إذا كان تحرك المجلس النيابي في اتجاه تنفيذ استراتيجية وطنية لمكافحة الفقر في البلاد لايزال يتطلب جلسات تتلوها جلسات، وتأخيرا يتبعه تأخير، وتقاذفا واتهامات متبادلة بين الحكومة والنواب، فمن المستحسن أن تتقدم الحكومة بمشروع وطني تتبناه وزارة التنمية الاجتماعية، فالواقع الذي نعيشه في البحرين، يدعو إلى وجود برامج لمكافحة الفقر، وبقوة.
إن اعتراف أية دولة بمشكلة الفقر ليس عيبا، بل هو أول الخطوات الجادة لمواجهة المشكلة/ الظاهرة، ولعلي أعود إلى العام 2002 عندما قام خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز بجولة في أحياء الرياض الفقيرة، وهذه الجولة كانت بمثابة تحرك صادق من الحكومة السعودية لمواجهة المشكلة بشجاعة بعد أن كان البعض يتعامل معها بأنها «عار يتوجب إخفاؤه»!
بعد تلك الجولة، أصدر الملك عبدالله أمرا بتأسيس «الصندوق الخيري لمكافحة الفقر»، على أساس رؤية سعودية تهدف إلى تأهيل الفقراء ليصبحوا أناسا يساهمون في تنمية المجتمع، بدلا من أن يكونوا مجرد مستهلكين لأموال ومساعدات اجتماعية، وبالتالي فإن مكافحة الفقر تصب في التنمية البشرية بمفهومها الشامل، لذلك يعتبر قيام صندوق لمكافحة الفقر خطوة مهمة على طريق العلاج ضمن استراتيجية وطنية.
ليس من الإنصاف إنكار الكثير من القرارات الملكية السامية والمبادرات الرامية إلى مساعدة الأسر المعوزة في البحرين وخدمات الأيتام والأرامل والمعوقين والأسر التي لا عائل لها، لكن هناك حاجة إلى إيجاد صيغ مستدامة للقضاء على الفقر تنطلق من تغيير صورة الأسر المعوزة من متلقية للمساعدات التي لا تكفي إطلاقا، إلى منتجة عبر تأهيل أبناء الأسر المحتاجة وتدريبهم وتوفير الخدمات الاستشارية، ودراسة الجدوى الاقتصادية الأولية للمشروعات الصغيرة الموجهة للشرائح الفقيرة، ومساعدتهم على تحديد المناسب منها وتدريب الأفراد المستهدفين على إدارة المشروعات الصغيرة التي يستطيعون القيام بها.
ومن المهم هنا التذكير بما طرحه النائب عبداللطيف آل الشيخ من أن غياب استراتيجية لمكافحة الفقر يمثل كارثة وطنية، والدليل على ذلك ارتفاع عدد الصناديق الخيرية والرعائية في البلاد، وعلى رغم أن ذلك شيء إيجابي فإنه يعكس واقعا معيشيا متدهورا لا يجب السكوت عنه، كذلك هناك مشروعات تقدمها الدولة غالبيتها تكون ردات فعل مجسدة بالمكرمات والعطايا التي لا تستند إلى الأطر القانونية والمصرفية المتعارف عليها محاسبيا.
لابد أن يكون التحرك يستهدف إيجاد خط وطني للفقر استنادا إلى العوائد النفطية والوفورات من عوائد الاستثمار، مع الأخذ في الاعتبار ارتفاع الأسعار سواء كان في السلع الأساسية أو الاستهلاكية، على أن تتم مراجعة دورية للخط الوطني للفقر كل 5 سنوات على الأكثر، وبالتالي ضمان أن يكون هناك تنظيم قانوني يحدد حجم المساعدات أو المخصصات المالية التي تقدم لفئة الفقراء في البحرين المدرجين ضمن قوائم موجودة لدى وزارة التنمية الاجتماعية.
ليس صعبا على الحكومة أن تؤسس صندوقا وطنيا لمكافحة الفقر، على أن يكون تأسيسا يهدف فعليا إلى ضمان الحياة الكريمة لكل أسرة محتاجة بتأهيلها لتغيير معيشتها إلى الأفضل