سامي النصف

تأملات في كيفية تشكيل الحكومة

مع خروج التشكيل الحكومي الجديد للعلن نرجو أن تتوقف ردات الفعل السالبة المستعجلة والمضادة، فحتى الانبياء والرسل اختلف عليهم الناس وما نراه من اسماء هي في النهاية لنساء ورجال من ابناء الكويت علينا كنواب وكتاب ومواطنين اعطاؤهم الفرصة كاملة للعمل والابداع في خدمة الوطن وألا نشغلهم و«ندودهم» بالازمات السياسية المتلاحقة ثم نتساءل بعد ذلك وبكل سذاجة: أين انتاجيتهم؟!

عدد سكان الولايات المتحدة 300 مليون وعدد سكان الكويت مليون، ومساحة الولايات المتحدة 10 ملايين كم2، ومساحة الكويت 17 الف كم2 ومع ذلك تم تشكيل الادارة (الحكومة) الاميركية بأسرع من تشكيل الحكومة الكويتية، وأرى أن هناك أسبابا عدة لمثل تلك المفارقة ليس منها اشكالية القبول والرفض كونها موجودة لدى الطرفين.

الفارق الحقيقي هو ان عملية تشكيل الحكومة لدينا «تبدأ» مع انتهاء الانتخابات أو مع اعادة التشكيل بينما «تنتهي» عملية تشكيل الادارة الاميركية هناك مع ظهور النتائج، حيث ان بداية عملية الاختيار تكون قائمة وبشكل متواصل قبل سنوات من ظهور النتائج، وهو ما جعل الرئيس أوباما يشكل ادارته في زمن قياسي بالقصر.

ان علينا خلق مستودعات حكومات بديلة يتم تخزينها بالكمبيوترات بعد فحص السير الذاتية وارسال الكشافين وعمل المقابلات الشخصية لمعرفة الرغبة في المشاركة من عدمها، وهل ما يمنع ظروف طارئة أم مؤقتة وغيرها من امور تحتاج الى ايضاح ويمكن الرجوع لما تم تخزينه عند الحاجة لملء المراكز القيادية في الوزارات أو المؤسسات والشركات الحكومية، أمر كهذا لو طبق وتم تجديده تباعا لجعل تشكيل الحكومات أو استبدال الوزراء عند استقالتهم قضية سهلة وبسيطة وقائمة على نظام مؤسسي وعلمي لا على التزكيات الفردية التي تتدخل بها أمور كثيرة لا علاقة لها بالاهلية والقدرة على الخدمة العامة.

ومع كل حدث أو اشكال سياسي يطرأ، يتم البحث في نصوص الدستور عن حل لذلك الاشكال، والحقيقة ان دساتير العالم أجمع لا تستطيع أن تغطي كل الحالات والاحتمالات في كل الاوقات، بل تخلق الدساتير الخطوط العريضة والمفاهيم العامة للعقول النيرة والضمائر الحية، وتترك مجالا واسعا لإبداء حسن النوايا بين السلطتين وتسامح بعضهما مع البعض بدلا من التنابز بالمواد الدستورية أو التسابق للمحكمة الدستورية.

آخر محطة:
التهنئة القلبية للوزيرين الجديدين، العزيز بوعزيز روضان الروضان وزير الصحة، والوزير الفاضل نبيل بن سلامة الذي نرجو ان يهتم بسلامة الطيران بعد ان انحدرت لمستويات خطرة وغير مسبوقة، والاثنان مؤتمنان على الارواح، وهي أغلى ما يملكه الانسان.

