ليس خافيا ذلك المَدّ والجَزْر، بين الجمعيات السياسية المنتمية الى خط «المعارضة» وعدد من النواب، وتحديدا كتلة الوفاق الوطني الإسلامية، وفئة من الناشطين الحقوقيين وثلاث صحف يومية بعينها، وعدد من كتابها، وبين وزارة الداخلية…
ذلك المَد يشتد ويصل ذروته في حال وقوع اضطرابات أمنية ومواجهات، أو في حال الكشف عن تفاصيل مخططات أو أعمال مضرة بالأمن الوطني، فتصدر البيانات والتصريحات الصحافية، وتكتب المقالات والأعمدة الصريحة، وتعقد الندوات واللقاءات والمؤتمرات الصحافية، من الجهتين، أما الجَزر، فهو على شحه، لكنه يظهر من خلال لقاءات بعض النواب وممثلي الصحافة مع معالي وزير الداخلية الفريق الركن الشيخ راشد بن عبدالله آل خليفة وكبار المسئولين في الوزارة للتباحث في (الحدث)، أو استقبال أهالي معتقلين ومحاميهم للاعتراض على إجراء ما، ولعل الجانب المهم، والذي يغفل عنه الكثيرون، هو استقبال تظلمات المواطنين في مكتب المفتش العام العميد إبراهيم حبيب الغيث، وهو يدير هذا الجهاز (المهم للغاية) والذي يتبع مكتب وزير الداخلية مباشرة، وفي وسع أيِّ مواطن أو مقيم تعرَّض للظلم أو انتهاك الحقوق أن يتقدم بشكواه، ويصر على متابعتها.
وعلى أي حال، لابد من إعادة التأكيد على أنه ليس مقبولا الإضرار بأمن الوطن والمواطن، وفي الوقت ذاته، لا يمكن القبول بانتهاك حقوق أي مواطن أو تعريضه لأيِّ شكل من أشكال القمع والتعذيب والإهانة والاعتقال التعسفي والحرمان من الحقوق التي كفلها له الدستور، وكما طرحنا مرارا في هذه الزاوية، من أن افتعال الاضطرابات الأمنية وأعمال الحرق والتخريب وتعريض الأرواح والممتلكات والقيام بالأنشطة المنافية للقانون والمخالفة لأسس المطالبة السلمية والتغرير بالشباب ودعوات (الموت) البغيضة التي لا تستقيم مع المطالب السلمية المشروعة هو من الأمور المرفوضة رفضا قطعيا، رفضنا في المقابل، أية إجراءات أو ممارسات تصادر حقوق الناس وتحرمهم حريتهم، وتشكك في انتمائهم الوطني وتضعهم في خانة (الخيانة).
لكن لابد من القول، إن هذا الوضع، أي العلاقة بين وزارة الداخلية ومخالفيها من مؤسسات مجتمع مدني وصحافة وناشطين ونواب، لا يمكن أن تجده في الكثير من الدول وخصوصا العربية والإسلامية منها! فعلى رغم اشتداد المواقف في كثير من الأحيان بين النواب والناشطين السياسيين والكتاب الصحافيين وبين الوزارة، فإن قناة اللقاء والتباحث ليست معدومة… حتى مع معالي الوزير شخصيا… وإذا كانت هناك أخطاء وتجاوزات تخالف الدستور والأنظمة، توجد في المقابل وسائل قانونية لابد للأفراد والمؤسسات المدنية أن تفعلها في تعاملها مع وزارة الداخلية، فليس مجديا رفع الأصوات هنا وهناك عن وقوع تجاوزات وانتهاكات من دون أن يتقدم ذلك المواطن الذي تعرَّض لتلك الانتهاكات بقوة، إلى مكاتب المسئولين بالوزارة، ويطالب باستعادة حقه كاملا، وليس مجديا رفع المثل القائل: «إذا كان خصمك القاضي، فمن تقاضي؟».
على رغم اختلاف وجهات النظر بيننا كصحافيين وبين المسئولين الأمنيين في شأن معالجة الأوضاع في البلاد، لكن لا يمكن إغفال الجوانب الإيجابية التي شهدتها الوزارة منذ تولي الشيخ راشد بن عبدالله مسئوليتها، فليس أمرا هيّنا إدانة 23 شخصا من منتسبي الوزارة في شكاوى مختلفة لتجاوزهم لواجباتهم ومساسهم بحقوق الإنسان، وإن من بعض الأحكام الصادرة الحبس، كما يتم إعلام أصحاب الشأن بكل التفاصيل كما أعلن رئيس دائرة الشئون القانونية بالوزارة العقيد محمد راشد بوحمود.
ختاما، وهو لبُّ الحديث قطعا، أودُّ أن أتقدم بالشكر الجزيل – نيابة عن بعض المواطنين – الى المفتش العام على تعاطيه الإيجابي مع القضايا التي أوصلتها إلى مكتبه وحظيت بالاهتمام، وإلى القائم بأعمال مدير عام مديرية شرطة المحافظة الشمالية على سعة صدره وحرصه على استقبال المواطنين المتضررين شخصيا… فمثل هؤلاء المسئولين الأمنيين يشعروننا بأن القنوات مفتوحة ومجدية، وهنيئا لمعالي وزير الداخلية مثل هؤلاء وغيرهم، فهُو، وهُم، من يتحملنا إن شددنا عليهم حينا، وإن توجهنا إلى مكاتبهم حاملين هموم الناس حينا آخر…
شكرا لكل المخلصين