محمد الوشيحي

ترفق بلحانا يا مرزوق الغانم

لأمر رباني «تنمّل» رجلي اليمنى عندما يحدثني أحدهم عن الاقتصاد، لكنني رغم ذلك أفك الخط وأنط الشط الاقتصادي. وبعدما علمت بأن النائب مرزوق الغانم (وهو صديق مال أنا) في صدد تقديم تعديلات على مشروع محافظ البنك المركزي، حككت رأسي بحثا عن سبب اختلاف رأي صديقنا النائب مع رأي غرفة التجارة والصناعة التي أيدت «مشروع المحافظ»، ولم أجده! يا للهول، على رأي يوسف وهبي، مرزوق الغانم يخالف رأي غرفة التجارة التي يرأسها والده الفاضل علي الغانم؟ كيف؟

ثم إن النائب مرزوق الغانم متضرر بصورة مباشرة، وإذا تقدم بتعديلات فبالتأكيد ستكون عينه اليمنى على شركاته الخاصة وعينه اليسرى على مؤسساته الخاصة، وهنا لندن! وهو، أي النائب مرزوق الغانم، ومن باب الحياد كان قد انسحب من عضوية إحدى اللجان عندما تبين له أن قريبه أحد المعنيين بالأمر، فكيف يتقدم الآن بتعديلات بينما هو نفسه، قبل أقربائه وأصدقائه، متضرر وسيارته مدعومة من الجنب؟ الشبهة هنا مصلعة برأسها الكريم يا صديقي.

يا أبا علي، إذا كان «مشروع المحافظ» -وهو الذي يخرخر شبهات وأخطاء، ويضع زمارة رقبتنا في يد محافظ البنك المركزي- لا يسد رمقكم، فبالله عليك ما الذي تنوي فعله أنت وصاحبك النائب علي الراشد بالأموال العامة، خصوصا أنكما تعتقدان أن مشروع المحافظ لا يكفي لحل الأزمة؟ وبعدين، الله يخليك، اتركا عنكما حكاية قروض المواطنين التي عارضتماها في السابق، وستستخدمانها الآن كورقة سولوفان زاهية الألوان تغلفان بها مقترحكما المنتظر. وهو مقترح كما نظن سيحلق لحانا «وجهين» وعلى الناشف. شوية «جيليت» يرحمنا ويرحمك الله ونردها لك في الأفراح.

مرزوق الغانم، صورتم لنا خسائر شركاتكم بأنها تؤثر في اقتصاد البلد، وأن اقتصادنا «على شفايف حفرة»، وأنت وأنا والعريس وأهل العريس نعلم بأن هذا الكلام هلس فاخر وملخ من الآخر… وعن نفسي، وهذا توقيع مني على وصل أمانة، سأكتب مؤيدا بأصابعي العشرة وبخشمي لو تم الكشف عن مكافآت أعضاء مجالس إدارة الشركات الكبرى الخسرانة، ولو تضمنت تعديلاتكما معاقبة المتلاعبين بأموال الناس، وتفاصيل الصفقات الهلامية التي تسببت بخسائرها.

* * *

بالنسبة لموضوع المقالة السابقة، كنت قد علمت بأمر الباخرتين قبل كتابة المقالة بيومين فكتبت، فانهمرت المعلومات المرعبة مدرارا على رأسي بعدما أقسمت للمصدر بالحفاظ على سرية المعلومات، وارتفع صوت نبضات قلبي، ورجاني المصدر أن أتوقف عن الكتابة حول الموضوع «كي لا أسبب الهلع للناس»، على أن يتحرك هو وآخرون لعلاج الموضوع بصمت… وكنت قد تلقيت اتصالات من النائب مرزوق الغانم، وللأسف لم يتمكن أيٌّ منا من الحديث مع الآخر رغم تبادلنا الاتصال أكثر من ثلاث مرات من كل منا بسبب خاصية انتظار الخط الثاني، وكذلك من مكتب النائب خالد السلطان، ومن مكتب معالي وزير البلدية الذي أبدى اهتماما جديا يشكر عليه، ومن رئيس جماعة الخط الأخضر البيئية، الناشط البيئي خالد الهاجري، أو خالد الأخضر كما أحب أن أسميه، والذي يمتلك معلومات جيدة عن الموضوع، وأيضا تلقيت إيميلاً من جماعة «صوت الكويت»، وأحلتهم كلهم إلى الأخ محمد عبدالله بودي المهتم بالموضوع وتفاصيله، والذي أبلغني أنه سيطلب لقاء عاجلا جدا مع مراجع عليا في الدولة لإنهاء الموضوع بالسرعة القصوى، وأشار إلى استعداده للحضور إلى لجنة البيئة في مجلس الأمة للإفصاح عن كل ما في حوزته من معلومات إذا استدعته اللجنة.

