لديه وقد جرت قبل ايام الانتخابات العـراقية العامة التي ستحدد شكل عراق المستقبل خاصة في مرحلة ما بعد انسحاب القوات الاميركية وقد وددنا لو كان لنا دور او قول في تلك الانتخابات حالنا حال بعض جيران العراق المتداخلين في شؤونه حتى نحاول ان نصلح ما يفسدونه.

ان مصالح الكويت والخليج تفرض علينا العمل ضمن الجو الديموقراطي القائم لدعم الكتل الليبرالية والعلمانية (عدا البعثية) عند كل الطوائف والقوميات حيث لا ضرر على العراق او الجيران من تلك التوجهات التي تجمع ولا تفرق العراقيين، اما اغلب الكتل الاخرى فضررها على العراق وجيرانه كبير جدا كونها قد تشعل الحرب الاهلية فيه او تصبح مخلب قط للآخرين.

آخر محطة:

اختص الرئيس باراك اوباما المسلمين بأول خطاب له مبديا حسن النوايا تجاههم، كما اختص قناة «العربية» بأول لقاء تلفزيوني له بعد انتخابه، نرجو ان يمد العرب والمسلمون ايديهم للرئيس الاميركي الجديد لتحقيق السلام في المنطقة وألا يخذلوا اصدقاءهم، كعادتهم! تحية عطرة لمدير العربية المبدع عبدالرحمن الراشد على هذا السبق الاعلامي الدولي وكفو يا بوفهد.

احمد الصراف

مال ومال ومال

انتشرت على الإنترنت القصة الطريفة التالية:
استطاعت سيّدة فقيرة اختراق طوق الحراسة على أحد وجهاء المنطقة في منتجع شهير. وعندما حاول الحرس إبعادها أمرهم بتركها، فحكت له قصتها وكيف مات زوجها في إحدى حروب المنطقة الأخيرة، وما أكثرها، وأن لديها عشرة أطفال ولا تعرف كيف تقيم أودهم، وأنها صرفت كل ما لديها لتصل اليه وتقص عليه مأساتها. رق لها قلب الوجيه وخاطبها قائلا: إنه سيساعدها، ولكنه عادة لا يحمل مالا معه، وسيرسله لها إن أعطت سكرتيره عنوانها.
لإعطاء الموضوع زخما إعلاميا، طالما اشتهر به الوجيه الثري قام بإرسال شيك بمبلغ 100.000 دولار لرئيس السلطة التي تنتمي لها المرأة، راجيا منه توصيلها لها على عنوانها.
وهنا استدعى الرئيس وزير داخليته، وسلمه خمسين ألف دولار واسم وعنوان السيدة، وطلب منه توصيلها لها مع رسالة رقيقة منه، وأن يخبرها بأن المبلغ هدية من الوجيه المعروف. خرج الوزير واستدعى المحافظ لمكتبه وسأله إن كان سمع بقصة المرأة التي اخترقت الحصار الأمني حول الوجيه، وعندما أجاب بنعم سلمه 25 ألف دولار واسم وعنوان السيدة وطلب منه إيصال المبلغ لها.
اتصل المحافظ بمدير الأمن وقال له هل تذكر السيدة … الخ، واستدعاه لمكتبه وسلمه مبلغ عشرة آلاف دولار وطلب منه توصيل المبلغ، فقام هذا بدوره بالاتصال برئيس الحي وقال له: أتذكر قصة السيدة … الخ، خذ مبلغ الخمسة آلاف وسلمه لها. رئيس الحي استدعى عريفا وأرسله للسيدة ليقول لها إن الوجيه يسلم عليها ويقول: الله يسهّل أمورك!
ذكرتني هذه القصة بتصريح عمرو موسى الذي قال فيه إن المساعدات التي أقرتها القمة سوف لن تسلم لحماس بل ستصرف مباشرة على المشاريع التنموية التي ستقوم بها شركات تابعة للدول المانحة!! وعلىالرغم من وضوح الاتهام لحماس بعدم الأمانة، فإن أحدا من قادتها لم يستطع فتح فمه محتجا!! فالمبلغ أكبر من ان يغامر به بتصريح سخيف!!
كما ذكرتني الطرفة بقصة وردت في مذكرات كيرمت روزفلت، أحد رجال المخابرات الأميركية في طهران إبان حكم والد الشاه السابق. حيث قال إنه قام بزيارة الشاه رضا خان وأبدى امتعاض حكومته للطريقة التي تتصرف بها الحكومة الإيرانية، بما يردها من مساعدات مالية من أميركا. وأن أيا من المشاريع الضخمة التي مولتها حكومته لم تنته بالشكل المطلوب. وهنا نظر الشاه بخبث لرجل المخابرات وقال له «إن مساعداتكم لنا تشبه قالب الثلج المستطيل الذي نعرفه في بلادنا. فأنت تعطيني القالب فأعطيه لرئيس وزرائي ليعطيه لوزير المالية ليسلمه لمدير الخزانة، وما أن يصل لمدير المشروع حتى يكون نصفه قد ذاب!! ولو حاولت معرفة أين ذهب الفرق بين المبلغ الذي سلمتني إياه وما وصل إلى المشروع لما كان ذلك سهلا، فحرارة الأيدي التي تناقلت قالب الثلج، هي التي أذابت نصفه ولا يمكن أن تحاسب شخصا ما على حرارة جسمه الطبيعية!!».
أما قصة المال الثالثة والأخيرة فتتعلق بي شخصيا، فقد عملت في أول وآخر وظيفة في حياتي في منتصف الستينات من… القرن الماضي في أحد المصارف. بسبب راتبي الجيد وقلة مصروف جيبي، تجمع لدي خلال ثلاث سنوات مبلغ لا بأس به، ولعدم حاجتي الى المبلغ قمت بالمضاربة به في سوق المناخ. ومنذ ذلك اليوم وأسعار الأسهم وتقلبات السوق جزء من روتين حياتي اليومي، أينما كنت. وفجأة، وبعد أربعين عاما من المتابعة اليومية المستمرة، توقفت كليا منذ شهرين تقريبا عن الاهتمام بأسعار الإقفال اليومية، فالفرق بين تكلفة ما لدي وبين أسعار اليوم كبير، إلى درجة لا تستحق المتابعة، فما كان ثمنه دينارين وأصبح 38 فلسا يحتاج الى وقت طويل ليعود الى ما كان عليه، هذا إذا عاد إلى الارتفاع، وإن حصل المستحيل فسيصلني الخبر بطريقة أو بأخرى، وإلى ذلك الحين وداعا أيتها البورصة الحبيبة، ووداعا للون الأخضر، ووداعا للحد الأعلى، ووداعا للمنح والأرباح النقدية…وأهلا بالراحة والسفر، وأهلا ب «الدولتشي فيتا»، أو الحياة الحلوة، وليذهب المكشرون إلى حيث ألقت أم عمرو رحالها!!

