سامي النصف

أوضاعنا المعكوسة

«حدس» هي حركة سياسية شعبية رائدة شديدة التنظيم وتعتمد الفكر الجمعي قبل اتخاذ المواقف وهو امر جيد، لذا صعب علينا فهم بعض القرارات والمواقف التي اتخذتها الحركة مؤخرا ومن ذلك:

يفترض ان تكون مشروعات «المصفاة» و«الداو» هي مشروعات عامة للكويت وليست مشروعات خاصة بالحركة، لذا فليس ملائما على الإطلاق ان تظهر الحركة غضبها لإلغاء تلك المشاريع عبر المطالبة بتشكيل لجان التحقيق او التهديد بالاستجواب كونه يوحي بأن الدفاع عن تلك المشاريع كان دفاعا عن مكتسبات خاصة بالحركة.

ثم ان في ذلك التوجه خلقا لثقافة «جديدة» خاطئة على الساحة السياسية الكويتية لا يوجد مثلها في الدول الاخرى وهي اعتبار إلغاء اي مشروع لأي وزارة (إسكان، أشغال، مواصلات.. الخ) هو امر يستدعي قيام «فزعة» للجهة التي ينتمي لها المسؤول ومن ثم تترسخ فكرة ان الوزارات هي ممالك ومكاسب ومغانم للوزراء ومن ينتمون اليهم، من جهة فإن في تلك الفزعة ضغطا لا يصح على الجهات الرقابية في البلد مثل مجلس الأمة وديوان المحاسبة اللذين ساهما في إلغاء مشروعي المصفاة والداو.

ولم تكسب الحركة شيئا من طلب تشكيل لجان للتحقيق في مشروعي المصفاة والداو عدا الايحاء بأنها تعلم بأن هناك اجراءات خاطئة تمت في تلك المشاريع ومن ثم تريد الضغط باستخدام تلك الورقة التي ان صحت فستدينها كونها ـ ولا احد غيرها ـ من تبنت تلك المشاريع ودافعت عنها، كما ان اثبات صحة تلك المشاريع كأفكار واسعار، وهو امر ضعيف الاحتمال في ضوء ما قاله المحللون، سيدينها من زاوية اخرى وهي انها لم تعد مؤثرة في الشارع السياسي او القرار السيادي.

وللحقيقة وللتاريخ، فمع تراجع النفط كوسيلة للطاقة يفترض ان تصبح الكويت ودول الخليج المركز العالمي للمصافي وللصناعات النفطية والبتروكيماوية والبلاستيكية.. الخ، لذا لم يكن هينا على شعبنا تقبل فكرة الغاء تلك المشاريع، لذا فالجميع يطالب بتحكيم الضمائر لا الأهواء لمعرفة حقائق ما جرى ومن ذلك صعوبة فهم وجود نواب في لجان التحقيق ممن كانت لهم مواقف مسبقة صارخة ضد او مع تلك المشاريع وكان من المفترض ان تضم تلك اللجان المهمة بعض النواب وبعض القضاة وبعض الاقتصاديين وبعض النفطيين المحليين والخارجيين ممن لم يعرف عنهم الانحياز الشديد لهذا الرأي او ذاك.

آخر محطة:

هل يتوقع احد لنائب او ممثل لتكتل ساهم في رفض واسقاط تلك المشاريع ان يرضى بتقرير نهائي يثني على تلك المشاريع ويلقي باللوم على من الغاها او اوقفها؟! ألم يكن من الافضل للأحبّة في الحركة الا يتخذوا موقفا حتى صدور التقرير النهائي للجان التحقيق فإن أثنى على تلك المشاريع كسبوا وان تم رفضها جاز لهم إما ان يطعنوا في حيادية اللجنة وهو امر مشروع او حتى ان يتقبلوا ذلك الرفض كونهم لم يرفضوا ذلك الإلغاء؟!