والتزاما بالعهد الذي قطعته على نفسي للمسؤول الذي طالبني بالتوقف، سأكتفي بما نشرت، وسأضع نقطة على السطر بعدما علقت الجرس، في انتظار إجراءات فعلية سريعة، أما إذا تأخرت إجراءات التطهير والإخلاء فسيسقط التزامي الأدبي، وحينئذ سيتحدث القلم الأحمر، وسأحرض الناس على رفع دعاوى تعويض ضد الحكومة، والمطالبة بسقوط الرؤوس المسؤولة.

وليت الوزير السابق عبدالرحمن العوضي يترك عنه عنصريته السامة التي يفرغها في عروق الوطن بين حين وآخر، ويلتفت إلى أمر هاتين الباخرتين، خصوصا أنه يترأس إحدى الجهات المسؤولة عن البيئة… اي هين.

سامي النصف

كيف تتحول الكويت لمركز مالي؟!

حلم «كويت المركز المالي» يمكن له أن يتحول الى حقيقة جميلة قائمة متى ما تم تسليمه إلى أيد أمينة توصله الى بر الأمان وذلك عبر الاطلاع الشديد والاستعانة بالخبرة الدولية «الملائمة» وان يوكل أمره إلى من يبحث عن مصلحة الكويت لا مصلحته الخاصة.

والذي يريد الخبرة في أعمال النجارة لا يأتي بحداد بل بنجار، والحال كذلك مع مشروع كويت المركز المالي الواعد الذي يحتاج إلى الاطلاع على ما كتبه من نجحوا في تحويل بلدان عالمهم الثالث إلى مراكز مالية وسياحية يشهد لها العالم اجمع كحال «لي كوان» الذي كتبتُ فيما سبق عن كتابه الرائع «من العالم الثالث الى الأول» والطبيب وعضو البرلمان ورئيس الوزراء مهاتير محمد الذي سنستعين ضمن المقال الحالي ببعض ما كتبه في كتبه ومقالاته لعله يرسم لنا الطريق الأمثل للتحول للمركز المالي المنشود.

يقول مهاتير ضمن رؤيته لماليزيا 2020 ان أول الأمور التي قام بها لتنويع مصادر الدخل والابتعاد عن الاعتماد على المواد الخام هو فتح الباب أمام المستثمرين الأجانب عبر إغرائهم بالمزايا والعطايا وتملكهم الكامل لشركاتهم والبعد عن فرض نظام الشراكة أو الضرائب الباهظة عليهم فالمهم في نظره ان يصنعوا ويصدروا ويحضروا العملات الصعبة وان يوفروا فرص عمل للشباب الماليزي، ويقول: كان مغريا أن نضع كثيرا من الضوابط والشروط عليهم إلا أن هذا الأمر كان سينفرهم ويتسبب في هربهم.

ويتحدث مهاتير عن أهمية وجود حكومة قوية لتشجيع عمليات التنمية فيقول نصا: «ستقلق الحكومة الضعيفة من إمكانية هزيمتها أمام المعارضة وستجد نفسها، دون ان تشعر، تركز على سياسة البقاء وليست التنمية الاقتصادية» ويبين ضرورة خروج الوزراء والموظفين الحكوميين إلى أماكن التنفيذ للتأكد بشكل مباشر من تنفيذ قرارات مجلس الوزراء الأسبوعية وقد تم إنشاء وحدة تطبيق (ICU) لإزالة العقبات أمام تنفيذ المشاريع وللتأكد من ان الاستثمار الأجنبي سيؤدي لنقل التكنولوجيا وعلوم الإدارة الحديثة للماليزيين وتحويلهم من طاقات خاملة الى منتجة.