أحمد الصراف

سامي النصف

أوضاعنا المعكوسة

«حدس» هي حركة سياسية شعبية رائدة شديدة التنظيم وتعتمد الفكر الجمعي قبل اتخاذ المواقف وهو امر جيد، لذا صعب علينا فهم بعض القرارات والمواقف التي اتخذتها الحركة مؤخرا ومن ذلك:

يفترض ان تكون مشروعات «المصفاة» و«الداو» هي مشروعات عامة للكويت وليست مشروعات خاصة بالحركة، لذا فليس ملائما على الإطلاق ان تظهر الحركة غضبها لإلغاء تلك المشاريع عبر المطالبة بتشكيل لجان التحقيق او التهديد بالاستجواب كونه يوحي بأن الدفاع عن تلك المشاريع كان دفاعا عن مكتسبات خاصة بالحركة.

ثم ان في ذلك التوجه خلقا لثقافة «جديدة» خاطئة على الساحة السياسية الكويتية لا يوجد مثلها في الدول الاخرى وهي اعتبار إلغاء اي مشروع لأي وزارة (إسكان، أشغال، مواصلات.. الخ) هو امر يستدعي قيام «فزعة» للجهة التي ينتمي لها المسؤول ومن ثم تترسخ فكرة ان الوزارات هي ممالك ومكاسب ومغانم للوزراء ومن ينتمون اليهم، من جهة فإن في تلك الفزعة ضغطا لا يصح على الجهات الرقابية في البلد مثل مجلس الأمة وديوان المحاسبة اللذين ساهما في إلغاء مشروعي المصفاة والداو.

