محمد الوشيحي

باشلّ حبك معي

جئت إلى الدنيا أجري بأقصى سرعة، عين على ساعة يدي وأخرى على الطريق خوفا من العركبة، وياما تعركبت. أجري وتتساقط مني الأشياء ولا أمتلك الوقت للتوقف والتقاطها، باستثناء العاطفة وأمور أخرى. والعاطفة إنْ سقطت فسأتوقف وسأنحني لألتقطها وسأمسح الغبار عنها بـ«طرف كمّي».

وبعد انتقالي من بيتي الذي فيه تربيت وحبوت على ركبتيّ وكفيّ، جريدة «الراي»، وجئت إلى بنت الذوات الأنيقة الشقية، جريدة «الجريدة»، أقول بعد إعلان الانتقال نصحني من نصحني بتغيير اسم الزاوية من «آمال» إلى اسم آخر، على اعتبار أن «آمال» أخذت حقها وزيادة، وجاز لك أيها الوشيحي أن تستمتع وتجدد حياتك، مثنى وثلاث ورباع.

وفكر الأحباب والأصحاب في أسماء وأسماء، واقترحوا وأرسلوا لي بوفيه مقترحاتهم لأختار، فخلوتُ مع نفسي برهة ثم رفعت صوتي مرددا أغنية الفنان الجميل أبو بكر سالم بلفقيه: «باشل حبك معي بلقيه زادي…»، ولمن لا يتحدث الحضرمية، كلمة «باشل» تعني سأحمل، و«بلقيه» أي سأجعله، وأنا سأحمل «آمال» معي وسأجلسها على حجري… في «مقْيَلي والسمَر».

و«آمال» جريدة «الراي»، هي ذاتها «آمال» جريدة «الجريدة»، بشحمها ولحمها. وجريدة «الراي» مثل المعلمة المصرية في شوارع وسط البلد، جمالها واضح من على بعد فرسخ وفيها من الدهاء ما فيها، وستشاهدها على ناصية الشارع بجانب بياع الفول ويداها على وسطها، وسيلفت نظرك قوامها الممشوق وجبروتها، ويا ويلك ويا سواد ليلك لو اعترضتَ طريقها، وهي ستدعوك إلى الغداء وستطبخ لك بيديها وجبة دسمة باللحم والخضار، وستأكل أنت إلى أن تفقد الذاكرة… بينما جريدة «الجريدة» كما الصبية الأنيقة الذكية التي تلقت تعليمها في مدرسة فرنسية، وتحفظ الأغاني الأجنبية كلها وتداوم على قراءة الروايات، وهي ستسبب لك غصة في الحلق لو مرت من أمامك تتقافز كالغزالة والـ«آي بود» على أذنيها، وستبلع ريقك مرارا ومدرارا لو تبسمَت، وستتحرك تفاحة آدم في بلعومك المبارك من دون كنترول، طالعة نازلة، وقد تتوقف التفاحة في قفاك أو بجانب أذنك، حسب التوافيق، وستفقد ملامح النوم لو شممت عطرها، وآه يا عطرها، وستدعوك الشقية إلى تناول «وايت موكا» في ستار بوكس مع أصدقائها وصديقاتها، وسيجلس بجانبك «شحط» من فصيلة الدببة لا يرتدي حزام البنطلون، يتبادل معها الضحك والحديث باللغة الفرنسية، وأنت مثل الأطرش في الزفة، وسيغلي الدم في عروقك، وستطلب أنت من «الشحط» رقم موبايله، وسترسل له «مسج»: «اهب يا النذل، متى وصلت من سيبيريا؟»، وستغادران المقهى أنت والشقية على سيارتك، وفي الطريق ستطلب منك التوقف أمام محل «باتشي» للضرورة القصوى، فالكاكاو من أساسيات الحياة، بيليف مي! وفي «باتشي» ستسألها الصبايا عن اسم عطرها وعن ملابسها وتسريحتها، فتخبرهن بترف تلقائي، فيقلدنها ويعجزن، وع الأصل دوّر.

