الناس تستغرب، كيف تمشي الدولة والشيخ ناصر المحمد يرأس الحكومة؟ وأهل الفيزياء يجيبون: كل شيء على قمة دحديرة سيتزحلق لوحده إلى أن يرتطم بالقاع. و«على طعم هالسالفة»، تذكرت متدينا طيب قلب زارنا في مزرعة صديق ليحدثنا عن الانحلال الخلقي في أوروبا وأميركا، وكيف أن الانحلال الخلقي هذا يقود المجتمعات إلى التفكك، والدول إلى السقوط. فعلقت على كلامه مؤيدا ومطرقاً بخشوع: صحيح، الأميركان المنحلون خلقيا سقطوا من قمة الأرض إلى قاع القمر، عليهم لعنة الله والملائكة وخلف دميثير. متابعة قراءة «احتشمي يا مَرَة»
اليوم: 13 يناير، 2009
تأملات في كيفية تشكيل الحكومة
مع خروج التشكيل الحكومي الجديد للعلن نرجو أن تتوقف ردات الفعل السالبة المستعجلة والمضادة، فحتى الانبياء والرسل اختلف عليهم الناس وما نراه من اسماء هي في النهاية لنساء ورجال من ابناء الكويت علينا كنواب وكتاب ومواطنين اعطاؤهم الفرصة كاملة للعمل والابداع في خدمة الوطن وألا نشغلهم و«ندودهم» بالازمات السياسية المتلاحقة ثم نتساءل بعد ذلك وبكل سذاجة: أين انتاجيتهم؟!
عدد سكان الولايات المتحدة 300 مليون وعدد سكان الكويت مليون، ومساحة الولايات المتحدة 10 ملايين كم2، ومساحة الكويت 17 الف كم2 ومع ذلك تم تشكيل الادارة (الحكومة) الاميركية بأسرع من تشكيل الحكومة الكويتية، وأرى أن هناك أسبابا عدة لمثل تلك المفارقة ليس منها اشكالية القبول والرفض كونها موجودة لدى الطرفين.
الفارق الحقيقي هو ان عملية تشكيل الحكومة لدينا «تبدأ» مع انتهاء الانتخابات أو مع اعادة التشكيل بينما «تنتهي» عملية تشكيل الادارة الاميركية هناك مع ظهور النتائج، حيث ان بداية عملية الاختيار تكون قائمة وبشكل متواصل قبل سنوات من ظهور النتائج، وهو ما جعل الرئيس أوباما يشكل ادارته في زمن قياسي بالقصر.
ان علينا خلق مستودعات حكومات بديلة يتم تخزينها بالكمبيوترات بعد فحص السير الذاتية وارسال الكشافين وعمل المقابلات الشخصية لمعرفة الرغبة في المشاركة من عدمها، وهل ما يمنع ظروف طارئة أم مؤقتة وغيرها من امور تحتاج الى ايضاح ويمكن الرجوع لما تم تخزينه عند الحاجة لملء المراكز القيادية في الوزارات أو المؤسسات والشركات الحكومية، أمر كهذا لو طبق وتم تجديده تباعا لجعل تشكيل الحكومات أو استبدال الوزراء عند استقالتهم قضية سهلة وبسيطة وقائمة على نظام مؤسسي وعلمي لا على التزكيات الفردية التي تتدخل بها أمور كثيرة لا علاقة لها بالاهلية والقدرة على الخدمة العامة.
ومع كل حدث أو اشكال سياسي يطرأ، يتم البحث في نصوص الدستور عن حل لذلك الاشكال، والحقيقة ان دساتير العالم أجمع لا تستطيع أن تغطي كل الحالات والاحتمالات في كل الاوقات، بل تخلق الدساتير الخطوط العريضة والمفاهيم العامة للعقول النيرة والضمائر الحية، وتترك مجالا واسعا لإبداء حسن النوايا بين السلطتين وتسامح بعضهما مع البعض بدلا من التنابز بالمواد الدستورية أو التسابق للمحكمة الدستورية.
آخر محطة:
التهنئة القلبية للوزيرين الجديدين، العزيز بوعزيز روضان الروضان وزير الصحة، والوزير الفاضل نبيل بن سلامة الذي نرجو ان يهتم بسلامة الطيران بعد ان انحدرت لمستويات خطرة وغير مسبوقة، والاثنان مؤتمنان على الارواح، وهي أغلى ما يملكه الانسان.
عذرا أيها الهايف
يقول المثل المصري: “الرصاصة اللي ما تصيبش.. تدوش”!
* * *
مرت قبل أيام حادثه خطيرة ولكنها لم تنل التغطية الإعلامية الكافية، وكانت “القبس” من الجهات القليلة التي تطرقت إلى الموضوع. فبعد أيام من قيام البذالي، وجماعة الشر المثالي، بالإعلان عن تأسيس جماعة الأمر بالمعروف، واستدعاء النيابة له للتحقيق، ومن ثم الإفراج عنه بكل رضا وحنان، قام شاب متحمس دينيا بالتصدي لمجموعة من الفتيات أمام “المعهد التجاري”، ما غيره، وتعدى بالقول على غير المتحجبات منهن، وهددهن بالضرب بالخيزرانة، أو العصا التي كان يحملها وإتلاف سيارات السافرات منهن إن بقين على “عريهن”، من وجهة نظره! وعندما تم استدعاء رجال الأمن فر الشاب بسيارته لا يلوي، او يلوي على شيء بعد أن بلغ رسالته بوضوح تام، فلا شك ان غير المحجبات من الطالبات سيفكرن كثيرا قبل القدوم إلى لمدرسة في اليوم التالي وهن غير محجبات، وقلة فقط ستقبل التحدي والتصدي، وهنا تحقق المثل المصري: “الرصاصة إللي ما تصيبش… تدوش”!
