علي محمود خاجه

يبيلها عجب

لقد بات سمو الرئيس للأسف يتراجع مع أقل همسة من نوّاب المجلس سواء كانت الهمسة صادرة من أخطر مهاجمي المجلس أو من أضعفهم.

وأنا هنا لست بصدد الدفاع عن تلك الشراكة المنفضّة، فهي أمر تقني لست من أهل الاختصاص فيه لا من قريب ولا من بعيد، ولكني ضد مبدأ الانسحاب الدائم والتراجع الذي عوّدنا عليه سمو رئيس الوزراء ناصر المحمد، وهو ما لا يمكن تفسيره سوى أنه ضعف حاد في القدرات الإدارية الفاعلة لديه… هذا الضعف الذي أراه، أعزوه إلى إصرار «بوصباح» على اتخاذ الموقف المدافع دائما وهو غير ناجح فيه أبداً.

في الأمس القريب عارضت لجنة الشؤون التشريعية والقانونية في مجلس الأمة رفع الحصانة عن بعض النوّاب المتهمين بإجراء انتخابات فرعية غير قانونية أوصلتهم إلى المقعد الأخضر عن طريق التلاعب برأي الأمة!!

هذه المعارضة من قبل اللجنة لا يمكن وصفها إلا بالسوء الشديد في ممارسة الحق القانوني والتشريعي لدى المعارضين لرفع الحصانة من أعضاء اللجنة، بل إنه لا يمكن وصفها إلا بمعيقة، بحد ذاتها، لسير القانون.

قد تكون المصفاة الرابعة مصيبة حكومية، وقد تكون الشراكة مع «داو» كذلك، وقد يكون تجنيس البعض أيضا خطأ حكومياً، لكن أن ترفض لجنة معنية بحماية الدستور والدفاع عن تطبيقه رفع الحصانة عن بعض النواب للتحقيق في كيفية وصولهم إلى المجلس والنيابة عن الأمة فهي كارثة يجب ألا تمر لساعة واحدة وليس لأيام كما هو الحاصل.

إن الحكومة باعتقادي ينقصها ما كان ينقص منتخب الكويت قبل سنوات، وهو مهاجم فذ كأحمد عجب، حتى إن لم يسجل الأهداف، فوجوده يكفي لإرعاب الخصوم والمنافسين، فهو يهاجم من أجل انتصاره بلا هوادة، والحكومة اليوم تحتاج إلى الهجوم بلا تردد على ممارسة برلمانية كتلك التي صدرت من أغلبية أعضاء لجنة الشؤون التشريعية والبرلمانية، لتكشف للشعب من يعرقل الأعمال ومن يدافع عن المتهمين بتغييب إرادة الأمة.

ضمن نطاق التغطية:

كنت أنتظر غضبة من صالح الملا ومسلم البراك وأحمد السعدون وغيرهم من أصوات نعتقد أنها عارضت الشراكة مع الـ«داو» عن قناعة، لتعارض تلك الممارسة البرلمانية السيئة الذكر من لجنة الشؤون التشريعية، ولكن للأسف لم أسمع شيئا إلى اليوم، على الرغم من أن الحدث مر عليه أسبوع تقريباً.

سامي النصف

الانتصار القادم من غزة

أحد أسباب هزيمتنا في حرب 48 هو سياسة المفتي المتشدد أمين الحسيني التي ضخمت ما جرى في دير ياسين وكفر قاسم ونشرته إعلاميا مما تسبب في رعب السكان وهجرتهم لأرضهم وقراهم وقد رحب المفتي ـ سامحه الله ـ بتلك الهجرة بحجة انها ستسهل من عمل الجيوش العربية، كما انها ستتيح المجال لتدريب الأهالي في أراضي الشتات حتى يمكن لهم العودة المظفرة السريعة، وقد أثبت التاريخ مدى خطأ تلك السياسة الانفعالية غير الحكيمة، حيث لم يعد أحد، وظهرت بسببها مشكلة اللاجئين الفلسطينيين، بينما لم تكن هناك مشاكل لاجئين في قضايا الاستيطان والاحتلال المشابهة في الجزائر وجنوب أفريقيا وروديسيا.. إلخ.