والصحف كما النساء، مذاقات مختلفة يا صاحبي، وستستمتع أنت بالمذاقات كلها طالما صحتك عال والتيس يمشي على زندك، ومتى ما وقع التيس يفتح الله، فستنهال عليك الركلات والشتائم من كل فج عميق، والركل قسمة ونصيب.

* * *

قبل ترشيح العم عبدالعزيز العدساني، كنا على وشك ذكر محاسن الأموال العامة وقراءة الفاتحة على الأمل في مستقبل هذا البلد، فجاء ترشيحه لينثر الابتسامات في فضاءاتنا كما قصاصات الورق الملونة في احتفالات رأس السنة، فنهضنا كلنا نرقص ونغني.

لكن فرحتنا بالعدساني لم تتم بعدما أبلغنا البعض أن الداخلية تكثف دورات مكافحة الشغب لعساكرها! وقوات مكافحة الشغب لا تستخدم لتنظيم مهرجان هلا فبراير عادة… ويا أيها الدستور العظيم علامَ ينوي هؤلاء؟

سامي النصف

اقتصاديات واتصالات

الاشكالية الحقيقية للشباب الكويتي النشط العامل في الشركات المساهمة الكويتية (تجمع مستقبلنا) هي انهم يدفعون ثمن الاخطاء الفادحة لبعض المقامرين والمغامرين من العابثين بمصائر الشركات العامة، لذا نرجو من وزير التجارة الفاضل أحمد باقر ان يتم هذه المرة وضع الضوابط الكفيلة بمنع الانهيارات المتكررة في بورصتنا، حيث لن نملك مستقبلا الاموال الكفيلة بتعويم سوق أوراقنا المالية.

أضعنا كعرب جزءاً كبيراً من ثروتنا في انهيار الاسواق المالية العالمية، كما أضعنا جزءاً كبيراً آخر في مشاريع عمرانية ضخمة غير مدروســـة، أخـــشى أن نضيــع ما تبقى من أموالنا في بعض المشاريع شبه الخيالية التي اقترحتها الامــانة العـــامة للجامعة العربية، وأعني تحديدا مشـــروع ربط الوطن العربي بالسكك الحديدية غير المجدي اقتصاديا.

ويظهر المشروع الذي تختبئ الشياطين كالعادة في تفاصيله ان هناك 13 خطا ستتجه من الشرق الى الغرب و11 خطا من الشمال الى الجنوب، وان 11 الف كم من السكك الحديدية المهترئة الحالية ستزداد بمقدار اربعة اضعافها، أي 34 الف كم اضافية، حيث ستربط رام الله بغزة ثم عبر شمال افريقيا حتى موريتانيا كما ستربط شمال سورية بالاردن والسعودية واليمن ثم عبر البحر لجيبوتي والصومال ثم ربط شمال العراق بجنوب عمان وساحل البحر الابيض بجنوب السودان.

ومعروف ان اغلب مشاريع السكك الحديدية القائمة في الدول المتقدمة الاميركية والاوروبية واشهرها قطار «اليوروتنل» الذي يربط العاصمتين الشهيرتين لندن وباريس خاسرة رغم أن أوروبا تمتاز عنا بـ «أ» قصر المسافات، «ب» كثافة السكان بالنسبة لمساحة الارض، «جـ» كثرة الصناعات التي تحتاج الى نقل، «د» الثراء العام للناس الذي يساعدهم على الترحال الدائم والسياحة.

قد يكون البديل المناسب والممكن لمشاريع السكك الحديدية المكلفة انشاء وتشغيلا هو ربط الوطن العربي بشبكة طرق سريعة كحال الولايات المتحدة ع‍لى ان تتكفل كل دولة بتكلفة الطرق التي تمر بها مع مساهمات للقطاع الخاص يتم تحصيلها عبر فرض رسوم على استخدام تلك الطرق، ان عدم مساهمة الدول المعنية بجزء من تكاليف الطرق التي تمر ببلادها سيجعلها تتهاون في صيانتها، كما انها ستعمد لإغلاقها مع أول ازمة سياسية لها مع جارتها، وما أكثر أزماتنا.