احمد الصراف

عذرا أيها الهايف

يقول المثل المصري: “الرصاصة اللي ما تصيبش.. تدوش”!
* * *
مرت قبل أيام حادثه خطيرة ولكنها لم تنل التغطية الإعلامية الكافية، وكانت “القبس” من الجهات القليلة التي تطرقت إلى الموضوع. فبعد أيام من قيام البذالي، وجماعة الشر المثالي، بالإعلان عن تأسيس جماعة الأمر بالمعروف، واستدعاء النيابة له للتحقيق، ومن ثم الإفراج عنه بكل رضا وحنان، قام شاب متحمس دينيا بالتصدي لمجموعة من الفتيات أمام “المعهد التجاري”، ما غيره، وتعدى بالقول على غير المتحجبات منهن، وهددهن بالضرب بالخيزرانة، أو العصا التي كان يحملها وإتلاف سيارات السافرات منهن إن بقين على “عريهن”، من وجهة نظره! وعندما تم استدعاء رجال الأمن فر الشاب بسيارته لا يلوي، او يلوي على شيء بعد أن بلغ رسالته بوضوح تام، فلا شك ان غير المحجبات من الطالبات سيفكرن كثيرا قبل القدوم إلى لمدرسة في اليوم التالي وهن غير محجبات، وقلة فقط ستقبل التحدي والتصدي، وهنا تحقق المثل المصري: “الرصاصة إللي ما تصيبش… تدوش”!
تكرار هذه الأفعال الإجرامية من هؤلاء الجناة وتكرار عمليات القبض عليهم وإطلاق سراحهم، بعد اخذ تعهدات خطية منهم بعدم العودة إلى ارتكاب الفعل، وتدخل النواب للتوسط لهم، حلقة جهنمية ندور فيها منذ سنوات وكأن ليست لها نهاية، فهناك دائما شاب جديد متحمس، وهناك دائما نائب منتخب جديد، وهناك دائما وزير داخلية جديد على استعداد لنسيان أو تجاهل أحداث الماضي والبدء من جديد وقبول الاسترحام وتصديق مقولة “إنها احداث فردية” وقبول نظرية “انها ظاهرة معزولة”، وان مرتكبي هذه “الأفعال” ما هم إلا شباب طائش، وان اليوم الذي سيعقلون فيه آت آت لا محالة!
نقول ان تكرار وقوع مثل هذه التعديات غير الأخلاقية والمتعارضة بشدة مع كل النصوص الدستورية والإنسانية تعني أن السلطة، أو الحكومة، راضية بما يجري، وقد تكون المحرضة في أحيان كثيرة عليها، وليس بالضرورة بصورة مباشرة.
فالإخفاقات المتتالية منذ اكثر من اربعين عاما في مجال الحريات بشكل خاص، وحقوق الانسان بشكل عام، ليست وليدة المصادفة، بل يبدو وكأن الأمر مخطط له من جهات متنفذة ترى ان من مصلحتها ابقاء الدفق الديني المتطرف بكامل زخمه، وعدم عرقلته إلا بما يوحي بوجود سلطة ما، ومن ثم السماح له بمعاودة النشاط بالقوة نفسها. فالأحزاب الدينية، المعارضة التاريخية والصلبة للمواثيق الدولية المتعلقة بــ”حقوق الإنسان”، كانت تنام في أحضان السلطة منذ تواجدت في البلاد قبل 60 عاما تقريبا على يد عصبة من الاخوان المسلمين المصريين!
وقبول السلطة السياسية ذاتها بوقوع مناهج المدارس الحكومية تحت رحمة كبار موظفي الوزارة من المنتمين للأحزاب الدينية ليس وليد الساعة واليوم، بل هو وضع ساد في الخمسة والثلاثين عاما الماضية من دون انقطاع، ولم تكن الفترة التي تسلم ــ فيها المرحوم ــ احمد الربعي أمور وزارة التربية ذات أهمية، بسبب الحصانة التي كان كبار موظفي “المقررات” يتمتعون بها، هذا مع الافتراض انه كان يرغب في إحداث تغيير ما في المناهج! كما ان اختفاء مظاهر الفرح، من موسيقى ورقص فتيات لا تتجاوز أعمار أكبرهن عشر سنوات، من حفلات المدارس بصورة مفاجئة لم يكن وليد المصادفة، بل تم برضا السلطة وهي في تمام وعيها وكامل رضاها.
وهجمة الشخصيات والبرامج الدينية على وسائل الإعلام الرسمية واكتساحها غالبية ساعات البثين الإذاعي والتلفزيوني لم يحدثا بفعل ساحر او فرد، بل بقبول تام ممن كان الأمر، ولا يزال، في أيديهم.
وقبول السلطة السياسية بأن ينتهك النائب والمواطن المحتمي بالنائب، ابسط مظاهر الدولة الحديثة ورموزها المتمثلة بعلم البلاد والسلام الوطني والمناسبات الوطنية، لم يكن من فعل مجهول أو حدثا معزولا، بل كان عن سابق تصور وتصميم من هؤلاء وبمساندة خفية من الحكومة.
والقبول بجر الحياة المدنية، بعد أكثر من 250 عاما من التطور الطبيعي لأعراف الصحراء، بكل ما يمثله ذلك من تخلف، كل ذلك ما هو إلا دليل على قبول السلطة بهذا الانجرار، فتأسيس هيئة دائمة للنظر في اسلمة القوانين ــ وهو ما يتعارض مع الدستور نصا وروحــا ــ لم يكن بضغط نيابي او خارجي، بل بوحي من السلطة الحكومية وبرضاها ومباركتها التامة.
إن هذا يشي ويوحي ويؤكد أن هناك من يرغب في وأد الحياة المدنية والقضاء على براعم الحضارة التي بدأت بالتفتح قبل سنوات، لكي يخلو لها الجو لتفعل ما تريد.
* * *
ملاحظة: عنوان المقال لا يقصد به شخص أو طرف محدد، بل التسمية رمزية وعامة وتخص كل متكسب بالدين.

أحمد الصراف

علي محمود خاجه

يبيلها عجب

لقد بات سمو الرئيس للأسف يتراجع مع أقل همسة من نوّاب المجلس سواء كانت الهمسة صادرة من أخطر مهاجمي المجلس أو من أضعفهم.

وأنا هنا لست بصدد الدفاع عن تلك الشراكة المنفضّة، فهي أمر تقني لست من أهل الاختصاص فيه لا من قريب ولا من بعيد، ولكني ضد مبدأ الانسحاب الدائم والتراجع الذي عوّدنا عليه سمو رئيس الوزراء ناصر المحمد، وهو ما لا يمكن تفسيره سوى أنه ضعف حاد في القدرات الإدارية الفاعلة لديه… هذا الضعف الذي أراه، أعزوه إلى إصرار «بوصباح» على اتخاذ الموقف المدافع دائما وهو غير ناجح فيه أبداً.

في الأمس القريب عارضت لجنة الشؤون التشريعية والقانونية في مجلس الأمة رفع الحصانة عن بعض النوّاب المتهمين بإجراء انتخابات فرعية غير قانونية أوصلتهم إلى المقعد الأخضر عن طريق التلاعب برأي الأمة!!

