محمد الوشيحي

على الغداء

بعدما علكنا كلمات الترحيب والتسهيل كلها، قال لي وهو يدحرج ابتسامة معلبة: «وبعدين معاك؟ وين تبي توصل بكتاباتك التي تكسر المجاديف؟»، فقلت وأنا أسحب نفسا عميقا من سيجارتي: «حدد قبل أن نغرق، مجاديف مَن طال عمرك؟»، فعدّل جلسته وتحدث بجدية مستوردة، أراد من خلالها بث الرعب في مساحات الصالة التي جمعتنا بطلب منه: «مجاديف الحكومة والشيوخ الوزراء، ومجاديف الكتل السياسية، ومجاديف كل من يمشي على هذه الأرض»، قلت وقد حبكت النكتة معي: «وأنتم لكم مجاديف مثلنا؟ يا عمي أنتم تمشون على البخار»، فقال وهو ينتزع كلماته من بين قهقهته: «صدقني نحن مثلكم بشر، مثلكم نروح الحمّام، هاهاها»، فانتزعت بدوري كلماتي من بين قهقهتي: «العامل المشترك بيننا وبينكم هو الحمام»، وعلت الضحكات… متابعة قراءة على الغداء

سامي النصف

هل ثار العرب على الدولة العثمانية؟!

عندما يختلف العرب فإن أول ما يضحون به هو الحقيقة، وهذا تماما هو ما تم في الخمسينيات ابان الصراع القومي ـ الإسلامي، حيث اتهم الاسلاميون القوميين بأنهم من ثار واسقط الدولة العثمانية رغم ان السلطان العثماني عبدالحميد الثاني هو من رفض بيع فلسطين لليهود، اي بمعنى تحميل القوميين ممن كانوا يرفعون شعار تحرير فلسطين آنذاك مسؤولية ضياعها.

كان العرب تاريخيا الأكثر اخلاصا للدولة العثمانية من باقي رعاياها وفي 27/4/1909 أفتى شيخ الإسلام التركي محمد ضياء الدين بجواز خلع السلطان عبدالحميد مما جعل جمعية الاتحاد والترقي الطورانية المسيطرة على مجلس الأعيان ترسل وفدا من اربعة اعضاء هم ايمانويل قراصو وآرام واسعد طوبطاني وعارف حكمت لإبلاغ السلطان قرار الخلع، والملاحظ ان الوفد تكون من ممثلين عن القوميات المكونة للدولة العثمانية ولم يكن بينهم عربي واحد.

قام الاتحاديون بعد ذلك (وقبل اتاتورك بسنوات) بتوجيه الدولة وجهة قومية تركية لا دينية واستهدفوا خلالها العرب بالاضطهاد والعنصرية والاحتقار وتم عزلهم من المناصب وكان آخر ذلك عزل وزير الاوقاف العربي واستبداله بتركي، واوقفوا العمل باللغة العربية وقد حاول بعض الزعماء والضباط العرب اواخر 1909 التوجه للاستانة وحل الاشكال الا انهم اهينوا من قبل بعض غلاة الاتحاديين امثال احمد اغايف ويوسف قسورة مما قضى على آمال المصالحة بين الترك والعرب.

وأنشأ الاتحاديون جمعية طورانية عظمى سموها «ترك اوجاغي» جعلت غايتها محو الإسلام وتتريك العناصر العثمانية وقد تفرع عنها عدة جمعيات منها «ترك يوردي» لتطهير اللغة التركية من الكلمات العربية، كما قررت نزع اسماء الصحابة من الجوامع كونهم عربا كما طعنوا من على المنابر في الخلفاء الراشدين وساهموا في نشر كتب الكفر والإلحاد في الدولة مما آذى شعور العرب المحافظين.

فما أن اعلنت الحرب الأولى في اغسطس 1914 حتى اصطف العرب، رغم ما جرى، خلف الاتحاديين الحاكمين في الاستانة وارسل جمال باشا السفاح (علي كيماوي عصره) الى بلاد العرب بعد تدبيره مذابح الأرمن في أضنة فنصب المشانق للأحرار وتسبب في مقتل مئات الآلاف من العرب عبر عمليات التهجير القسري والمجاعات التي اختلقها وقد اتهم العرب بالخيانة لتبرير التنكيل بهم بينما كشف البلاشفة بعد ثورة 1917 عن رسائل سرية ارسلها السفاح لقيصر روسيا يعد بها الحلفاء (الأعداء) بأن ينحاز لهم لقاء القبول به ملكا على الشام والعراق ولأبنائه من بعده، وليست بعد تلك الخيانة العظمى خيانة.