ونشرت مجلة «الاقتصاد والاعمال» في عددها هذا الشهر قائمة بأكبر 1000 شركة عربية طبقا لحسن رأسمالها السوقي في مرحلة ما بعد طوفان 2008 وقد ضمت أول 6 شركات في الترتيب 4 شركات اتصالات، اضافة الى شركة سابك وبنك الراجحي، وبالمقابل نشرت نفس المجلة الخاسرين الكبار من الازمة واحتلت صناعات قطر المركز الاول، حيث خسرت 93% من قيمتها السوقية خلال عام ثم شركة اعمار العقارية 85% وبنك دبي الاسلامي 83% ومجموعة طلعت مصطفى 75%.. الخ.

آخر محطة:

نشرت جريدة الديار المصرية في عددها الصادر في 27/1 على صفحتيها الاولى والثالثة تفاصيل مشاكل أراض تخص شركة كويتية ـ مصرية، كنا قد نبهنا لعدم صحة استخدام أموال مساهميها لشراء أراض متنازع عليها تخص أعضاء مجلس الادارة. ادعى علينا أحد الكتاب بما لم نقله، بل قلنا عكسه تماما، وقد أرسلنا له تصحيحا ومازلنا في انتظار نشره كما تقتضي ذلك الاعراف الصحافية.

