محمد الوشيحي

عاشوا اثنين

أكثر ما يرفع الضغط ويسبب كدمات في الرئة أنْ تدخل مكتبة وتفاجأ بأن أغلب الكتب مغلفة بالبلاستيك الذي يحجب قراءتها! ليش يا قوم؟ حتى لا تنقلب المكتبة إلى حصة قراءة / طيب وكيف أعرف مستوى الكتاب كي أشتريه؟ خمّن، وتوكل على الباري! وأكثر دولة تعتمد هذا النهج هي مصر، شوف انقلاب الدنيا، مصر منبع الثقافة العربية انقلبت أحوالها لتبيعك مكتباتها سمكا في ماء.

ولذلك اندهش الربع والباعة عندما كنا في إحدى مكتبات مصر ورحت أشتري بعض الكتب وأفتحها وأترك النسخة المفتوحة على الرف ليقرأها الناس بعد دفع ثمنها، ولم يكلفني ذلك أكثر من عشرين دينارا أي ما يعادل أربعمئة جنيه.

وسمو رئيس الحكومة يطالب الناس بمنحه الفرصة ليعمل في هدوء، واستعان أخيرا بالشيخ أحمد العبدالله، والأخير هو الوكيل الحصري للهدوء، وهو مستعد أن يدخل إلى مكتبه ويغلق الباب وهووووس.والعبدالله لم يكن مغلفا بالبلاستيك، بل يحفظه الناس عن ظهر قلب، أي والله. وكنت في سباق ضروس معه قبل استجوابه، وكان التنافس بيننا على أشده، فكلما انتقلت من منزل أسكنه بالإيجار إلى آخر انتقل هو من وزارة إلى وزارة، انتقلت من قطعة واحد إلى قطعة أربعة فانتقل من المالية إلى التخطيط، ومن قطعة أربعة انتقلت إلى قطعة اثنين فانتقل هو من التخطيط إلى المواصلات، واستمر التنافس، وشيل أبوك عن أخوك. وللأمانة، فاز هو – في غفوة من الزمن – بنتيجة ست وزارات مقابل خمسة بيوت بسبب استهتاري. وها هو الآن يرمي قفاز التحدي في وجهي معلنا استعدادَه لمباراة الإياب، يا معين.

الشيخ أحمد تولى وزارة النفط، يا سبعمية مليون مرحبا، وبإذن الله سنستورد النفط عما قريب، ارفعوا أيديكم بالدعاء لتنخفض أسعار النفط قبل أن نعود إلى عصر ركوب الجمال والهولو واليامال. والمشكلة أنني معلق في المنتصف، إذ لا أميز بين الناقة والبعير، ولا بين الشراع والميداف، وسينقطع رزقي، وليس أمامي لأسد رمقي ورمق بزراني سوى أن أتحول إلى قاطع طريق، على بركة الله.

الأمر الوحيد المطمئن هو أن أمام الشيخ أحمد العبدالله أعضاء بمستوى الموسوعة ناصر الدويلة حفظه الله، لكن الدويلة لديه ما يشغله الآن، فقد ظهر قبل أيام على شاشة إحدى القنوات العربية ليخبر الجميع بأن «وساطته لإنهاء الخلاف بين المملكة المغربية وجبهة البوليساريو باءت الفشل مع الأسف»، أي والله هذه حقيقة وليست مزاحا، لكنه طمأن الشعوب العربية بأن وساطاته في قضية دارفور لم تنته بعد. وأشعر بغضب الأخ معمر القذافي لظهور منافس بحجم ناصر الدويلة. راح ملح القذافي.

والمصريون يقولون: «الله جاب الله خد الله عليه العوض»، وكنت في السابق راسلت الزملاء الكتاب، محذرا من التعرض لتصريحات النائب السابق «الدكتور» دعيج الشمري إلا بإذن خطي مني، وسقط الشمري في الانتخابات وسقطت معه ابتسامتنا، لكن الرازق في السماء، وعوضني الله بناصر الدويلة، وهذا تنبيه للزملاء الكتاب بوجوب الحصول على موافقة خطية مني قبل انتقاد تصريحات الموسوعة، وقد أعذر من أنذر… ومن الشيخ أحمد العبدالله إلى ناصر الدويلة يا قلبي لا تحزن.