هذه المعارضة من قبل اللجنة لا يمكن وصفها إلا بالسوء الشديد في ممارسة الحق القانوني والتشريعي لدى المعارضين لرفع الحصانة من أعضاء اللجنة، بل إنه لا يمكن وصفها إلا بمعيقة، بحد ذاتها، لسير القانون.

قد تكون المصفاة الرابعة مصيبة حكومية، وقد تكون الشراكة مع «داو» كذلك، وقد يكون تجنيس البعض أيضا خطأ حكومياً، لكن أن ترفض لجنة معنية بحماية الدستور والدفاع عن تطبيقه رفع الحصانة عن بعض النواب للتحقيق في كيفية وصولهم إلى المجلس والنيابة عن الأمة فهي كارثة يجب ألا تمر لساعة واحدة وليس لأيام كما هو الحاصل.

إن الحكومة باعتقادي ينقصها ما كان ينقص منتخب الكويت قبل سنوات، وهو مهاجم فذ كأحمد عجب، حتى إن لم يسجل الأهداف، فوجوده يكفي لإرعاب الخصوم والمنافسين، فهو يهاجم من أجل انتصاره بلا هوادة، والحكومة اليوم تحتاج إلى الهجوم بلا تردد على ممارسة برلمانية كتلك التي صدرت من أغلبية أعضاء لجنة الشؤون التشريعية والبرلمانية، لتكشف للشعب من يعرقل الأعمال ومن يدافع عن المتهمين بتغييب إرادة الأمة.

ضمن نطاق التغطية:

كنت أنتظر غضبة من صالح الملا ومسلم البراك وأحمد السعدون وغيرهم من أصوات نعتقد أنها عارضت الشراكة مع الـ«داو» عن قناعة، لتعارض تلك الممارسة البرلمانية السيئة الذكر من لجنة الشؤون التشريعية، ولكن للأسف لم أسمع شيئا إلى اليوم، على الرغم من أن الحدث مر عليه أسبوع تقريباً.

سامي النصف

الانتصار القادم من غزة

أحد أسباب هزيمتنا في حرب 48 هو سياسة المفتي المتشدد أمين الحسيني التي ضخمت ما جرى في دير ياسين وكفر قاسم ونشرته إعلاميا مما تسبب في رعب السكان وهجرتهم لأرضهم وقراهم وقد رحب المفتي ـ سامحه الله ـ بتلك الهجرة بحجة انها ستسهل من عمل الجيوش العربية، كما انها ستتيح المجال لتدريب الأهالي في أراضي الشتات حتى يمكن لهم العودة المظفرة السريعة، وقد أثبت التاريخ مدى خطأ تلك السياسة الانفعالية غير الحكيمة، حيث لم يعد أحد، وظهرت بسببها مشكلة اللاجئين الفلسطينيين، بينما لم تكن هناك مشاكل لاجئين في قضايا الاستيطان والاحتلال المشابهة في الجزائر وجنوب أفريقيا وروديسيا.. إلخ.

ومع قدوم عصر الثوريات العربية بدأ فصل جديد من تزييف الوعي وإخفاء الحقائق وتمت احالة الهزائم النكراء الى انتصارات باهرة، فحرب 56 التي احتلت خلالها سيناء ومدن القناة ودمرت الأسلحة التشيكية الجديدة من دبابات وطائرات على الأرض وقتل خلالها الآلاف وفتحت بسببها مضايق تيران لاسرائيل دون ضرر حقيقي على الغزاة، تحولت الى انتصار كبير بفضل خطاب «حنحارب» التي قيلت ضمنه دون ان ينتبه احد وسط الصراخ والتصفيق والتهليل الى ان الأوامر صدرت للجيش بالانسحاب من سيناء وتسليمها دون حرب لإسرائيل، وزاد من روعة الانتصار واقناع الناس به تأليف العشرات من الأغاني الوطنية الحماسية مثل «الله أكبر» و«اليوم اليوم النصر»، وغيرها من أناشيد وخطب قلبت الحقائق المرّة الى أكاذيب سعيدة.

وفي عام 67 اعتبر ان عدم نجاح اسرائيل في إسقاط الأنظمة الثورية هو انتصار باهر بذاته (ومن قال انها حقا تريد اسقاطها؟) كما خلقت في حصار بيروت وتدميرها عام 82 معادلة «جديدة» للنصر مازالت باقية وهي احتساب الفترة المنقضية بين اطلاق أول رصاصة اسرائيلية واطلاق آخر رصاصة وكذلك بين دخول أول جندي اسرائيلي لأراضينا وخروج آخر جندي، انتصارا بذاتها أي كلما طالت كبر الانتصار خاصة عند المقارنة بحرب الأيام الستة عام 67.. وبالطبع لم تخلق أمة من أمم الأرض الأخرى مثل هذا التعريف الجديد لانتصاراتها خاصة انه كلما طالت الفترة بين اطلاق اسرائيل اول رصاصة واطلاقها آخرها عنى هذا الأمر ان هناك المزيد من الدمار والمزيد من القتلى، والمزيد من الخسائر المالية والمزيد من الجرحى والمشوهين والمعاقين في صفوفنا لا في صفوفهم مادامت الحرب تقوم على ارضنا لا على ارضهم وما يدمر هو بنياننا لا بنيانهم، لذا فهزيمة الأيام الستة في حقيقة الأمر هي اقل ضررا على امتنا من انتصار حصار الستين يوما لأبي عمار في بيروت.