احمد الصراف

مشكلة الوجود المسيحي العربي

لا يعاني المواطن غير المسلم، والمسيحي واليهودي بشكل خاص، مشاكل كبيرة في العيش بسلام مع بقية مواطنيه في غالبية دول المغرب العربي، مقارنة بوضع أقرانهم في دول المشرق، على الرغم من أن وجود مسيحيي الشرق بالذات سابق لوجودهم في أي منطقة أخرى في العالم. لذا نجد أن المواطن غير المسلم في دول المغرب، بشكل عام، لا يفكر في الهجرة، كما هو حال، وربما مآل مسيحيي الشرق الذين يتملكهم يوما عن يوم الشعور بضرورة البحث عن موطن آخر، خوفا من التطرف الديني على مستقبلهم ومستقبل أبنائهم، على الرغم من أنهم كانوا هنا قبل المسلمين بمئات السنين!
يمكن القول بشكل عام، مع إصرار على تجاوز فترات مظلمة في تاريخ المسيحيين واليهود في دول الشرق، بأن أوضاع غير المسلمين «الأمنية بالذات»، في بلاد الإسلام بشكل عام لم تكن سيئة دائما، وخاصة في فترات التسامح والازدهار الثقافي والفني والبحث العلمي التي لم تستمر طويلا إبان حكم العباسيين. ولكن هذا الخوف تزايدت وتيرته مع بداية الصحوة الدينية الإسلامية «المباركة»، التي ترفض التعايش مع الآخر، ما لم يكن ذلك التعايش خاضعا لشروطها الدينية التي من أساسياتها تقسيم الآخر بين مسلم وذمي وكافر ومشرك وعبد وحر ورجل وامرأة وغير ذلك، وقد تسبب كل ذلك في حركة هجرة الشباب المسيحي إلى دول الغرب، وهي الهجرة التي بدأت هادئة ومتقطعة قبل ثلاثة عقود، وأصبحت أكثر وضوحا في السنوات القليلة الأخيرة، وبالذات من مصر ولبنان والعراق، وأغلب، وربما كل من هاجر من هؤلاء لا يفكر حتما بالعودة لما كان يوما، ومن آلاف السنين، البيت والوطن والأرض الطيبة! والغريب أن جهات إسلامية ومسيحية تشجع هؤلاء على الهجرة، سواء بالتهديد المباشر لأوضاع حياتهم، أو بإشاعة ما ستصبح عليه أوضاعهم في منطقتنا، إن تسلمت الأحزاب الدينية الأصولية زمام الحكم في أي دولة عربية، كل هذا مع وجود هاجس الدعوة التي تتبناها أحزاب وجهات عدة للعودة إلى نظام الخلافة الإسلامية، وكل هذه المطالبات كافية لبث الرعب في نفوس الأقليات المسيحية الشرقية، التي لم تنس ما عاناه آباؤهم وأجدادهم من ذل وتحقير على يد العثمانيين، التي يتجنب أتراك اليوم حتى التطرق إليها!
وقد يتساءل البعض عن سبب كل هذا الاهتمام بمسيحيي الشرق، والخوف على مصيرهم، وسبب الحرص على بقائهم بيننا، بالرغم من اختلافهم الكبير عن أسلوب عيش وتفكير الغالبية العظمى من سكان أي وطن عربي وشرقي، وللإجابة على ذلك، فإننا سنتجنب الدخول في متاهات التاريخ، وسنتجنب أيضا الجدال في العدد الحقيقي لمسيحيي دول الشام والعراق ومصر مثلا، قبل الغزو الإسلامي لبلادهم، أو بعد ذلك، لكي نؤكد حقهم في البقاء هنا ومعاملتهم كمواطنين متساوين في الحقوق والواجبات، مثلهم مثل غيرهم، فهذا سيطول بحثه وربما لن ننتهي إلى نتيجة حاسمة، على الرغم من تاريخ التعايش المشترك الذي يجمع الطرفين لأكثر من 1400 عام وهو أكثر من كاف، بل سنحاول هنا أن نبين أن وجود المسيحي، وغيره من أتباع الديانات الأخرى، بيننا ضروري لصحتنا العقلية والنفسية ولتقدمنا الحضاري والثقافي، هذا إضافة إلى حقهم الطبيعي في هذه الأرض كغيرهم من المواطنين.
فلا أحد يمكن أن ينكر حقيقة أن عطاء المسيحي لوطنه في حقول الثقافة والفنون والآداب يزيد بكثير عن نسبتهم لعدد السكان الإجمالي في أي دولة عربية أو إسلامية بشكل عام.
كما أن الفضل يعود إليهم في المقام الأول في ترسيخ مفهوم الوطن والمواطنة، وبغيابهم يسهل على معادي هذا المبدأ محو هذا الشعور وإذابة الوطن في كيانات أكبر قد لا تكون مناسبة.
كما أن وجودهم بيننا، أو وجودنا بينهم، لا فرق، يجعل المجتمع أكثر تسامحا بعضه مع بعض من جهة، ومع الآخر من جهة ثانية. كما أن لغة التخاطب بوجودهم تصبح أكثر تهذيبا ورقيا، ولو كان مفتعلا في مراحله الأولى، فسرعان ما يصبح عادة وجزءا من مسار الحياة.
ووجودهم بيننا، أو العكس، يجعل من ألوان المجتمع وثقافاته أكثر تعددا وتنوعا ومن الحياة أكثر بهجة. وزيارة لقرى ومدن أقباط مصر في المنصورة، أو ضيع الموارنة في كسروان لبنان، أو مدن الأرثوذكس في وادي النصارى بسوريا، ستبين ما يعنيه هذا الكلام، فهل بإمكان أحد تخيل بكفيا أو شتورة أو بسكنتا أو صيدنايا أو معلولا أو حتى المنصورة من غير مسيحييها؟
وفوق هذا وذاك فإن المسيحيين العرب، بالإضافة إلى كل مناقبهم وإسهاماتهم الكبيرة في كل نشاط، لم تقع بينهم وبين المسلمين أي حروب حقيقية منذ انتهاء الحروب الصليبية، وحتى اليوم. كما أن الكثيرين منهم وقفوا مع صلاح الدين ضد الغزاة الصليبيين. كما ان مسيحيي لبنان ومسلميه لم تقع بينهم حرب دينية واحدة طوال أكثر من ألف عام، ولكن فجأة شعر المسيحي اللبناني والعراقي والمصري أن وجوده مهدد، بعد قتل رهبانهم وبطاركتهم وهدم كنائسهم ومنعهم حتى من ترميم القديم منها، وبعد كل ذلك ماذا يتبقى من وهج لبنان وعنفوانه وتنوعه إن رحل المسيحيون عنه؟ والأمر ذاته ينطبق على سوريا والعراق ومصر وغيرها من الدول العربية.

أحمد الصراف