سامي النصف

لا لمحاولة تخريب القمة الاقتصادية

نعلم ويعلم الجميع ان الطريق الى جهنم يمر بطريق مليء بأصحاب النوايا الحسنة، ونعلم ويعلم الجميع ان أعداء الأمة هم أسعد الناس بانشغال الشعوب والقادة العرب بالهموم السياسية التي لا تنتهي والتي كلما أطفأنا نارا منها اشتعلت بفعل فاعل نار أخرى.

لقد أتت فكرة القمة الاقتصادية والاجتماعية والتنموية العربية بمثابة ضخ كم هائل من الأوكسجين الصحي للرئة العربية التي كادت تتوقف بسبب مزايدات المزايدين وزعيق الصارخين وألعاب المشاغبين طوال العقود الماضية، وقد بدأت هذه الأيام جولة جديدة من التدمير عبر محاولة بث الدخان الكثيف على أعمال قمة الكويت الاقتصادية بحجة ما يحدث في قطاع غزة من مآس وكوارث.

وأول تساؤل يطرحه المواطن العربي هو ما ستفعله قمة سياسية عربية جديدة تجاه تلك الأحداث المتكررة عدا إضاعة الأوقات في بيانات الشجب والتنديد المعتادة، وتساؤل آخر يطرحه نفس ذلك العربي البسيط عن السبب في عدم مشورة الفاعلين لإخوتهم العرب في القرارات الجسام التي يتخذونها ومدى عدالة تحميل العرب بعد ذلك نتائج تلك الأفعال التي لم يُسألوا عنها؟!

وما يزيد الطين بلة ان العرب ـ لا غيرهم ـ هم من سيدفع الكلفة المليارية للخراب والدمار الناتج عن الكارثة والمأساة القائمة، وستخصم تلك المليارات من مشاريع التنمية العربية وتذهب لمعادلات صفرية عبثية، أي إعمار ما كان قائما ثم دمر بسبب قرارات انفعالية تهدف لخدمة أغراض لم تعد خافية على أحد.

ولتقريب ما نقول لذهن المواطن الكويتي والعربي نتساءل: هل كان سيوافق أحد فيما لو قررت احدى فصائل المقاومة الكويتية بعد تحريرنا عام 91 اتخاذ قرار منفرد بالتحرش بالنظام الصدامي آنذاك عبر إطلاق الصواريخ عليه أو خطف أحد جنوده بحجة وجود أسرى كويتيين لديه.. الخ، ومن ثم السماح له بالدخول للكويت مرة أخرى وقتل الآلاف وهدم المباني والمنشآت؟!

ثم هل يجوز ضمن ذلك السيناريو البكاء والتشكي ولوم الشعوب العربية الأخرى وقادتها على تقصيرهم في إنقاذنا من الأوضاع التي وضعنا أنفسنا فيها عبر تحرشنا بقوة لا طاقة لنا بها؟! ولن أسأل تحديدا عن رد فعل هذه الدول أو ذاك القطاع وما سيقوله منظروهم ومفكروهم وإعلاميوهم على الفضائيات العربية في حقنا، فتلك أمور جربناها وخبرناها جيدا من قبل عندما حملت الضحية لا الجاني مسؤولية الغزو.

آخر محطة:
الفارق بين قمم المآسي السياسية الطارئة المعتادة وقمم التنمية الاقتصادية المخطط لها جيدا، كقمة الكويت، ان الأولى تبدأ بقضية كبيرة ساخنة تصغر وتختفي دون أثر بعد أشهر قليلة، والثانية تبدأ بمشاريع استراتيجية تكبر مع كل يوم يمر إلى ما لا نهاية وتشعر بفوائدها الشعوب العربية.