لقد بدأت الحرب الحالية في غزة دون ان يشاور أحد العرب والمسلمين في بدئها مما يطرح تساؤلا محقا هو: هل توقع من قام بهذا الأمر الرد الإسرائيلي المدمر الذي يدمي القلوب الذي نراه، ان كانت الإجابة بـ «لا» كما اتى على لسان بعض المسؤولين فتلك مصيبة، وان كانت الإجابة بـ «نعم» وان هذا الرد كان متوقعا دون الاستعداد له فتلك كارثة.

اننا نفهم لماذا لا يلتزم العدوان الاسرائيلي هذه الأيام بقرارات وقف اطلاق النار مادام يقتل ويدمر موارد عدوه مقابل خسائر لا تذكر في صفوفه ومقابل ردات فعل انفعالية «مؤقتة» يتكفل الزمن بتجاوزها سريعا كحال المظاهرات والمقالات النارية وطلب تجميد العلاقات.. الخ، إلا اننا لا نفهم سبب رفض الاخوة في «حماس» مثل ذلك الطلب الذي يحقن الدماء ويوقف العدوان، نرجو ألا يكون السبب هو رغبة البعض في تحقيق الانتصار هذه المرة من غزة ـ حسب التعريف الجديد للانتصار ـ عبر محاولة إطالة الفترة الممتدة بين اطلاق أول رصاصة إسرائيلية واطلاق آخر رصاصة، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

آخر محطة:
على ذكر دير ياسين، تسمح القوات الإسرائيلية هذه الأيام لوسائل الإعلام العربية بالعمل بكل حرية لنقل صور فظائع الحرب التي تجري في القطاع، فهل من مذكّر؟

محمد الوشيحي

دعوا الضبان في جحورها

فوزنا – في المباراة قبل الماضية على البحرين – ليس فوزا، هذه جنحة سرقة يعاقب عليها القانون بالحبس ثلاث سنوات. اللعب كله كان في منتصف ملعبنا ومنطقة جزائنا، وكأن البحرينيين نصبوا خيامهم في مرابعنا.
أحد عشر لاعبا كويتيا توزعوا المسؤوليات حسب التساهيل، جزء يبكي وينحب وجزء يولول ويصرخ ولا أجدع ندّابة من ندابات البصرة الفاضلات. الهدف سجلناه من ضربة ثابتة، وعينك ما تشوف إلا الانجحار الشديد، خطة الضبّ، أدخل جسمك كله في الجحر وارفع ذيلك قليلا يرحمنا ويرحمك الله. متابعة قراءة دعوا الضبان في جحورها

سامي النصف

حتى نحصد البطولات الرياضية

زرت قبل أيام عمان الهادئة والجميلة، بدعوة من هيئة سوق المال العمانية لتقديم محاضرة حول دور الصحافة في تشجيع الوعي الاستثماري، وقد تزامنت تلك الزيارة التي سنكتب عنها لاحقا مع بدء فعاليات دورة الخليج التي بودنا ان تتوسع مستقبلا وتمزج الرياضة بالاقتصاد والفن والثقافة عبر خلق مهرجانات تسويق وسياحة وحفلات غنائية وعروض مسرحية وندوات ثقافية وفكرية وشعرية تتزامن مع إقامة تلك الدورات بحيث لا تقتصر الزيارة على جمهور شبابي يشاهد المباراة لمدة ساعتين ويرحل، بل تصبح فرصة لزيارة آلاف العائلات والرجال للتسوق وغيره.

أكتب المقال قبل مباراتنا مع العراق وبالطبع بعد مباراتنا مع البحرين واعتقد ان فريقنا من أفضل الفرق الا ان هناك اسبابا متكررة منذ سنوات تمنعه من حصد البطولات منها الإعداد النفسي السالب والخاطئ للاعبين، حيث ينصح عادة المختصون النفسيون الآباء وقادة الفرق الرياضية والعسكرية ومديري الشركات بالعمل بما يسمى «التحفيز الموجب» اي تكرار مقولة «انكم قادرون على الفوز والنصر وحيازة البطولة.. الخ».

لدينا نقوم دائما بالعكس من ذلك، حيث يتم تكرار المقولات المحبطة منذ البدء مثل «انتم جايين للمشاركة لا للفوز» و«نحن نرشح الفريق المنافس للفوز بالمباراة والبطولة» و«الحكام راح يستقصدونكم ليخسروكم» وقد اثبتت مثل تلك التصريحات انها تقتل روح الطموح وتجعل اللاعبين محضرين بشكل مسبق للهزيمة وواضح ان مثل تلك التصريحات تطلق في العادة لحماية الجهاز الفني حتى يقال «ما قلنا لكم اننا لن نفوز» ورغم تكرار خسارتنا للمباريات والبطولات عبر السنين فمازلنا نعيد ونكرر ذلك التحفيز السالب بدلا من الموجب.