احمد الصراف

في الكويت فقط

هذا المقال مستوحى من مقال سبق أن كتبه مجهول على مدونة في الإنترنت، ويتكلم عن دولة محددة ليس من الصعب معرفتها مع نهاية المقال.
في الكويت المجتمع مخطوف من قوى متخلفة تفعل به ما تشاء، ووصلت قدراتها، منفردة، إلى إسقاط وزارة، ويقولون دولة ديموقراطية. في الكويت هناك «دستة» مفتين يقررون عنك كيف تتكلم وتفكر وتأكل. ودستة أخرى من نواب ملتحين يقررون لك ما يريدون منك القيام به. وثالثة بلحى أكبر يقررون عنك كيف تلبس وأي مسواك تشتري، وكيف تسير في الأسواق، وماذا تفعل في الجزر، بل ولهم الحق في إجبارك على دخول الجنة على رغم أنفك وأنف من خلفوك. فهؤلاء جميعا أدرى منكم ومن سادتك بما هو صالح لك.
في الكويت كان مسموحا لنا القهقهة وقت نشاء، ثم أفتى أحدهم بأنها ممجوجة، أما الضحك فلا مانع. ثم جاء آخرون وأفتوا أن حتى الضحك ليس من الدين، وأن الابتسامة، أو حتى الإيماء بها يكفي. والآن لم يكتفوا بمنع حتى الابتسامة، بل طلبوا منا أن نتجهّم، فهو من الدين، أما الفرح فهو من الشياطين.
في الكويت أنت محاصر وعملك معطل وتستحق البهدلة والجرجرة والانتظار وتحمّل الخسارة، إلى أن تستعين بالقبيلة، أو تطلب من عزوتك العائلية أن تقوم بالاتصالات اللازمة لتنهي معاملتك، أو تجر معك شخصا رفيع المستوى من مذهبك لكي يمرر معاملتك، ولا ننسى الرشى التي أصبحت أكثر من علنية، والطريق الأسهل من كل ذلك هو أن تنتمي لحزب ديني وتنتهي معاملتك و….معاناتك.
في الكويت فقط تستطيع أن تكون منتميا لحزب سياسي ديني من دون أن تكون منتميا حقا. فما عليك غير وضع ما يتطلبه الانتساب لحدس أو السلف أو الجمعية وبقية فلولها، من ديكورات قوامها لحية ودشداشة قصيرة وغترة، يحبذ من غير عقال، وخاتم تركواز، ولا مانع من حمل سبحة طويلة لكي تمر معاملاتك من إخوتك في الحزب في دوائر الدولة ومصالحها.
في الكويت لا تستطيع أن تختار التعليم الخاص لأبنائك، ولو دفعت آلاف الدنانير رسوما، من دون أن تتدخل الدولة بصورة مباشرة في ما يحق لهم تعلمه.
في الكويت تصبح مواطنا صالحا ومحبوبا، وخوش ريال، متى ما تخليت عن التفكير والنقاش في ما لا يخصك، وعن أي طموح، وباختصار إن أوقفت عقلك عن العمل، حتى الهين منه.
في الكويت يتناقص المبدعون كل يوم. فالتشكيلي لا يعمل لأنه يصنع تماثيل كافرة، والرسام يرسم صورة حية نافرة، والممثل يقلد أصواتا مستنكرة، والمطرب يصدر أنغاما نكرة، والموسيقي كل وضعه بهدله.
أما مؤلفو القصص والروايات فلهم الحياة الآخرة!!
في الكويت أصبح مظهرنا العام متماثلا، وكأننا صين ماو تسي تونغ. فقد أصبح بعضنا كل يوم أقرب إلى بعضٍ شكلا ومنظرا ولبسا وتصرفا. وكل ذلك يتم خوفا من ذلك الرقيب الذي أصبح بيننا من دون إذن ولا دستور.
في الكويت لا تكون كويتيا إن لم تكن مصابا بالسكر أو ضغط الدم وزيادة الكولسترول وأمراض القلب الأخرى وعسر البول، وسلاسته بعد أزمة البورصة الأخيرة.
في الكويت أصبحنا نقترب أكثر وأكثر من الدولة الدينية الخالصة والماسخة التي يصبح فيها كل شيء حراماً، وكل شيء يتطلب فتوى.
في الكويت أصبحنا أقرب كل يوم إلى السجن الكبير، وخصوصاً الشباب والشابات، فلا أماكن لهو ولا ترفيه غير السير في المولات والبحلقة في وجوه الآخرين وإطلاق الحسرات، والأشواق تقطّع قلب كل شاب وفتاة.
في الكويت لا يوجد أي نوع من الاتفاق على ماهية «عاداتنا وتقاليدنا» بالضبط، ولكن الكل يطالب بالتمسك بها بالرغم من هلاميتها وعدم وضوحها وتغيرها الدائم.
في الكويت فقط يمكن أن تكون مذيعا ومقدم برامج تلفزيونية، ومدرسا في معهد ديني، وكاتبا صحفيا بأجر، وممثلا، وكاتب سير تاريخية وسيناريوهات برامج تلفزيونية، ومفتيا، في وقت واحد، وكل ذلك ولم يمض على حصولك على الجنسية فترة طويلة!!
في الكويت فقط يقبل السلفي أن تبيع شركاته كل أنواع الموبقات والمحظورات، من وجهة نظره، في الخارج، ولكنه يعارض طريقة تنفسك إن لم تكن دينية.
الكويت الوحيدة في العالم التي نبّشت عن محاكم التفتيش الإسبانية وتريد تطبيقها على الجميع بموجب مفهومها الخاص، والحكومة شبه لاهية.
الكويت الأرفع صوتا في مطالبة الدول الأخرى، أوروبية وأميركية، بالسماح ببناء مساجد فيها، ولكنها تمنع على بعض رعاياها وسكانها بناء مساجد فيها.
الكويت صاحبة أكبر عدد من أسماء الشوارع التي لا يعرف أحد شيئا عن أصحابها.
وفي الكويت توجد أعلى نسبة في العالم من الزاهدين في تولي المنصب الوزاري.
ونتوقف هنا.. فالقائمة طويلة.