ولم تكسب الحركة شيئا من طلب تشكيل لجان للتحقيق في مشروعي المصفاة والداو عدا الايحاء بأنها تعلم بأن هناك اجراءات خاطئة تمت في تلك المشاريع ومن ثم تريد الضغط باستخدام تلك الورقة التي ان صحت فستدينها كونها ـ ولا احد غيرها ـ من تبنت تلك المشاريع ودافعت عنها، كما ان اثبات صحة تلك المشاريع كأفكار واسعار، وهو امر ضعيف الاحتمال في ضوء ما قاله المحللون، سيدينها من زاوية اخرى وهي انها لم تعد مؤثرة في الشارع السياسي او القرار السيادي.

وللحقيقة وللتاريخ، فمع تراجع النفط كوسيلة للطاقة يفترض ان تصبح الكويت ودول الخليج المركز العالمي للمصافي وللصناعات النفطية والبتروكيماوية والبلاستيكية.. الخ، لذا لم يكن هينا على شعبنا تقبل فكرة الغاء تلك المشاريع، لذا فالجميع يطالب بتحكيم الضمائر لا الأهواء لمعرفة حقائق ما جرى ومن ذلك صعوبة فهم وجود نواب في لجان التحقيق ممن كانت لهم مواقف مسبقة صارخة ضد او مع تلك المشاريع وكان من المفترض ان تضم تلك اللجان المهمة بعض النواب وبعض القضاة وبعض الاقتصاديين وبعض النفطيين المحليين والخارجيين ممن لم يعرف عنهم الانحياز الشديد لهذا الرأي او ذاك.

آخر محطة:

هل يتوقع احد لنائب او ممثل لتكتل ساهم في رفض واسقاط تلك المشاريع ان يرضى بتقرير نهائي يثني على تلك المشاريع ويلقي باللوم على من الغاها او اوقفها؟! ألم يكن من الافضل للأحبّة في الحركة الا يتخذوا موقفا حتى صدور التقرير النهائي للجان التحقيق فإن أثنى على تلك المشاريع كسبوا وان تم رفضها جاز لهم إما ان يطعنوا في حيادية اللجنة وهو امر مشروع او حتى ان يتقبلوا ذلك الرفض كونهم لم يرفضوا ذلك الإلغاء؟!