ويستطرد مهاتير القول: «ان هناك رغبة دائمة للإنفاق الشديد في ماليزيا إلا أن الواجب هو التأكد من ان المشاريع المقامة هي مشاريع مدرة للأرباح ولا تستوجب الصرف عليها بشكل دائم» كما يشير إلى كيفية تعامله مع الأزمة الاقتصادية الكبرى التي اصابت ماليزيا وشرق آسيا عام 97 وكيف أسس 3 مؤسسات للتعامل مع (1) الديون المعدومة (2) الشركات المشارفة على الإفلاس (3) البنوك المتضررة من الأزمة الاقتصادية، كما يتطرق لكيفية التعامل الأمثل مع الخصخصة ومع النقابات المهنية والكتل السياسية المختلفة… الخ.

آخر محطة:
 كيف يمكن الحديث عن «كويت المركز المالي» ونحن نحارب المدارس الأجنبية بدلا من تشجيعها وهي من يخرج الكوادر المؤهلة للعمل مع الشركات الأجنبية ويلبي متطلباتها.

احمد الصراف

الشيخ «عبدالله» وعصا موسى

كان الزمان أواخر ستينات القرن الماضي. كنا صبية صغارا نعيش في الحي نفسه، نلعب كرة القدم معا نذهب إلى البحر القريب معا، وندرس في المدرسة الحكومية نفسها. كنا نتساوى جميعا في قدراتنا وأحلامنا وطموحاتنا، إلا «عبدالله»، فقد كان أكثرنا بساطة وتواضعا في فهمه ومقدرته على الاستيعاب، وبالتالي لم تكن له أي أحلام أو طموحات، أو حتى أمل في السفر إلى الخارج للتعلم في جامعات الغرب، فقد كان يخاف الغربة ويكره التغيير. كما كان لا يشاركنا اللعب كثيرا ولا يحب التنافس والتناحر الطفولي، وأكثر ميلا للصمت والانزواء والبقاء في المؤخرة، وهكذا عاش طيلة سني معرفتنا به.
سنوات قليلة مرت ووجدنا أنفسنا جميعا في الثانوية، إلا عبدالله، فقد اختار الدراسة في أحد المعاهد الدينية، فكرهه للحساب والتاريخ والجغرافيا والأحياء والفلسفة، كما أخبرنا وقتها، دفعه الى اختيار دراسة لا تحتاج الىجهد كبير، بل للقليل فقط من التركيز وحفظ العلوم الدينية والأحاديث، والتي لا يحتاج فهمها لجهد كبير!! وهكذا تفرقت بيننا السبل، وابتعد عبدالله عن «الشلة» وأصبح له أصدقاء جدد، ولكن كنا نراه في الحي أحيانا وفي المسجد أحيانا أخرى، ومع الوقت تغيرت هيئة عبدالله فقصر ثوبه قليلا وأصبح يطيل لحيته، ثم سافر إلى مصر لإكمال تعليمه.
خلال سنوات قليلة، أكمل غالبيتنا دراسته الجامعية خارج الكويت، وعدنا للوطن أطباء ومهندسين ومحامين، وتقلبنا في مختلف المناصب الحكومية. أما عبدالله فقد عاد بعدنا بسنة، أو ربما بسنتين، بعد أن أنهى دراسته الدينية في مصر، وتوقعنا أن تنتهي الحال به مدرسا لمادة الدين أو ربما اللغة العربية!
خلال سنوات قليلة من تخرجنا بدأت العراقيل والمشاكل تواجهنا الواحدة تلو الأخرى، وفترت العلاقة بيننا شيئا فشيئا، خصوصا بعد أن تركنا جميعا الوظيفة الحكومية، بسبب الروتين الحكومي البالي، واخترنا إما العمل الحر وإما التوظيف في القطاع الخاص، واختار البعض العودة للعيش في أميركا، ولكننا بصورة عامة لم ننجح بشكل مثير في حياتنا، إلا واحدا أو اثنين من الشلة، أما الباقي فقد قبلوا بـ « المقسوم».