وهناك إشكالية فنية متكررة منذ عقود كذلك، ولا نرى مثلها لدى الفرق الدولية وحتى لدى الفرق الخليجية والعربية المتكررة الفوز بالبطولات، وهي ان فريقنا ما ان يحرز هدفا على الفريق الخصم بسبب خطة جميلة يلعب بها، حتى ينكمش على نفسه ويقوم بلعب دفاعي ممل ويتساقط خلاله اللاعبون ويكثرون الاحتجاج على الحكام دون مبرر، ومما يدل على غباء تلك الخطة العقيمة ان عملية التعادل مع البحرين كانت ستساهم في إخراجنا من البطولة ومع ذلك اكتفينا بهدف واحد وكان بإمكان البحرين ان تعوضه في اي دقيقة من دقائق المباراة الاخيرة.

وقد قرأت في إحدى الصفحات الرياضية تصريحات للجهاز الفني حول مبررات اللعب غير المرضي امام البحرين بعد تسجيل الهدف اليتيم قيل ضمنه ان السبب هو الشحن النفسي الذي خلقته جماهيرنا الرياضية (!) وهو عذر اقبح من ذنب وكأن المطلوب ألا تشجع جماهيرنا فريقنا، بل وكأن الفرق الأخرى في هذه البطولة وخارجها لا تملك جماهير بالملايين تقف خلفها دون ان يلومها احد على سوء الأداء.

وقد تابعنا مباراة السعودية واليمن ـ ومثلها مباراتا عمان والبحرين مع العراق ـ ولم نشهد تراجع الفريق السعودي للخلف بعد تسجيله هدفه الأول كحال فريقنا، كما شاهدنا مدرب الفريق ناصر الجوهر يجلس بهدوء ويسجل الملاحظات طوال المباراة، بينما تظهر صور مدربنا وهو شديد الانفعال والحركة دون تدوين اي ملاحظات وهو ما يمهد لتكرار نفس الأخطاء، لذا بودنا كجماهير ان نتعظ مما جرى وان نتجنب اللعب الدفاعي بعد تسجيل الاهداف، ومثل ذلك ترشيح الفرق الاخرى للفوز بالمباريات والبطولة كونها تؤدي لنتائج عكسية.

آخر محطة:
 (1) يروي الإعلامي الإماراتي محمد الجوكر ذكرياته في ملحق صحيفة «الشبيبة» العمانية حول الدورة الرابعة في قطر فيقول ان كابتن الفريق العراقي آنذاك مجبل فرطوس أسرّ له بأن الرئيس احمد حسن البكر اتصل ليلا باللاعبين ليبلغهم بتخصيص ڤلل لهم ان فازوا على الكويت وقد اتت تلك المكالمة بأثر عكسي، حيث لم ينم اللاعبون طوال الليل من الفرحة وهو ما جعلهم يخسرون المباراة امام الكويت (2)4 بسبب الارهاق!

(2) تقوم الصحف الخليجية بخلق ملحق رياضي منفصل لدورة الخليج، كما لاحظت انها تملأ لوبيات الفنادق والمراكز الإعلامية بنسخات من تلك الملاحق والصحف.

سعيد محمد سعيد

شارع «بني أمية»!

 

أعلم أن في هذا الموضوع تشعيب غريب، وقد تذهب بعض أفكاره غربا وتذهب الأخرى شرقا، لكن في نهاية المطاف، سنقف عند نتيجة واحدة هي (خلاصة) هذا التشعيب، وسيكون -قطعا- لكل منا رأيه.

سأبدأ بقصة، تحوي مشهدين، فقد كنت ذات مرة ضمن وفد من الإعلاميين العرب والأجانب في رحلة عمل بإحدى الدول العربية… وبينما كنا نقطع طريقا صحراويا طويلا في الحافلة، كان بالقرب مني اثنين من الزملاء المسيحيين، أحدهم كاثوليكي والآخر أرثوذكسي، وبحسب فهمي المتواضع، فقد كانا يناقشان قضية الخلاف في الكنيسة، وأي طائفة أفضل… نقاشهما كان هادئا للغاية، وكانا يكرران عبارة: «لنا رب واحد… إيمان واحد… معمودية واحدة».

في ختام النقاش قال أحدهما: «أنت كالشجرة المثمرة، تهدي الطعام للضيوف»، وقال الآخر: «كن كالنهر، أينما يجري تنبض الحياة»… هكذا كانت العبارات كما أتذكر.

في استراحة بالطريق، كان الشرر يتطاير من أعين اثنين من المسلمين كانا ضمن الوفد وكنت أجلس على الطاولة ذاتها التي يجلسان عليها، أحدهما سني متشدد والآخر شيعي متشدد أيضا… غرق الاثنان في كتب التاريخ، وفي تبادل عبارت التكفير والرفض والنصب… انتهى النقاش بلعنات نارية أيضا: «لعنة الله عليك يا رافضي يا كافر… لعنة الله عليك أنت يا وهابي يا ناصبي».

في البحرين، لدينا صورتان إحداهما مزيفة والأخرى حقيقية… المزيفة هي تلك التي يدعي أصحابها أنهم يعيشون في بيت واحد على رغم الخلافات المذهبية، لكنهما يكذبان! ففي الظهر يطعن كل منهما في الآخر، وأمام بعضهما بعضا يمثلان المحبة! لكن الصورة الحقيقية، هي تلك التي لا تقوم على الإدعاءات والافتراءات، بين سني وشيعي، بل ولا تجد لها مكانا في حياتهم اليومية، لكن مع شديد الأسف، فإن الصورة المزيفة الأولى هي التي يحاول المزيفون إظهارها للعلن.