احمد الصراف

في الكويت فقط

هذا المقال مستوحى من مقال سبق أن كتبه مجهول على مدونة في الإنترنت، ويتكلم عن دولة محددة ليس من الصعب معرفتها مع نهاية المقال.
في الكويت المجتمع مخطوف من قوى متخلفة تفعل به ما تشاء، ووصلت قدراتها، منفردة، إلى إسقاط وزارة، ويقولون دولة ديموقراطية. في الكويت هناك «دستة» مفتين يقررون عنك كيف تتكلم وتفكر وتأكل. ودستة أخرى من نواب ملتحين يقررون لك ما يريدون منك القيام به. وثالثة بلحى أكبر يقررون عنك كيف تلبس وأي مسواك تشتري، وكيف تسير في الأسواق، وماذا تفعل في الجزر، بل ولهم الحق في إجبارك على دخول الجنة على رغم أنفك وأنف من خلفوك. فهؤلاء جميعا أدرى منكم ومن سادتك بما هو صالح لك.
في الكويت كان مسموحا لنا القهقهة وقت نشاء، ثم أفتى أحدهم بأنها ممجوجة، أما الضحك فلا مانع. ثم جاء آخرون وأفتوا أن حتى الضحك ليس من الدين، وأن الابتسامة، أو حتى الإيماء بها يكفي. والآن لم يكتفوا بمنع حتى الابتسامة، بل طلبوا منا أن نتجهّم، فهو من الدين، أما الفرح فهو من الشياطين.
في الكويت أنت محاصر وعملك معطل وتستحق البهدلة والجرجرة والانتظار وتحمّل الخسارة، إلى أن تستعين بالقبيلة، أو تطلب من عزوتك العائلية أن تقوم بالاتصالات اللازمة لتنهي معاملتك، أو تجر معك شخصا رفيع المستوى من مذهبك لكي يمرر معاملتك، ولا ننسى الرشى التي أصبحت أكثر من علنية، والطريق الأسهل من كل ذلك هو أن تنتمي لحزب ديني وتنتهي معاملتك و….معاناتك.
في الكويت فقط تستطيع أن تكون منتميا لحزب سياسي ديني من دون أن تكون منتميا حقا. فما عليك غير وضع ما يتطلبه الانتساب لحدس أو السلف أو الجمعية وبقية فلولها، من ديكورات قوامها لحية ودشداشة قصيرة وغترة، يحبذ من غير عقال، وخاتم تركواز، ولا مانع من حمل سبحة طويلة لكي تمر معاملاتك من إخوتك في الحزب في دوائر الدولة ومصالحها.
في الكويت لا تستطيع أن تختار التعليم الخاص لأبنائك، ولو دفعت آلاف الدنانير رسوما، من دون أن تتدخل الدولة بصورة مباشرة في ما يحق لهم تعلمه.
في الكويت تصبح مواطنا صالحا ومحبوبا، وخوش ريال، متى ما تخليت عن التفكير والنقاش في ما لا يخصك، وعن أي طموح، وباختصار إن أوقفت عقلك عن العمل، حتى الهين منه.
في الكويت يتناقص المبدعون كل يوم. فالتشكيلي لا يعمل لأنه يصنع تماثيل كافرة، والرسام يرسم صورة حية نافرة، والممثل يقلد أصواتا مستنكرة، والمطرب يصدر أنغاما نكرة، والموسيقي كل وضعه بهدله.
أما مؤلفو القصص والروايات فلهم الحياة الآخرة!!
في الكويت أصبح مظهرنا العام متماثلا، وكأننا صين ماو تسي تونغ. فقد أصبح بعضنا كل يوم أقرب إلى بعضٍ شكلا ومنظرا ولبسا وتصرفا. وكل ذلك يتم خوفا من ذلك الرقيب الذي أصبح بيننا من دون إذن ولا دستور.
في الكويت لا تكون كويتيا إن لم تكن مصابا بالسكر أو ضغط الدم وزيادة الكولسترول وأمراض القلب الأخرى وعسر البول، وسلاسته بعد أزمة البورصة الأخيرة.
في الكويت أصبحنا نقترب أكثر وأكثر من الدولة الدينية الخالصة والماسخة التي يصبح فيها كل شيء حراماً، وكل شيء يتطلب فتوى.
في الكويت أصبحنا أقرب كل يوم إلى السجن الكبير، وخصوصاً الشباب والشابات، فلا أماكن لهو ولا ترفيه غير السير في المولات والبحلقة في وجوه الآخرين وإطلاق الحسرات، والأشواق تقطّع قلب كل شاب وفتاة.
في الكويت لا يوجد أي نوع من الاتفاق على ماهية «عاداتنا وتقاليدنا» بالضبط، ولكن الكل يطالب بالتمسك بها بالرغم من هلاميتها وعدم وضوحها وتغيرها الدائم.
في الكويت فقط يمكن أن تكون مذيعا ومقدم برامج تلفزيونية، ومدرسا في معهد ديني، وكاتبا صحفيا بأجر، وممثلا، وكاتب سير تاريخية وسيناريوهات برامج تلفزيونية، ومفتيا، في وقت واحد، وكل ذلك ولم يمض على حصولك على الجنسية فترة طويلة!!
في الكويت فقط يقبل السلفي أن تبيع شركاته كل أنواع الموبقات والمحظورات، من وجهة نظره، في الخارج، ولكنه يعارض طريقة تنفسك إن لم تكن دينية.
الكويت الوحيدة في العالم التي نبّشت عن محاكم التفتيش الإسبانية وتريد تطبيقها على الجميع بموجب مفهومها الخاص، والحكومة شبه لاهية.
الكويت الأرفع صوتا في مطالبة الدول الأخرى، أوروبية وأميركية، بالسماح ببناء مساجد فيها، ولكنها تمنع على بعض رعاياها وسكانها بناء مساجد فيها.
الكويت صاحبة أكبر عدد من أسماء الشوارع التي لا يعرف أحد شيئا عن أصحابها.
وفي الكويت توجد أعلى نسبة في العالم من الزاهدين في تولي المنصب الوزاري.
ونتوقف هنا.. فالقائمة طويلة.

