ورد في «القبس» الجمعة الماضية، على لسان الزميل احمد العنزي، ان اتحاد طلبة ومتدربي الهيئة العامة للتعليم التطبيقي، الذي يناهز عدد الطلبة فيه الاربعين الفا، عقد جمعية عمومية، بحضور خمسين طالبا وطالبة من اتجاه معين، لمناقشة تعديل لائحة النظام الاساسي، والمقترح من رئيس الاتحاد عبدالعزيز المطيري، الذي تضمن تعديلات خطيرة يمكن ان تؤثر في مسيرة الاتحاد الى الابد، ولمصلحة اتجاه ديني محدد، إن وافق عليها مدير الهيئة، ولم يكن مستغربا ان التعديل حصل على موافقة الحضور، والزميل العنزي لم يتطرق الى هذه الامور السياسية وكانت تغطيته سطحية وباهتة.
وعلى الرغم من رعاية «نخبة الطلبة» للاجتماع بحضور ممثلين عن عمادة النشاط والرعاية الطلابية له وكاتب الخبر، فان اياً من هؤلاء لم يعترض، او يستنكر، الطريقة البدائية والمتخلفة التي تم بها الاجتماع بفصل الذكور «المفترسين» عن الاناث «الطرائد»، بسواتر من القماش الابيض، علماً بأن غالبية الطالبات كن «منقبات، والبقية محجبات، وتغطي العباءات السوداء اجسادهن جميعا»!!
لسنا هنا في معرض مناقشة قانون منع الاختلاط، الذي يمكن القفز فوقه بسهولة بسبب عبثيته الواضحة، فمن الواضح ان الطلاب «الذكور» مجبرون على الذهاب للجانب الآخر من الساتر القماشي لتوزيع النشرات والاوراق على الطالبات والتحدث معهن، كما كان الجميع يجلس امام منصة تحتلها مجموعة من الطلاب الذكور، وعند انتهاء الاجتماع خرج الجميع من باب واحد، فكان صعبا منع تلاقي العيون وتلامس الاكتاف، ولكن من الواضح ان طرفا ما كان يخاف من وجود الطرف الآخر، وكأن قطعة القماش تلك ستمنع تعرض احدهم للافتراس من الآخر!!
ولو علمنا أن المجموعات المشاركة في الانشطة الطلابية هم عادة ما يكونون الانشط نقابيا وسياسيا بعد تخرجهم، لكان لنا تصور ما سيكون عليه مستقبل الكويت البشري والانساني، على ضوء نظرة «النجاسة» التي ينظر بها طرف للطرف الآخر، وما يعتقده بخطورته على خلقه وعقله وتصرفه، بحيث يتطلب الامر ليس فقط تغطيته بحجاب مانع، بل وبوضعه خلف حجاب حاجز!!
من ينظر الى الصورة التي التقطت للطلاب على اليمين والطالبات على اليسار والقماش الابيض يفصل بينهم، ومن دون العلم بحيثيات قانون منع الاختلاط سيشعر بمدى تناقضنا، وكم نحن «هيبوكرت»، ومراؤون ومتلونون في مواقفنا وتصرفاتنا!! فكيف يمكن ان تمنع قطعة قماش طرفا ما من التفكير في ما هو موجود على طرفه الآخر؟ وكيف يمكن ان نربي جيلا سليم العقل ونحن نحرص على زرع «غريزة» الخوف فيه من الطرف الآخر؟ ولماذا تختفي هذه المحظورات بمجرد خروج الطالب نفسه او الطالبة من شرنقة الكويت الى رحاب العالم الكبير، ويبدأ الاختلاط في المطار والطائرة وشوارع الدول التي تم السفر اليها وفي وسائل نقلها الجماعية ومطاعمها ودور لهوها وتجمعاتها؟
كيف يمكن ان نصدق ان وجود الفتى والفتاة في الكويت بالذات في قاعة محاضرة او ندوة او قاعة عامة يؤدي لارتكاب المحرمات، ووجودها مع الغريب في الطائرة والمركبة والمطعم مع آخرين لا يمتون لها بصلة حلال ومسموح به؟ لماذا تصبح المحظورات حلالا مع الغريب، وحراما مع القريب؟
آلاف الاسئلة التي يمكن طرحها، والتي لن نستمع لاجابة واحدة عنها، لان السلطة الممثلة بالحكومة راضية عن مسار التخلف الذي نحن فيه سائرون من دون حساب لما سينتج عن كل ذلك من مخاطر نفسية وجنسية.
وفي محاولة لنقل تطبيقات قانون منع الاختلاط من الجامعة ومدرجات وصالات المعاهد التطبيقية، الى الشارع العام، قام عدد من نواب التخلف والانحدار بالاحتجاج لدى ادارة الجامعة على قيام «رابطة العلوم الادارية» وهي من روابط الجامعات القليلة التي بقيت لسنوات ثلاث خارج سيطرة السلف والاخوان المستحوذين على كل نشاط، كما قام هؤلاء النواب بالاحتجاج على قيام الرابطة باقامة نشاط اجتماعي تمثل في يوم مفتوح لطلاب وطالبات العلوم الادارية واسرهم في.. ساحة العلم، وعلى بعد اكثر من 10 كيلومترات من اقرب مبنى جامعي! وقد شكلت التربية والتعليم العالي لجنة للتحقيق في «جريمة» اختلاط طلاب وطالبات كلية العلوم الادارية بعضهم بالبعض ومع امهاتهم وآبائهم، ويقال ان رئاسة لجنة التحقيق منحت لمدرس في كلية الشريعة (!!)، ولكم تصور نتيجة التحقيق في ظل مثل هذا النوع من اللجان «المحايدة»!
نعم لقد بدأ الضياع يوم ضاعت الهيبة وفتح المجال لتلاعب جهلة بنا يمنة ويسرة وكأن لا عقل لنا ولا ضمير ولا احساس بمسؤوليتنا كآباء وأمهات!
أحمد الصراف