سامي النصف

بيبي التي أعرفها

أكتب من خارج الكويت وقد علمت في وقت متأخر بنبأ ترك اختنا العزيزة بيبي المرزوق لرئاسة تحرير «الأنباء»، وبيبي لمن لا يعرفها هي بحق أخت الرجال في كرمها ونخوتها وفزعتها، حيث تجدها الأولى عند الملمات والشدائد التي تفحص وتمحص من خلالها المعادن، وكم تساقط رجال كبار في مثل تلك المواقف وكم تلألأ معدن بيبي فيها.

وبيبي التي اعرفها شديدة الثقافة والمعرفة وقل ان تجدها في مكان ما دون ان تجد معها كتابا تقرؤه، كما ان لديها اطلاعا واسعاً على المواضيع التي تطرح على الساحة فلا تناقشها في أمر ما إلا وتجدها قد ألمت به وسبرت غوره بشكل مفصل، وقد فوجئت أكثر من مرة حين كتابتي ضمن مقالي عن بعض الكتب أنها قامت بعد ذلك بشراء تلك الكتب وقرأتها.

وبيبي التي أعرفها شديدة الوطنية عاشقة حتى النخاع لبلدها، لا تتردد في التضحية بسبق صحافي او خبر اعلامي كبير ان كان فيه ما يضر الكويت، ومازلت اذكر لها سهرها الليالي الطوال في مطابع الأهرام ابان الاحتلال كي تصدر جريدة «الأنباء» حاملة وجهة نظر الكويت للعالم اجمع فمصلحة البلد ومصلحة اسرة الخير هي خطوط حمراء لدى بيبي لا تقبل النقاش حولهم او اللعب على تناقضاتهم.

وقد ترافقت مع اختنا بيبي ضمن الرحلات الأميرية والتقينا بإعلاميين كبار في الغرب ودول شرق آسيا، وكانت بيبي تعكس في كل مرة صورة ناصعة للمرأة الكويتية لقدرتها المتميزة على النقاش وشرحها المسهب للمواقف الكويتية، لا اعلم اين ستتجه بيبي إلا انني على يقين من أنها اضافة حقيقية لأي عمل ستتقلده.

أما الرئيس الجديد للتحرير يوسف خالد المرزوق فقد التقيته ذات صباح في الثمانينيات في منزل والده العامر في ماربيا وقد قام العم خالد المرزوق ـ اطال الله في عمره ـ برمي يوسف، وقد كان في سنوات عمره الأولى، في الجزء العميق من حمام السباحة وقد وجدنا يوسف وهو يتعلم العوم سريعا، ومنذ الوهلة الأولى، ويتجه لضفاف الأمان على حافة الحوض.

واعتقد ان العم خالد قد رماه هذه المرة كذلك في بحر الإعلام العميق وهو يعلم قدرة يوسف السريعة على التعلم والتوجه بـ «الأنباء» العزيزة الى المقدمة، فأهلا بيوسف ضيفا عزيزا على بلاط صاحبة الجلالة، ومرحبا به في مهنة المتاعب كخير خلف لخير سلف.

آخر محطة:
محاولة للفهم، لقد رفض مقترح اسقاط القروض عندما كان سعر برميل النفط فوق المائة دولار وعوائد الاستثمار في أعلى مستوياتها، فهل يجوز ان يقر ذلك المقترح ونحن في اسوأ حالاتنا الاقتصادية وامامنا اعوام سوداء عديدة قادمة؟! لست ادري.