وبودي هنا أن أنتقد أولئك الذي يفاخرون بمشاركة أبناء الطائفة السنية في ذكرى عاشوراء الحسين (ع)، لكن لا يتوانى الجهلة منهم عن إطلاق اسم «شارع بني أمية» على الطريق الذي اعتاد أبناء الطائفة السنية الكريمة الجلوس فيه على مسار العزاء في المنامة… لا أقول إن كل أبناء الطائفة الجعفرية يستخدمون هذه التسمية، ولكن هناك الكثير من الجهلة والمغفلين من لايزال يطلق تلك التسمية… بالله عليكم، كيف تصفونهم بهذا الوصف لتضعوهم في دائرة اللعن وهم يشاركون معكم في إحياء هذه الذكرى العظيمة؟ ولماذا التشكيك في نواياهم أصلا؟.

آن لمثل هذه التسميات السيئة، وغيرها الكثير ممن يستخدمه المتشددون من الطائفتين أن تلغى من لغة (البيت البحريني) لأنها ببساطة لا تعكس الخلق الإسلامي القويم.

سأعود الآن الى مأتم بن زبر، يوم التاسع من المحرم، ولا أخفي القول إن الخطيب الشيخ عبدالمحسن الجمري، استطاع أن يكسب الكثير من أبناء الطائفة السنية الكريمة لحضور محاضراته بخطابه المعتدل العميق الغني، وهناك جلس بعضهم ممن أعرفهم شخصيا ليستمع إلى خطابه الإسلامي الجميل، رافضا كل الممارسات التفتيتية والطائفية، ومحذرا من تساهل الدولة مع مثيري الفتنة، والشيخ عبدالمحسن، الذي شاهده وسمعه الكثير في تلفزيون البحرين ضمن الاحتفالات بالعيد الوطني المجيد وذكرى جلوس جلالة الملك وهو ينطق بالمعاني الوطنية المتأصلة في نفوس البحرينيين لوطنهم، لم يجد مانعا من إعادة التأكيد، في خطبته يوم التاسع من المحرم، على انتماء البحرينيين لهذا الوطن، لكنه طالب الدولة بإزالة آثار «التقرير المثير» من قلوب الكثير من المواطنين لأنه سبب لهم ألما موجعا.

سألني بعضهم: «لماذا كررت في مقالاتك الأخيرة عبارة: «شرعية العائلة الحاكمة»؟ هل لحاجة في نفس يعقوب؟»، وأنا أجيبهم بالقول مكررا على شرعية الحكم الخليفي، وأنني لا أريد شيئا ولله الحمد والمنة، لكنني سأبقى مطالبا ومناديا مع الأصوات الشريفة التي تطالب بالحقوق التي كفلها الدستور وكفلها المشروع الإصلاحي لجلالة العاهل بالطرق السلمية لأنني (بحريني)… لا بالدعوات الهوجاء العنترية التي يستغلها أول ما يستغلها أولئك الذين يسعون لضرب الحركة المطلبية المشروعة.

وأخيرا، شارع «بني أمية» ليس موجودا على خريطة البحرين… شارع «الإمام الحسين (ع)»… هو الذي يسر الناظرين… دينيا ووطنيا وأخلاقيا و… رسميا.

محمد الوشيحي

على الغداء

بعدما علكنا كلمات الترحيب والتسهيل كلها، قال لي وهو يدحرج ابتسامة معلبة: «وبعدين معاك؟ وين تبي توصل بكتاباتك التي تكسر المجاديف؟»، فقلت وأنا أسحب نفسا عميقا من سيجارتي: «حدد قبل أن نغرق، مجاديف مَن طال عمرك؟»، فعدّل جلسته وتحدث بجدية مستوردة، أراد من خلالها بث الرعب في مساحات الصالة التي جمعتنا بطلب منه: «مجاديف الحكومة والشيوخ الوزراء، ومجاديف الكتل السياسية، ومجاديف كل من يمشي على هذه الأرض»، قلت وقد حبكت النكتة معي: «وأنتم لكم مجاديف مثلنا؟ يا عمي أنتم تمشون على البخار»، فقال وهو ينتزع كلماته من بين قهقهته: «صدقني نحن مثلكم بشر، مثلكم نروح الحمّام، هاهاها»، فانتزعت بدوري كلماتي من بين قهقهتي: «العامل المشترك بيننا وبينكم هو الحمام»، وعلت الضحكات… متابعة قراءة على الغداء

سامي النصف

هل ثار العرب على الدولة العثمانية؟!

عندما يختلف العرب فإن أول ما يضحون به هو الحقيقة، وهذا تماما هو ما تم في الخمسينيات ابان الصراع القومي ـ الإسلامي، حيث اتهم الاسلاميون القوميين بأنهم من ثار واسقط الدولة العثمانية رغم ان السلطان العثماني عبدالحميد الثاني هو من رفض بيع فلسطين لليهود، اي بمعنى تحميل القوميين ممن كانوا يرفعون شعار تحرير فلسطين آنذاك مسؤولية ضياعها.

