ضحكت إلى أن بكيت بعدما قام رئيس حكومة حماس «هنيّة» بنثر الورود وبطاقات التهنئة في الاجواء احتفالا بالنصر وهزيمة الأوباش اليهود! يا رب الأرباب، لعل فرحة الانتصار لا تُنسي هنية دفن الضحايا الفلسطينيين المساكين وعلاج من كتب الله له منهم عمرا جديدا تعيسا بعاهة مستديمة، ولعل احتفالات حزبه التي جابت شوارع غزة مخترقة الأنقاض لا تشغله عن تأمين ولو بعض الأكواخ لتستر من هدمت منازلهم، وما أكثرهم، ولعلها لا تصرفه عن التفكير في وقاية فلسطينيي غزة ضد الأوبئة التي احتلت غزة بعد الانسحاب الإسرائيلي منها، في عملية أشبه بتسليم عهدة، سلّم واستلم. وإنا لله وإنا إليه راجعون. قال لك «نهنئ الأمتين العربية والإسلامية بالانتصار ودحر الظالم»، دحر مَن يا سيدي في تالي هالليل؟
اليهود الذين أسكرتهم قوة آلتهم العسكرية وما فعلته في غزة، أعلنوا بأنهم حققوا أهدافهم كلها، بل وأكثر منها، وصاحبنا هنيّة يقول نحن المنتصرون في الحرب، والحرب كما نعرف، فيها المهزوم والمنتصر، فإذا كان هنية منتصرا واليهود منتصرين، فمن هو المهزوم في هذه الحرب سوى هؤلاء الضحايا البسطاء؟ هل نضحك ام نبكي يا هنية؟ متابعة قراءة دقوا المهابيش
اليوم: 22 يناير، 2009
الأكثر تشدداً الأكثر ضرراً بالقضية
تذكر الكاتبة الفلسطينية هالة الغوري في كتابها الوثائقي «فلسطين فيما آلت إليه الأمور» أن المفتي أمين الحسيني التحق عام 1913 بالمخابرات البريطانية وخدم معها بالسودان وأنه استدعي مع اليوم الأول لوعد بلفور ليتقلد منصب الإفتاء رغم عدم استحقاقه لكونه أفنديا وليس معمما ولا يملك الأقدمية، وأن الحاكم الصهيوني لفلسطين هيربرت صموئيل قال له بعد أن أوصله لذلك المركز «عد إلى دارك وأطلق لحيتك» وتضيف: أن الحاكم كان حريصا على إنماء ثروة الحاج الشخصية عن طريق الإيعاز لصديقه الثري المصري جورج انطونيوس باستئجار دار يملكها المفتي بمبالغ خيالية كانت حديث الناس لسنوات، حسب قولها، كما جعله مسيطرا على أموال الأوقاف الإسلامية وميزانية المجلس الإسلامي الأعلى الوافرة.
والغريب أن الدور الذي طلب الحاكم من المفتي لعبه ليس التهدئة وإظهار صداقته لبريطانيا العظمى بل العكس من ذلك تماما، أي دور الثائر الرافض للمصالحات والمحرض للشباب الغض في المساجد والأزقة على حمل السلاح، وقد أتى ضمن كتاب الباحث الفلسطيني تيسير كاملة «وثائق الخارجية البريطانية 1917 ـ 1951» وثيقة 66/أ: أن اللجنة الملكية اطلعت على قضايا بيع أراض عربية كبرى للوكالة اليهودية كان «السمسار» فيها هو المفتي المتشدد الذي رفض توصيات لجنة «بيل» التي تعطي 90% من الأراضي للفلسطينيين وتحالف مع الطاغيتين الخاسرين هتلر وموسليني إبان كراهية العالم أجمع لهما، وفيما بعد رفض قرار التقسيم عام 1948 وساهم في ارعاب الفلاحين وتركهم لأرضهم.
وفي الخمسينيات والستينيات تسلم القضية بعد المفتي الذي وشى بثورة الشواف لعبدالكريم قاسم لقاء 1.62 مليون ليرة لبنانية، كما يروي السفير العراقي نجيب الصائغ في مذكراته ـ الأنظمة الثورية المتشددة في القاهرة وبغداد ودمشق ممن فوتوا على العرب بغوغائيتهم فرصة الانضمام لحلف بغداد العسكري ومشروع ايزنهاور الاقتصادي كي يأمنوا في أوطانهم وتنتعش اقتصادياتهم كحال دول غرب أوروبا وشرق آسيا وقد تسبب تشدد تلك الثوريات في حروب أسفرت عن مكاسب ومنافع لإسرائيل احتلت خلالها ما تبقى من فلسطين والقدس الشرقية وسيناء والجولان وفتحت لها مضايق تيران.
وأتت بعد هزيمة الأنظمة في عام 67 مرحلة ثورية المنظمات المتشددة التي اختصت بعمليات الارهاب فاختطفت تحت راياتها الطائرات والبواخر وفجرت المطارات والسفارات ثم احرقت عمان وبيروت تباعا مما تسبب في خسارة القضية الفلسطينية لتعاطف شعوب العالم ومن ضمنها الشعوب العربية ونتج عن ذلك تراجعها في وقت حلت فيه القضايا المماثلة في الجزائر وروديسيا الشمالية وجنوب أفريقيا..إلخ.
وكان الأكثر تشددا في تلك الحقبة هو المدعو «أبونضال» الذي كتب عنه باتريك سيل كتابه الشهير «بندقية للايجار» كشف فيه ان «أبونضال» كان عميلا للموساد، وانه اختص بقتل أعداء إسرائيل من المعتدلين، لا المتشددين كونهم الأكثر ضررا عليها، وفي عدد مجلة الوسط اللندنية الصادر في 2/9/2001 خبران على الغلاف الأول اعترافات جمال أبوزيد قاتل عصام السرطاوي قال ضمنها إن أوامر أبونضال له في 6/4/83 في بغداد هي أن يقتل السرطاوي ولا يمس شمعون بيريز المجتمع به، والغريب ان الخبر الآخر على الغلاف فيه صورة بن لادن وما نصه «توقعات السي آي إيه في تقرير سري، بن لادن سيضرب أميركا».
وتلا تلك الحقبة في الثمانينيات تشدد القيادة الثورية في إيران وإيمانها بمبدأ تصدير الثورة ورفضها وقف إطلاق النار والامتثال لقرارات الأمم المتحدة، مما دفع العالم للاصطفاف خلف الطاغية المعتدي صدام حسين وضياع مئات المليارات من الدولارات والملايين من القتلى والجرحى، وفي التسعينيات تسبب تشدد صدام في فشل المفاوضات واحتلاله للكويت وضياع الأرواح والأموال، ثم بدأت مرحلة المتشدد بن لادن التي تسببت في الدمار والحروب وكراهية العالم لنا ثم لحقه قاطع الرقاب الزرقاوي الذي قسم العراق واستباح الدماء المسلمة البريئة.
آخر محطة:
(1) الخلاصة: ليس الأكثر تشددا في الموقف والأعلى نبرة في الصوت هو الأكثر خدمة للقضية الفلسطينية بل العكس، فلو سلمت القضية منذ عام 1917 للمعتدلين لكنا ننعم بالسلام منذ عقود ولكانت منطقتنا الأكثر رفاها وثراء في العالم.
(2) أنصح الصديق «المتشدد» محمد العوضي بأن يتوخى الحرص الشديد فيما سيكتبه عنا.