ومع قدوم عصر الثوريات العربية بدأ فصل جديد من تزييف الوعي وإخفاء الحقائق وتمت احالة الهزائم النكراء الى انتصارات باهرة، فحرب 56 التي احتلت خلالها سيناء ومدن القناة ودمرت الأسلحة التشيكية الجديدة من دبابات وطائرات على الأرض وقتل خلالها الآلاف وفتحت بسببها مضايق تيران لاسرائيل دون ضرر حقيقي على الغزاة، تحولت الى انتصار كبير بفضل خطاب «حنحارب» التي قيلت ضمنه دون ان ينتبه احد وسط الصراخ والتصفيق والتهليل الى ان الأوامر صدرت للجيش بالانسحاب من سيناء وتسليمها دون حرب لإسرائيل، وزاد من روعة الانتصار واقناع الناس به تأليف العشرات من الأغاني الوطنية الحماسية مثل «الله أكبر» و«اليوم اليوم النصر»، وغيرها من أناشيد وخطب قلبت الحقائق المرّة الى أكاذيب سعيدة.

وفي عام 67 اعتبر ان عدم نجاح اسرائيل في إسقاط الأنظمة الثورية هو انتصار باهر بذاته (ومن قال انها حقا تريد اسقاطها؟) كما خلقت في حصار بيروت وتدميرها عام 82 معادلة «جديدة» للنصر مازالت باقية وهي احتساب الفترة المنقضية بين اطلاق أول رصاصة اسرائيلية واطلاق آخر رصاصة وكذلك بين دخول أول جندي اسرائيلي لأراضينا وخروج آخر جندي، انتصارا بذاتها أي كلما طالت كبر الانتصار خاصة عند المقارنة بحرب الأيام الستة عام 67.. وبالطبع لم تخلق أمة من أمم الأرض الأخرى مثل هذا التعريف الجديد لانتصاراتها خاصة انه كلما طالت الفترة بين اطلاق اسرائيل اول رصاصة واطلاقها آخرها عنى هذا الأمر ان هناك المزيد من الدمار والمزيد من القتلى، والمزيد من الخسائر المالية والمزيد من الجرحى والمشوهين والمعاقين في صفوفنا لا في صفوفهم مادامت الحرب تقوم على ارضنا لا على ارضهم وما يدمر هو بنياننا لا بنيانهم، لذا فهزيمة الأيام الستة في حقيقة الأمر هي اقل ضررا على امتنا من انتصار حصار الستين يوما لأبي عمار في بيروت.

لقد بدأت الحرب الحالية في غزة دون ان يشاور أحد العرب والمسلمين في بدئها مما يطرح تساؤلا محقا هو: هل توقع من قام بهذا الأمر الرد الإسرائيلي المدمر الذي يدمي القلوب الذي نراه، ان كانت الإجابة بـ «لا» كما اتى على لسان بعض المسؤولين فتلك مصيبة، وان كانت الإجابة بـ «نعم» وان هذا الرد كان متوقعا دون الاستعداد له فتلك كارثة.

اننا نفهم لماذا لا يلتزم العدوان الاسرائيلي هذه الأيام بقرارات وقف اطلاق النار مادام يقتل ويدمر موارد عدوه مقابل خسائر لا تذكر في صفوفه ومقابل ردات فعل انفعالية «مؤقتة» يتكفل الزمن بتجاوزها سريعا كحال المظاهرات والمقالات النارية وطلب تجميد العلاقات.. الخ، إلا اننا لا نفهم سبب رفض الاخوة في «حماس» مثل ذلك الطلب الذي يحقن الدماء ويوقف العدوان، نرجو ألا يكون السبب هو رغبة البعض في تحقيق الانتصار هذه المرة من غزة ـ حسب التعريف الجديد للانتصار ـ عبر محاولة إطالة الفترة الممتدة بين اطلاق أول رصاصة إسرائيلية واطلاق آخر رصاصة، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

آخر محطة:
على ذكر دير ياسين، تسمح القوات الإسرائيلية هذه الأيام لوسائل الإعلام العربية بالعمل بكل حرية لنقل صور فظائع الحرب التي تجري في القطاع، فهل من مذكّر؟