كان العرب تاريخيا الأكثر اخلاصا للدولة العثمانية من باقي رعاياها وفي 27/4/1909 أفتى شيخ الإسلام التركي محمد ضياء الدين بجواز خلع السلطان عبدالحميد مما جعل جمعية الاتحاد والترقي الطورانية المسيطرة على مجلس الأعيان ترسل وفدا من اربعة اعضاء هم ايمانويل قراصو وآرام واسعد طوبطاني وعارف حكمت لإبلاغ السلطان قرار الخلع، والملاحظ ان الوفد تكون من ممثلين عن القوميات المكونة للدولة العثمانية ولم يكن بينهم عربي واحد.

قام الاتحاديون بعد ذلك (وقبل اتاتورك بسنوات) بتوجيه الدولة وجهة قومية تركية لا دينية واستهدفوا خلالها العرب بالاضطهاد والعنصرية والاحتقار وتم عزلهم من المناصب وكان آخر ذلك عزل وزير الاوقاف العربي واستبداله بتركي، واوقفوا العمل باللغة العربية وقد حاول بعض الزعماء والضباط العرب اواخر 1909 التوجه للاستانة وحل الاشكال الا انهم اهينوا من قبل بعض غلاة الاتحاديين امثال احمد اغايف ويوسف قسورة مما قضى على آمال المصالحة بين الترك والعرب.

وأنشأ الاتحاديون جمعية طورانية عظمى سموها «ترك اوجاغي» جعلت غايتها محو الإسلام وتتريك العناصر العثمانية وقد تفرع عنها عدة جمعيات منها «ترك يوردي» لتطهير اللغة التركية من الكلمات العربية، كما قررت نزع اسماء الصحابة من الجوامع كونهم عربا كما طعنوا من على المنابر في الخلفاء الراشدين وساهموا في نشر كتب الكفر والإلحاد في الدولة مما آذى شعور العرب المحافظين.

فما أن اعلنت الحرب الأولى في اغسطس 1914 حتى اصطف العرب، رغم ما جرى، خلف الاتحاديين الحاكمين في الاستانة وارسل جمال باشا السفاح (علي كيماوي عصره) الى بلاد العرب بعد تدبيره مذابح الأرمن في أضنة فنصب المشانق للأحرار وتسبب في مقتل مئات الآلاف من العرب عبر عمليات التهجير القسري والمجاعات التي اختلقها وقد اتهم العرب بالخيانة لتبرير التنكيل بهم بينما كشف البلاشفة بعد ثورة 1917 عن رسائل سرية ارسلها السفاح لقيصر روسيا يعد بها الحلفاء (الأعداء) بأن ينحاز لهم لقاء القبول به ملكا على الشام والعراق ولأبنائه من بعده، وليست بعد تلك الخيانة العظمى خيانة.

لذا قرر من نجا من مذابح السفاح التوجه للحجاز وإعلان الثورة من هناك تحت راية الشريف حسين ومما جاء في نص خطاب الشريف للاستقلال والانفصال عن حكومة الاتحاديين «ان صحيفة «الاجتهاد» الاتحادية وصفت سيرة النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بأنها شر سيرة (!) وان الحكومة الاتحادية ألغت قوله تعالى (للذكر مثل حظ الأنثيين) فساوت بينهما في الميراث، وانها امرت جنودها في المدينة ومكة والشام بإفطار رمضان للمساواة بينهم وبين المقاتلين على حدود الروس وفي ذلك هدم لأحد اركان الإسلام الخمسة» كما عدد جرائم الاتحاديين ببيع اراضي ودول الإسلام في البوسنة والهرسك لحكومة النمسا واراضي طرابلس الغرب وبرقة ومقدونيا وجزيرة كريت وجزر الارخبيل للإيطاليين.

آخر محطة:
قام الاتحاديون بعد يوم من خطاب الشريف حسين بإطلاق المدفعية على الكعبة المشرفة فوقعت احدى القذائف فوق الحجر الأسود والثانية تسببت في التهام النار لأستار البيت حيث هرع آلاف المسلمين لإطفاء لهيبه وهم ينتحبون، وسقطت القذيفة الثالثة على مقام ابراهيم گ فهل يجوز الترحم على ذلك الحكم الطوراني (لا العثماني) المتعصب وهل يلام العرب على الثورة عليه؟!

احمد الصراف

حب ومال (من الإنترنت)