أحمد الصراف

سعيد محمد سعيد

الصندوق الوطني لمكافحة الفقر

 

إذا كان تحرك المجلس النيابي في اتجاه تنفيذ استراتيجية وطنية لمكافحة الفقر في البلاد لايزال يتطلب جلسات تتلوها جلسات، وتأخيرا يتبعه تأخير، وتقاذفا واتهامات متبادلة بين الحكومة والنواب، فمن المستحسن أن تتقدم الحكومة بمشروع وطني تتبناه وزارة التنمية الاجتماعية، فالواقع الذي نعيشه في البحرين، يدعو إلى وجود برامج لمكافحة الفقر، وبقوة.

إن اعتراف أية دولة بمشكلة الفقر ليس عيبا، بل هو أول الخطوات الجادة لمواجهة المشكلة/ الظاهرة، ولعلي أعود إلى العام 2002 عندما قام خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز بجولة في أحياء الرياض الفقيرة، وهذه الجولة كانت بمثابة تحرك صادق من الحكومة السعودية لمواجهة المشكلة بشجاعة بعد أن كان البعض يتعامل معها بأنها «عار يتوجب إخفاؤه»!

بعد تلك الجولة، أصدر الملك عبدالله أمرا بتأسيس «الصندوق الخيري لمكافحة الفقر»، على أساس رؤية سعودية تهدف إلى تأهيل الفقراء ليصبحوا أناسا يساهمون في تنمية المجتمع، بدلا من أن يكونوا مجرد مستهلكين لأموال ومساعدات اجتماعية، وبالتالي فإن مكافحة الفقر تصب في التنمية البشرية بمفهومها الشامل، لذلك يعتبر قيام صندوق لمكافحة الفقر خطوة مهمة على طريق العلاج ضمن استراتيجية وطنية.

ليس من الإنصاف إنكار الكثير من القرارات الملكية السامية والمبادرات الرامية إلى مساعدة الأسر المعوزة في البحرين وخدمات الأيتام والأرامل والمعوقين والأسر التي لا عائل لها، لكن هناك حاجة إلى إيجاد صيغ مستدامة للقضاء على الفقر تنطلق من تغيير صورة الأسر المعوزة من متلقية للمساعدات التي لا تكفي إطلاقا، إلى منتجة عبر تأهيل أبناء الأسر المحتاجة وتدريبهم وتوفير الخدمات الاستشارية، ودراسة الجدوى الاقتصادية الأولية للمشروعات الصغيرة الموجهة للشرائح الفقيرة، ومساعدتهم على تحديد المناسب منها وتدريب الأفراد المستهدفين على إدارة المشروعات الصغيرة التي يستطيعون القيام بها.

ومن المهم هنا التذكير بما طرحه النائب عبداللطيف آل الشيخ من أن غياب استراتيجية لمكافحة الفقر يمثل كارثة وطنية، والدليل على ذلك ارتفاع عدد الصناديق الخيرية والرعائية في البلاد، وعلى رغم أن ذلك شيء إيجابي فإنه يعكس واقعا معيشيا متدهورا لا يجب السكوت عنه، كذلك هناك مشروعات تقدمها الدولة غالبيتها تكون ردات فعل مجسدة بالمكرمات والعطايا التي لا تستند إلى الأطر القانونية والمصرفية المتعارف عليها محاسبيا.

لابد أن يكون التحرك يستهدف إيجاد خط وطني للفقر استنادا إلى العوائد النفطية والوفورات من عوائد الاستثمار، مع الأخذ في الاعتبار ارتفاع الأسعار سواء كان في السلع الأساسية أو الاستهلاكية، على أن تتم مراجعة دورية للخط الوطني للفقر كل 5 سنوات على الأكثر، وبالتالي ضمان أن يكون هناك تنظيم قانوني يحدد حجم المساعدات أو المخصصات المالية التي تقدم لفئة الفقراء في البحرين المدرجين ضمن قوائم موجودة لدى وزارة التنمية الاجتماعية.

ليس صعبا على الحكومة أن تؤسس صندوقا وطنيا لمكافحة الفقر، على أن يكون تأسيسا يهدف فعليا إلى ضمان الحياة الكريمة لكل أسرة محتاجة بتأهيلها لتغيير معيشتها إلى الأفضل