الوضع مع عبدالله كان شيئا آخر، فخلال ثلاث سنوات من عودته بالشهادة الدينية العالية أصبح وجهه شبه مقرر علينا في الصحف اليومية، حيث لم تكن تخلو جريدة من صورة أو تصريح أو فتوى أو رأي له. تعين في البداية مدرسا في مدرسة ثانوية، وانتقل بعدها بعام واحد ليصبح مدرسا في كلية الشريعة، بعد أن نجح في الانضمام لأحد الأحزاب الدينية الكبيرة. كما أصبحت الألقاب الفخمة تسبق اسمه حيث أصبح فقيها تارة وشيخا تارة أخرى، وعرف بالواعظ والملاج والمفتي، ثم تطور الأمر وأصبح يلقب بالأستاذ الدكتور، وكان معروفا أيضا كخطيب وإمام مسجد. وعلى الرغم من أنه لم يكن يداوم في الكلية، فانه استمر في قبض راتبه، من دون عمل حقيقي. وأصبح عضوا في ثلاث لجان شرعية لمراقبة أعمال البنوك والمؤسسات المالية التي تتبع النظام اللاربوي. كما أصبح عضوا في لجنة استشارية لتطبيق الشريعة. واشتهر في مجال كتابة عقود القران، بسبب المبلغ الكبير الذي كان يصر على قبضه مقابل كل عقد، وكان المعاريس يتسابقون على طلبه لعقد قرانهم وأخذ الصور التذكارية معه. وارتفع نجمه عندما نجح، بدعم من حزبه الديني، في إقناع الحكومة بمساواة خريجي الشريعة بخريجي كليات الحقوق في الكثير من مجالات العمل. وأصبح اسم عبدالله، خلال سنوات قليلة، يظهر على العديد من المؤلفات الفقهية، ويشارك في مؤتمرات الوسطية ويدير اللجان الدينية وينشط في اللقاءات السياسية والندوات الانتخابية مناصرا هذا ومزكيا ذاك، ومشاركا في الوفود الخارجية، ومستضيفا الزائر منها. واستكتبته مؤسسة صحفية ليكتب فيها عمودا يوميا، وبأجر مغر. ثم تطور الأمر معه وفتح مركزا في منطقة بعيدة لعلاج مختلف الأمراض بالرقية الشرعية، وأصبح المركز مصدر دخل كبير له. كل هذا دفع الإذاعة الحكومية لأن تخصص له ساعة في الأسبوع ليلقي مواعظه على المستمعين ويجيب عن استفساراتهم. ولم يتخلف التلفزيون الرسمي عن الحفل حيث خصص له يوما آخر في الأسبوع للرد على فتاوى المشاهدين. وكان كل جمعة يلقي خطبة عصماء في أحد مساجد منطقة سكنية مرموقة. وأصبح عضوا في ثلاث جمعيات خيرية ومشرفا على أكثر من صندوق وقفي فيها.
ولو أخذنا بالاعتبار ما يتطلبه الاهتمام بمتطلبات زوجاته الثلاث وأولاده الثمانية، وما يستهلكه تأليف الكتب من جهد ووقت، وما يعنيه إلقاء المحاضرات والمواءمة بين متطلبات العمل في الإذاعة والتواجد في التلفزيون من وقت، وفوق هذا كتابة عمود يومي والتصدي للإفتاء والإمامة وحضور جلسات لجان البنوك والمصارف، لوجدنا أن عبدالله البسيط المتواضع القليل الاستيعاب والفهم الكاره للرياضيات والجغرافيا والأحياء والتاريخ، قد أصبح فجأة رجلا خارقا، أو سوبرمان، ولكننا لم نكن نعرف ذلك، والدليل أننا فشلنا جميعا، نحن خريجي المدارس البريطانية والفرنسية والأميركية، في تحقيق نصف، أو حتى ربع ما حققه عبدالله من نجاح مالي ومعنوي وسياسي واجتماعي في مجاله الديني! وهذا دفع أحدنا، في واحد من لقاءات الشلة النادرة، لأن يشك في أن عبدالله ربما يمتلك «عصا موسى» السحرية ليكون بإمكانه القيام بكل هذه المهام منفردا!
ملاحظة: علىالرغم من أن شخصية عبدالله من وحي الخيال فان ما يماثلها موجود بيننا بكثرة، وفكرة المقال تعود للقارئ الفاضل «جابر»!

أحمد الصراف