تكرار هذه الأفعال الإجرامية من هؤلاء الجناة وتكرار عمليات القبض عليهم وإطلاق سراحهم، بعد اخذ تعهدات خطية منهم بعدم العودة إلى ارتكاب الفعل، وتدخل النواب للتوسط لهم، حلقة جهنمية ندور فيها منذ سنوات وكأن ليست لها نهاية، فهناك دائما شاب جديد متحمس، وهناك دائما نائب منتخب جديد، وهناك دائما وزير داخلية جديد على استعداد لنسيان أو تجاهل أحداث الماضي والبدء من جديد وقبول الاسترحام وتصديق مقولة “إنها احداث فردية” وقبول نظرية “انها ظاهرة معزولة”، وان مرتكبي هذه “الأفعال” ما هم إلا شباب طائش، وان اليوم الذي سيعقلون فيه آت آت لا محالة!
نقول ان تكرار وقوع مثل هذه التعديات غير الأخلاقية والمتعارضة بشدة مع كل النصوص الدستورية والإنسانية تعني أن السلطة، أو الحكومة، راضية بما يجري، وقد تكون المحرضة في أحيان كثيرة عليها، وليس بالضرورة بصورة مباشرة.
فالإخفاقات المتتالية منذ اكثر من اربعين عاما في مجال الحريات بشكل خاص، وحقوق الانسان بشكل عام، ليست وليدة المصادفة، بل يبدو وكأن الأمر مخطط له من جهات متنفذة ترى ان من مصلحتها ابقاء الدفق الديني المتطرف بكامل زخمه، وعدم عرقلته إلا بما يوحي بوجود سلطة ما، ومن ثم السماح له بمعاودة النشاط بالقوة نفسها. فالأحزاب الدينية، المعارضة التاريخية والصلبة للمواثيق الدولية المتعلقة بــ”حقوق الإنسان”، كانت تنام في أحضان السلطة منذ تواجدت في البلاد قبل 60 عاما تقريبا على يد عصبة من الاخوان المسلمين المصريين!
وقبول السلطة السياسية ذاتها بوقوع مناهج المدارس الحكومية تحت رحمة كبار موظفي الوزارة من المنتمين للأحزاب الدينية ليس وليد الساعة واليوم، بل هو وضع ساد في الخمسة والثلاثين عاما الماضية من دون انقطاع، ولم تكن الفترة التي تسلم ــ فيها المرحوم ــ احمد الربعي أمور وزارة التربية ذات أهمية، بسبب الحصانة التي كان كبار موظفي “المقررات” يتمتعون بها، هذا مع الافتراض انه كان يرغب في إحداث تغيير ما في المناهج! كما ان اختفاء مظاهر الفرح، من موسيقى ورقص فتيات لا تتجاوز أعمار أكبرهن عشر سنوات، من حفلات المدارس بصورة مفاجئة لم يكن وليد المصادفة، بل تم برضا السلطة وهي في تمام وعيها وكامل رضاها.
وهجمة الشخصيات والبرامج الدينية على وسائل الإعلام الرسمية واكتساحها غالبية ساعات البثين الإذاعي والتلفزيوني لم يحدثا بفعل ساحر او فرد، بل بقبول تام ممن كان الأمر، ولا يزال، في أيديهم.
وقبول السلطة السياسية بأن ينتهك النائب والمواطن المحتمي بالنائب، ابسط مظاهر الدولة الحديثة ورموزها المتمثلة بعلم البلاد والسلام الوطني والمناسبات الوطنية، لم يكن من فعل مجهول أو حدثا معزولا، بل كان عن سابق تصور وتصميم من هؤلاء وبمساندة خفية من الحكومة.
والقبول بجر الحياة المدنية، بعد أكثر من 250 عاما من التطور الطبيعي لأعراف الصحراء، بكل ما يمثله ذلك من تخلف، كل ذلك ما هو إلا دليل على قبول السلطة بهذا الانجرار، فتأسيس هيئة دائمة للنظر في اسلمة القوانين ــ وهو ما يتعارض مع الدستور نصا وروحــا ــ لم يكن بضغط نيابي او خارجي، بل بوحي من السلطة الحكومية وبرضاها ومباركتها التامة.
إن هذا يشي ويوحي ويؤكد أن هناك من يرغب في وأد الحياة المدنية والقضاء على براعم الحضارة التي بدأت بالتفتح قبل سنوات، لكي يخلو لها الجو لتفعل ما تريد.
* * *
ملاحظة: عنوان المقال لا يقصد به شخص أو طرف محدد، بل التسمية رمزية وعامة وتخص كل متكسب بالدين.
أحمد الصراف