لذا قرر من نجا من مذابح السفاح التوجه للحجاز وإعلان الثورة من هناك تحت راية الشريف حسين ومما جاء في نص خطاب الشريف للاستقلال والانفصال عن حكومة الاتحاديين «ان صحيفة «الاجتهاد» الاتحادية وصفت سيرة النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بأنها شر سيرة (!) وان الحكومة الاتحادية ألغت قوله تعالى (للذكر مثل حظ الأنثيين) فساوت بينهما في الميراث، وانها امرت جنودها في المدينة ومكة والشام بإفطار رمضان للمساواة بينهم وبين المقاتلين على حدود الروس وفي ذلك هدم لأحد اركان الإسلام الخمسة» كما عدد جرائم الاتحاديين ببيع اراضي ودول الإسلام في البوسنة والهرسك لحكومة النمسا واراضي طرابلس الغرب وبرقة ومقدونيا وجزيرة كريت وجزر الارخبيل للإيطاليين.

آخر محطة:
قام الاتحاديون بعد يوم من خطاب الشريف حسين بإطلاق المدفعية على الكعبة المشرفة فوقعت احدى القذائف فوق الحجر الأسود والثانية تسببت في التهام النار لأستار البيت حيث هرع آلاف المسلمين لإطفاء لهيبه وهم ينتحبون، وسقطت القذيفة الثالثة على مقام ابراهيم گ فهل يجوز الترحم على ذلك الحكم الطوراني (لا العثماني) المتعصب وهل يلام العرب على الثورة عليه؟!

احمد الصراف

حب ومال (من الإنترنت)

حب: عاد الرجل يوما من عمله متعبا ومتضايقا من امر ما ليجد ابنه البالغ ٥ سنوات ينتظره. سأل الصبي والده: هل لي ان اسألك؟ فقال الاب تفضل، فقال الابن: كم تكسب في الساعة الواحدة؟ فتضايق الاب من سؤال ابنه، وقال له: هذا ليس من اختصاصك، لماذا تسأل مثل هذه الأسئلة الشخصية؟ فقال الصبي بصوت منخفض: انني اسأل فقط، ارجوك يا ابي ان تخبرني، كم تكسب في الساعة الواحدة؟ فقال الاب، وقد بدا عليه نفاد الصبر، ان كان لا بد ان تعرف فإنني اكسب ٥٠ دولارا في الساعة الواحدة! فغر الصبي فاهه متعجبا وقال لابيه: هل يمكن ان تقرضني ٢٥ دولارا يا ابي؟ وهنا شعر الرجل بأن صبره قد نفد بالفعل فنهر ابنه قائلا: اذا كنت تريد من سؤالك معرفة ما اكسب فقط لكي تنتهز الفرصة، وتقترض مني لتشتري لعبة سخيفة او اشياء اخرى تافهة، فأنت اناني وانا لا احبك، وعليك الذهاب فورا الى غرفتك، فأنا لا اعمل بكل هذا الجهد لارضاء الطفولي من رغباتك غير ذات المعنى!
أحنى الصغير رأسه مصدوما، وتوجه الى غرفته بخطى متثاقلة، والحزن باد عليه واغلق الباب خلفه. بعد لحظات جلس والده يفكر في تصرف ابنه، وشعر بغضب اكثر لقلة ادب ابنه وانه لم يوفق في تربيته بشكل سليم، فما دخله بما اكسب في الساعة؟ وماذا يريد شراءه من سخيف الامور بالمبلغ الكبير الذي طلبه؟ ولكن بعد ساعة عاد الهدوء إلى نفسه واخذ يلوم نفسه لتصرفه الغاضب من ابنه، فلا بد ان الصبي كان في باله شيء مهم ليقدم على ذلك التصرف الاحمق، خصوصا انه لم يكن عادة يطلب المال منه بل من امه، وهنا قرر الذهاب الى غرفته لمراضاته والاطمئنان عليه.
جلس على طرف سرير ابنه وقال له: كنت افكر بك، لقد كنت قاسيا في ردي، فقد كنت مرهقا جدا من العمل عندما كلمتني، وهذا هو مبلغ ٢٥ دولارا الذي طلبته. فاعتدل الطفل في جلسته وتهللت اساريره وشكر والده معانقا، وقفز من فراشه وذهب الى درج في خزانة ملابسه وفتحه واخرج كومة من العملات المعدنية والورقية، التي ما ان رآها والده حتى شعر بغضب شديد يجتاحه، وهو يرى ابنه يعد النقود، وقال له بصوت عال: كيف تطلب مني مالا ولديك الكثير منه؟ فقال الطفل بفرح لم يكن يتسق والشرر الخارج من عيني ابيه: نعم يا ابي، لدي الكثير من المال، ولكن الآن املك ما يكفي منه. اصبح لدي الآن ٥٠ دولارا! فهل بإمكاني شراء ساعة من وقتك، وان تأتي غدا مبكرا، فأنا اتمنى تناول طعام العشاء معك، وهذه هي الخمسين دولارا ثمن ساعة من وقتك!
هنا شعر الاب بألم العتاب يعتصر قلبه، فقام من فوره واحاط ابنه بذراعيه وعانقه بحب شديد وهو يشهق بدموعه وطلب مغفرته(!).
إن هذه القصة ما هي الا تذكرة لنا جميعا، نحن الذين نعمل بجد كل يوم، لكي لا يتسرب الوقت من بين اصابعنا من دون ان نشعر، وننسى ان نمضي، ولو بعض الوقت مع من يعنون لنا الكثير. فلو متنا اليوم فإن الشركة التي نعمل لها او فيها، سوف تستبدل غيابنا بآخر في وقت قصير، وسيستمر العالم في دورانه، وسينسانا الجميع، الا الأهل والاصدقاء الذين تتركهم خلفك، فهؤلاء فقط سيشعرون بقيمتك وقدرك بما تبقى في حياتهم.