احمد الصراف

دموع في مخزن «فويل»

قال يورغ بورجس، ولا أعرف من هو: لطالما تخيلت الجنة مكتبة كبيرة!
نشرت صحيفة البوست الأميركية في 22 يناير مقالاً بقلم ليو ببيوتا، بعنوان «كيف نزرع حب القراءة في اطفالنا، أو في أنفسنا؟»،وعندما قرأت المقال، الطويل نسبيا، تذكرت الحادثة الرائعة والأليمة، في الوقت نفسه، التي حدثت لي قبل أربعين عاما في مخزن فويل للكتب، الأكبر والأشهر في لندن، وربما في أوروبا كلها.
فور وصولي الى لندن لأول مرة شتاء 1968 سألت المشرف على برنامج تدريبنا في بنك باركليز عن أقرب مكتبة، فدلني على واحدة تقع في شارع ليس بالبعيد عن مكاتبنا، وعندما ذهبت إليها بعد نهاية الدوام اكتشفت انها مكتبة عامة. ويومها تعلمت أن هناك فرقاً بين مكتبة Library، وهو المكان الذي يوفر الكتب مجانا للقراءة والاستعارة، وبين Book stoor أي «مخزن كتب»، ولكننا في العربية نستخدم كلمة واحدة للمعنيين أو المكانين، ثم نصر على الادعاء بثراء لغتنا لمجرد أن لدينا مائة اسم للأسد وما يماثلها للسيف،ونصف ذلك للبعير، وثلث ذلك للبعرة والخنزير!
المهم ذهبت بعدها بأيام إلى مخزن «فويل» لبيع الكتب وكانت مفاجأة مؤلمة بانتظاري بعد ان وقع نظري على صف من الكتب التي كانت عناوينها مألوفة لدي مثل «الحرب والسلام» للروسي ليو تولستوي، و»أنا كارنينا» للمؤلف نفسه، و «البؤساء» لفكتور هيغو، وغيرها العشرات من أفضل قصص الأدب العالمي! منظرها على ذلك الرف أصابني بالدهشة المصحوبة بالألم للخديعة التي تعرضت لها، وما كنت أعتقده طوال سنوات عدة، بالفهم والإطلاع، ولم استطع مغالبة دموعي وأنا أبحلق بتلك الكتب وأمرر أصابعي على مجلداتها الضخمة، فبالرغم من أن ترجماتها جميعا كانت موجودة لدي في الكويت، والتي طالما تباهيت بها وبقراءتها أمام أقراني، غير أنني الآن فقط تبين لي كم كنت واهما! فحجم أي رواية كانت على ذلك الرف، كان يعادل من عشرة الى عشرين ضعف حجم ما كان لدي من ترجماتها، وهذا جعلني أشعر بالحزن على جهلي وعلى ما أضعته من جهد ووقت ومال في قراءة ترجمات مشوهة غير ذات معنى، هذا إضافة الى فراغ كل ادعاءاتي بالمعرفة والاطلاع! ولكن سرعان ما ارتاحت نفسيتي عندما تبين لي أنني كنت محظوظاً بذلك الاكتشاف المبكر نسبيا، فمن دونه كان سيستمر نزيف «تضييع الوقت» لفترة أطول.
عندما عدت إلى الكويت بعدها ببضعة أشهر، حملت جميع تلك الكتب، وكانت بالمئات، التي كان يطلق عليها ناشروها «عيون الأدب العالمي»، وكانت تتصدر غلاف غالبيتها جملة «ترجمة نخبة من الجامعيين»، حملتها وذهبت بها إلى مخزن كتب كان يملكه المرحوم باقر خريبط يقع بين سينما الحمراء والفردوس، وبعتها جميعا خلال أيام بمائة فلس للكتاب، أو للعين العالمية الواحدة!
والآن عندما أنظر إلى تجربتي المشوهة والبائسة تلك مع «عيون الأدب العالمي» أجد أنني لم أكن سيئ الحظ الى تلك الدرجة، وان وقتي لم يهدر من غير طائل، فلولا قصر تلك القصص وجمال حبكاتها الروائية المستمدة من الأصل، لما تعلقت بقراءة أي منها بالمتعة والشغف نفسهيما، فلو أعطيت وقتها الترجمة الكاملة الأصلية لرواية «الحرب والسلام» مثلا، بمجلداتها الاربعة، لما أحببتها بالمتعة والشغف نفسهيما، وبالتالي لم يكن حبي للقراءة قد تأصل في نفسي أبدا، وهذا يقودنا لما بدأنا به كلامنا من موضوع مقال الكاتب ليو بابيوتا في «البوست» عن كيفية زرع حب القراءة في أطفالنا وأنفسنا، وهو موضوع مقالنا التالي.

أحمد الصراف