احمد الصراف

نقاط طنوس السبع

انا “ادمون طنوس” فلسطيني، ولست بمواطن، فلا وطن لي. قضيت حياتي في مدينة البيرة بالضفة الغربية، ولم اغادرها قط. عشت النكبة طفلا وعاصرت الاضرابات والتظاهرات والقتل والتشريد والتشرذم شابا، وذقت، على الرغم من خلفيتي العائلية والمالية الرفيعة، كل صنوف الذل والتشرد رجلا، وكان العذاب النفسي والعقلي رفيقي طوال سنوات حياتي، وكل ذلك لانني اخترت ان اكون فلسطينيا، وان ابقى قريبا من الارض التي ولدت عليها واحببتها، متواجدا ضمن عائلتي ووسط بياراتي وزيتوناتي لأستمر ملتصقا بالارض التي امتصت انفاس ابي وتساقط عليها عرق جدي وضمت رفات من كان قبلهم من اهلي.
والآن دعوني احدد بعض الامور، او المسلمات التالية، التي تبدو كحقائق، بالنسبة إليّ:
اولا: ليس هناك من بامكانه انتزاع حقي في ان يكون لي، او لاحفادي، يوما ما، وطن سيد حر مستقل فيما يسمى الآن ب‍”ارتز” اسرائيل والضفة والقطاع، مهما طال الزمن.
ثانيا: هذا الحق لا يمكن ان يظهر للوجود بالسرعة المناسبة طالما كانت البندقية الفلسطينية تنتقل من كتف لآخر، وطالما تقاسم “الابوات”، وتقاتلوا على من له الحق التحدث نيابة عني.
ثالثا: صراعي مع اسرائيل صراع ثقافي وجغرافي وسياسي، ويجب ان يستمر هكذا، ولا يجب ان يختزل بكونه صراعا دينيا، فهذا سوف يطيل الصراع الى الابد، ولن ينتهي الا بفناء احد طرفيه، وهذا ما لا يمكن السماح بحدوثه، انسانيا وسياسيا، على الاقل في المدى المنظور.
رابعا: طلب العون من الدول العربية عبث لا طائل منه، فهذه الدول اعجز من ان تساعد نفسها، فكم المشاكل الاقتصادية والامنية والسكانية وغيرها الكثير التي تواجه كل دولة منها يجعلها اعجز من ان يكون بامكانها تقديم العون لغيرها، غير فتح الحناجر ورفع القنادر.
خامسا: لا يمكن لاي طرف ان ينكر علي انا المسيحي ابن الناصرة ويافا وحيفا وبيت لحم، ان ينكر على فلسطينيتي، او يقلل من تضحياتي طوال اكثر من سبعين عاما من النضال المستمر.
فكما كنت مرافقا للمسيح يوم ولد، ويوم صلب ويوم بعث، فانني سأبقى ابن هذا الوطن الذي على ترابه سار المصلوب ومئات غيره من العمالقة الافذاذ.
سادسا: ليس من السهل اقناع اي عاقل بالتنازل عن حريته في الحركة والقول والتصرف والتفكير مقابل كومة حجر او جواز او ارض وطن، فالوطن، اي وطن، لا يساوي شيئا في ظل القمع والظلم والقهر. ومن العبث القبول باستبدال قمع اسرائيل العسكري بقمع ديني اسلامي متشدد متوقع في حال سيطرت “حماس” على القرار الفلسطيني! فمنطلقات حماس في رفض اسرائيل لا تختلف كثيرا عن منطلقاتها في رفضي، انا المسيحي وغيري من اليساريين وحتى المسلمين غير المتدينين، وبالتالي لا يمكن ان نصبح مواطنين كاملي الحقوق تحت حكم حماس او غيرها من الحركات الدينية المتطرفة.
سابعا، واخيرا: يجب الفصل بشكل تام بين حماس، كحركة دينية عسكرية تؤمن بفناء دولة اسرائيل، وبين بقية ممثلي القضية الفلسطينية الذين يطالبون بحق العودة وحق التعويض حق تقرير المصير والحق في وطن حر مستقل وايضا.. وحق اسرائيل في الوجود.
ومن هذا المنطلق أكاد اجزم بان ما يحدث في غزة الآن من قتل وتشريد لا يمكن ان يقبله صاحب الضمير الحي، ولكن الامر قد يكون على خلاف ذلك عند التابعين والمؤمنين بايديولوجية حماس الدينية، فمن خطط ومن نفذ احداث الحادي عشر من سبتمبر في اميركا، التي كادت ان تودي بحياة الرئيس الاميركي ونائبه، وتنجح في نسف البيت الابيض والكابيتول والبنتاغون، كانوا على علم تام بأن رد فعل اميركا كان سيكون مرعبا لو نجحت الخطة كاملة، ومع هذا لم يثنهم سيناريو رد الفعل عن القيام بما نووا عليه من تدمير لكل من مراكز النبض في اميركا، سياسيا وتشريعا وماليا من دون خوف او وجل بسبب الهوس الديني الذي سيطر، ولا يزال، على عقولهم وتفكيرهم المهترئ، من هذا المنطلق يمكن القول ان قادة حماس لم ولن تثنيهم مصائب غزة وقتلاها وجرحاها والخسائر المادية الهائلة عن السعي في تنفيذ خطتهم الى النهاية الدموية المتوقعة، فباعتقاد اولئك القادة ان الجنة مآل القتلى، وان النصر آت لا ريب فيه، ولو نتج عنه فناء نصف الفلسطينيين.
وعليه، انا الفلسطيني المسيحي، وواحد من شريحة كبيرة من الشعب الفلسطيني، التي تتضمن مختلف الاطياف الدينية والعقائدية السياسية، ارفض توجهات حماس وتطلعاتها بقدر ما ارفض وحشية اسرائيل وافعالها، وما سينال الفلسطينيين من اذى وقمع وهوان، لو انتصرت حماس وحكمت وتحكمت في رقابنا، سوف لن يقل، باعتقادي، عما ينالنا الان، في ظل الاحتلال الاسرائيلي من قمع وهوان، ان لم يكن اكثر.
اكتب وانا اعرف باني لست منظرا ولا اكاديميا مطلعا ولا سياسيا محنكا او خطيبا مفوها، فما انا الا فلسطيني عادي لا يريد غير وطن مع كرامة وانتماء مع امن وهوية مع مستقبل، ولا شيء غير ذلك، ولكن الاحقاد التي تملأ النفوس والافكار المتطرفة التي عششت في العقول والايديولوجيات التي غزت النفوس جعلت من التوصل لحل عادل ومقبول ومنطقي امرا غاية في الصعوبة، خاصة ان لا جهة تمتلك منفردة حق التحدث باسم جميع الفلسطينيين.. حتى الآن!
***
ملاحظة: “ادمون طنوس” شخصية وهمية لا وجود لها.

أحمد الصراف