أحمد الصراف

سعيد محمد سعيد

الصندوق الوطني لمكافحة الفقر

 

إذا كان تحرك المجلس النيابي في اتجاه تنفيذ استراتيجية وطنية لمكافحة الفقر في البلاد لايزال يتطلب جلسات تتلوها جلسات، وتأخيرا يتبعه تأخير، وتقاذفا واتهامات متبادلة بين الحكومة والنواب، فمن المستحسن أن تتقدم الحكومة بمشروع وطني تتبناه وزارة التنمية الاجتماعية، فالواقع الذي نعيشه في البحرين، يدعو إلى وجود برامج لمكافحة الفقر، وبقوة.

إن اعتراف أية دولة بمشكلة الفقر ليس عيبا، بل هو أول الخطوات الجادة لمواجهة المشكلة/ الظاهرة، ولعلي أعود إلى العام 2002 عندما قام خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز بجولة في أحياء الرياض الفقيرة، وهذه الجولة كانت بمثابة تحرك صادق من الحكومة السعودية لمواجهة المشكلة بشجاعة بعد أن كان البعض يتعامل معها بأنها «عار يتوجب إخفاؤه»!

بعد تلك الجولة، أصدر الملك عبدالله أمرا بتأسيس «الصندوق الخيري لمكافحة الفقر»، على أساس رؤية سعودية تهدف إلى تأهيل الفقراء ليصبحوا أناسا يساهمون في تنمية المجتمع، بدلا من أن يكونوا مجرد مستهلكين لأموال ومساعدات اجتماعية، وبالتالي فإن مكافحة الفقر تصب في التنمية البشرية بمفهومها الشامل، لذلك يعتبر قيام صندوق لمكافحة الفقر خطوة مهمة على طريق العلاج ضمن استراتيجية وطنية.

ليس من الإنصاف إنكار الكثير من القرارات الملكية السامية والمبادرات الرامية إلى مساعدة الأسر المعوزة في البحرين وخدمات الأيتام والأرامل والمعوقين والأسر التي لا عائل لها، لكن هناك حاجة إلى إيجاد صيغ مستدامة للقضاء على الفقر تنطلق من تغيير صورة الأسر المعوزة من متلقية للمساعدات التي لا تكفي إطلاقا، إلى منتجة عبر تأهيل أبناء الأسر المحتاجة وتدريبهم وتوفير الخدمات الاستشارية، ودراسة الجدوى الاقتصادية الأولية للمشروعات الصغيرة الموجهة للشرائح الفقيرة، ومساعدتهم على تحديد المناسب منها وتدريب الأفراد المستهدفين على إدارة المشروعات الصغيرة التي يستطيعون القيام بها.

ومن المهم هنا التذكير بما طرحه النائب عبداللطيف آل الشيخ من أن غياب استراتيجية لمكافحة الفقر يمثل كارثة وطنية، والدليل على ذلك ارتفاع عدد الصناديق الخيرية والرعائية في البلاد، وعلى رغم أن ذلك شيء إيجابي فإنه يعكس واقعا معيشيا متدهورا لا يجب السكوت عنه، كذلك هناك مشروعات تقدمها الدولة غالبيتها تكون ردات فعل مجسدة بالمكرمات والعطايا التي لا تستند إلى الأطر القانونية والمصرفية المتعارف عليها محاسبيا.

لابد أن يكون التحرك يستهدف إيجاد خط وطني للفقر استنادا إلى العوائد النفطية والوفورات من عوائد الاستثمار، مع الأخذ في الاعتبار ارتفاع الأسعار سواء كان في السلع الأساسية أو الاستهلاكية، على أن تتم مراجعة دورية للخط الوطني للفقر كل 5 سنوات على الأكثر، وبالتالي ضمان أن يكون هناك تنظيم قانوني يحدد حجم المساعدات أو المخصصات المالية التي تقدم لفئة الفقراء في البحرين المدرجين ضمن قوائم موجودة لدى وزارة التنمية الاجتماعية.

ليس صعبا على الحكومة أن تؤسس صندوقا وطنيا لمكافحة الفقر، على أن يكون تأسيسا يهدف فعليا إلى ضمان الحياة الكريمة لكل أسرة محتاجة بتأهيلها لتغيير معيشتها إلى الأفضل