حب: عاد الرجل يوما من عمله متعبا ومتضايقا من امر ما ليجد ابنه البالغ ٥ سنوات ينتظره. سأل الصبي والده: هل لي ان اسألك؟ فقال الاب تفضل، فقال الابن: كم تكسب في الساعة الواحدة؟ فتضايق الاب من سؤال ابنه، وقال له: هذا ليس من اختصاصك، لماذا تسأل مثل هذه الأسئلة الشخصية؟ فقال الصبي بصوت منخفض: انني اسأل فقط، ارجوك يا ابي ان تخبرني، كم تكسب في الساعة الواحدة؟ فقال الاب، وقد بدا عليه نفاد الصبر، ان كان لا بد ان تعرف فإنني اكسب ٥٠ دولارا في الساعة الواحدة! فغر الصبي فاهه متعجبا وقال لابيه: هل يمكن ان تقرضني ٢٥ دولارا يا ابي؟ وهنا شعر الرجل بأن صبره قد نفد بالفعل فنهر ابنه قائلا: اذا كنت تريد من سؤالك معرفة ما اكسب فقط لكي تنتهز الفرصة، وتقترض مني لتشتري لعبة سخيفة او اشياء اخرى تافهة، فأنت اناني وانا لا احبك، وعليك الذهاب فورا الى غرفتك، فأنا لا اعمل بكل هذا الجهد لارضاء الطفولي من رغباتك غير ذات المعنى!
أحنى الصغير رأسه مصدوما، وتوجه الى غرفته بخطى متثاقلة، والحزن باد عليه واغلق الباب خلفه. بعد لحظات جلس والده يفكر في تصرف ابنه، وشعر بغضب اكثر لقلة ادب ابنه وانه لم يوفق في تربيته بشكل سليم، فما دخله بما اكسب في الساعة؟ وماذا يريد شراءه من سخيف الامور بالمبلغ الكبير الذي طلبه؟ ولكن بعد ساعة عاد الهدوء إلى نفسه واخذ يلوم نفسه لتصرفه الغاضب من ابنه، فلا بد ان الصبي كان في باله شيء مهم ليقدم على ذلك التصرف الاحمق، خصوصا انه لم يكن عادة يطلب المال منه بل من امه، وهنا قرر الذهاب الى غرفته لمراضاته والاطمئنان عليه.
جلس على طرف سرير ابنه وقال له: كنت افكر بك، لقد كنت قاسيا في ردي، فقد كنت مرهقا جدا من العمل عندما كلمتني، وهذا هو مبلغ ٢٥ دولارا الذي طلبته. فاعتدل الطفل في جلسته وتهللت اساريره وشكر والده معانقا، وقفز من فراشه وذهب الى درج في خزانة ملابسه وفتحه واخرج كومة من العملات المعدنية والورقية، التي ما ان رآها والده حتى شعر بغضب شديد يجتاحه، وهو يرى ابنه يعد النقود، وقال له بصوت عال: كيف تطلب مني مالا ولديك الكثير منه؟ فقال الطفل بفرح لم يكن يتسق والشرر الخارج من عيني ابيه: نعم يا ابي، لدي الكثير من المال، ولكن الآن املك ما يكفي منه. اصبح لدي الآن ٥٠ دولارا! فهل بإمكاني شراء ساعة من وقتك، وان تأتي غدا مبكرا، فأنا اتمنى تناول طعام العشاء معك، وهذه هي الخمسين دولارا ثمن ساعة من وقتك!
هنا شعر الاب بألم العتاب يعتصر قلبه، فقام من فوره واحاط ابنه بذراعيه وعانقه بحب شديد وهو يشهق بدموعه وطلب مغفرته(!).
إن هذه القصة ما هي الا تذكرة لنا جميعا، نحن الذين نعمل بجد كل يوم، لكي لا يتسرب الوقت من بين اصابعنا من دون ان نشعر، وننسى ان نمضي، ولو بعض الوقت مع من يعنون لنا الكثير. فلو متنا اليوم فإن الشركة التي نعمل لها او فيها، سوف تستبدل غيابنا بآخر في وقت قصير، وسيستمر العالم في دورانه، وسينسانا الجميع، الا الأهل والاصدقاء الذين تتركهم خلفك، فهؤلاء فقط سيشعرون بقيمتك وقدرك بما تبقى في حياتهم.

❊❊❊
مال: كان الخريف يوشك على بلوغ نهايته عندما توجهت مجموعة من مواطني اميركا الاصليين من الهنود الحمر الى رئيسهم ليستفسروا منه عن الشتاء المقبل ودرجة برودته، وحيث انه كان زعيما قبليا هنديا ويعيش في مجتمع عصري، فإنه لم يستطع اعطاء اتباعه اجابة غير دقيقة، فطلب منهم، من باب الحيطة والحذر، التزود بكم كاف من خشب التدفئة، لأن فصل الشتاء المقبل سيكون باردا.
وليكون الرئيس واثقا مما قاله لرجاله قام بعدها بأيام بالاتصال بالخدمة الوطنية للاحوال الجوية، لسؤالهم عن توقعاتهم عن طقس الشتاء المقبل، فقيل له أنه سيكون باردا حقا وهنا ذهب الرئيس واخبر اتباعه بأن الشتاء سيكون اكثر برودة مما كان يتصور وبأن عليهم الاستعداد له بخشب تدفئة اكثر.
عاود الرئيس الاتصال بعد اسبوع بمركز خدمة الاحوال الجوية وطرح السؤال نفسه فقيل له بأن فصل الشتاء المقبل سيكون باردا جدا، وأكثر مما كان متوقعا، فقام من فوره بالطلب من اتباعه بتخزين كميات اكبر من خشب التدفئة، ولو تطلب الامر جمع كل ما هو موجود منه في السوق. بعد اسبوعين اتصل مرة ثالثة بالخدمة وطرح السؤال نفسه وعندما اخبره المسؤول بأن الشتاء سيكون قاسيا بشكل غير طبيعي هذا العام، سأله عن سبب كل هذه الثقة، ولا يزال الشتاء بعيدا فقال له المسؤول: انا على يقين تام بأن الشتاء المقبل سيكون شديد البرودة الى درجة كبيرة فقد شاهدت بعيني كيف يجمع سكان البلاد الاصليين من الهنود الحمر الخشب من كل مكان بشكل جنوني! وهكذا عادة ما تعمل آلية البيع والشراء في السوق عند التكالب على سهم معين من دون سبب منطقي!

أحمد الصراف