حب: عاد الرجل يوما من عمله متعبا ومتضايقا من امر ما ليجد ابنه البالغ ٥ سنوات ينتظره. سأل الصبي والده: هل لي ان اسألك؟ فقال الاب تفضل، فقال الابن: كم تكسب في الساعة الواحدة؟ فتضايق الاب من سؤال ابنه، وقال له: هذا ليس من اختصاصك، لماذا تسأل مثل هذه الأسئلة الشخصية؟ فقال الصبي بصوت منخفض: انني اسأل فقط، ارجوك يا ابي ان تخبرني، كم تكسب في الساعة الواحدة؟ فقال الاب، وقد بدا عليه نفاد الصبر، ان كان لا بد ان تعرف فإنني اكسب ٥٠ دولارا في الساعة الواحدة! فغر الصبي فاهه متعجبا وقال لابيه: هل يمكن ان تقرضني ٢٥ دولارا يا ابي؟ وهنا شعر الرجل بأن صبره قد نفد بالفعل فنهر ابنه قائلا: اذا كنت تريد من سؤالك معرفة ما اكسب فقط لكي تنتهز الفرصة، وتقترض مني لتشتري لعبة سخيفة او اشياء اخرى تافهة، فأنت اناني وانا لا احبك، وعليك الذهاب فورا الى غرفتك، فأنا لا اعمل بكل هذا الجهد لارضاء الطفولي من رغباتك غير ذات المعنى!
أحنى الصغير رأسه مصدوما، وتوجه الى غرفته بخطى متثاقلة، والحزن باد عليه واغلق الباب خلفه. بعد لحظات جلس والده يفكر في تصرف ابنه، وشعر بغضب اكثر لقلة ادب ابنه وانه لم يوفق في تربيته بشكل سليم، فما دخله بما اكسب في الساعة؟ وماذا يريد شراءه من سخيف الامور بالمبلغ الكبير الذي طلبه؟ ولكن بعد ساعة عاد الهدوء إلى نفسه واخذ يلوم نفسه لتصرفه الغاضب من ابنه، فلا بد ان الصبي كان في باله شيء مهم ليقدم على ذلك التصرف الاحمق، خصوصا انه لم يكن عادة يطلب المال منه بل من امه، وهنا قرر الذهاب الى غرفته لمراضاته والاطمئنان عليه.
جلس على طرف سرير ابنه وقال له: كنت افكر بك، لقد كنت قاسيا في ردي، فقد كنت مرهقا جدا من العمل عندما كلمتني، وهذا هو مبلغ ٢٥ دولارا الذي طلبته. فاعتدل الطفل في جلسته وتهللت اساريره وشكر والده معانقا، وقفز من فراشه وذهب الى درج في خزانة ملابسه وفتحه واخرج كومة من العملات المعدنية والورقية، التي ما ان رآها والده حتى شعر بغضب شديد يجتاحه، وهو يرى ابنه يعد النقود، وقال له بصوت عال: كيف تطلب مني مالا ولديك الكثير منه؟ فقال الطفل بفرح لم يكن يتسق والشرر الخارج من عيني ابيه: نعم يا ابي، لدي الكثير من المال، ولكن الآن املك ما يكفي منه. اصبح لدي الآن ٥٠ دولارا! فهل بإمكاني شراء ساعة من وقتك، وان تأتي غدا مبكرا، فأنا اتمنى تناول طعام العشاء معك، وهذه هي الخمسين دولارا ثمن ساعة من وقتك!
هنا شعر الاب بألم العتاب يعتصر قلبه، فقام من فوره واحاط ابنه بذراعيه وعانقه بحب شديد وهو يشهق بدموعه وطلب مغفرته(!).
إن هذه القصة ما هي الا تذكرة لنا جميعا، نحن الذين نعمل بجد كل يوم، لكي لا يتسرب الوقت من بين اصابعنا من دون ان نشعر، وننسى ان نمضي، ولو بعض الوقت مع من يعنون لنا الكثير. فلو متنا اليوم فإن الشركة التي نعمل لها او فيها، سوف تستبدل غيابنا بآخر في وقت قصير، وسيستمر العالم في دورانه، وسينسانا الجميع، الا الأهل والاصدقاء الذين تتركهم خلفك، فهؤلاء فقط سيشعرون بقيمتك وقدرك بما تبقى في حياتهم.
❊❊❊
مال: كان الخريف يوشك على بلوغ نهايته عندما توجهت مجموعة من مواطني اميركا الاصليين من الهنود الحمر الى رئيسهم ليستفسروا منه عن الشتاء المقبل ودرجة برودته، وحيث انه كان زعيما قبليا هنديا ويعيش في مجتمع عصري، فإنه لم يستطع اعطاء اتباعه اجابة غير دقيقة، فطلب منهم، من باب الحيطة والحذر، التزود بكم كاف من خشب التدفئة، لأن فصل الشتاء المقبل سيكون باردا.
وليكون الرئيس واثقا مما قاله لرجاله قام بعدها بأيام بالاتصال بالخدمة الوطنية للاحوال الجوية، لسؤالهم عن توقعاتهم عن طقس الشتاء المقبل، فقيل له أنه سيكون باردا حقا وهنا ذهب الرئيس واخبر اتباعه بأن الشتاء سيكون اكثر برودة مما كان يتصور وبأن عليهم الاستعداد له بخشب تدفئة اكثر.
عاود الرئيس الاتصال بعد اسبوع بمركز خدمة الاحوال الجوية وطرح السؤال نفسه فقيل له بأن فصل الشتاء المقبل سيكون باردا جدا، وأكثر مما كان متوقعا، فقام من فوره بالطلب من اتباعه بتخزين كميات اكبر من خشب التدفئة، ولو تطلب الامر جمع كل ما هو موجود منه في السوق. بعد اسبوعين اتصل مرة ثالثة بالخدمة وطرح السؤال نفسه وعندما اخبره المسؤول بأن الشتاء سيكون قاسيا بشكل غير طبيعي هذا العام، سأله عن سبب كل هذه الثقة، ولا يزال الشتاء بعيدا فقال له المسؤول: انا على يقين تام بأن الشتاء المقبل سيكون شديد البرودة الى درجة كبيرة فقد شاهدت بعيني كيف يجمع سكان البلاد الاصليين من الهنود الحمر الخشب من كل مكان بشكل جنوني! وهكذا عادة ما تعمل آلية البيع والشراء في السوق عند التكالب على سهم معين من دون سبب منطقي!
أحمد الصراف