❊❊❊
مال: كان الخريف يوشك على بلوغ نهايته عندما توجهت مجموعة من مواطني اميركا الاصليين من الهنود الحمر الى رئيسهم ليستفسروا منه عن الشتاء المقبل ودرجة برودته، وحيث انه كان زعيما قبليا هنديا ويعيش في مجتمع عصري، فإنه لم يستطع اعطاء اتباعه اجابة غير دقيقة، فطلب منهم، من باب الحيطة والحذر، التزود بكم كاف من خشب التدفئة، لأن فصل الشتاء المقبل سيكون باردا.
وليكون الرئيس واثقا مما قاله لرجاله قام بعدها بأيام بالاتصال بالخدمة الوطنية للاحوال الجوية، لسؤالهم عن توقعاتهم عن طقس الشتاء المقبل، فقيل له أنه سيكون باردا حقا وهنا ذهب الرئيس واخبر اتباعه بأن الشتاء سيكون اكثر برودة مما كان يتصور وبأن عليهم الاستعداد له بخشب تدفئة اكثر.
عاود الرئيس الاتصال بعد اسبوع بمركز خدمة الاحوال الجوية وطرح السؤال نفسه فقيل له بأن فصل الشتاء المقبل سيكون باردا جدا، وأكثر مما كان متوقعا، فقام من فوره بالطلب من اتباعه بتخزين كميات اكبر من خشب التدفئة، ولو تطلب الامر جمع كل ما هو موجود منه في السوق. بعد اسبوعين اتصل مرة ثالثة بالخدمة وطرح السؤال نفسه وعندما اخبره المسؤول بأن الشتاء سيكون قاسيا بشكل غير طبيعي هذا العام، سأله عن سبب كل هذه الثقة، ولا يزال الشتاء بعيدا فقال له المسؤول: انا على يقين تام بأن الشتاء المقبل سيكون شديد البرودة الى درجة كبيرة فقد شاهدت بعيني كيف يجمع سكان البلاد الاصليين من الهنود الحمر الخشب من كل مكان بشكل جنوني! وهكذا عادة ما تعمل آلية البيع والشراء في السوق عند التكالب على سهم معين من دون سبب منطقي!

أحمد الصراف

سعيد محمد سعيد

امتثالا لعاشوراء… فلتفتح أبواب العدالة!

 

ليس عصيّا أن يفهم البشر، كل البشر، أهداف نهضة الإمام الحسين(ع)… بعيدا عن صيحات الشرك وعبادة القبور وإثارة الفتنة وشتم الصحابة والتحريض ضد الدولة وضد الطائفة السنية الكريمة وجملة من الادعاءات المعلبة القديمة القديمة المجددة في (معلبات).

تصك آذان التاريخ وتأبى إلا أن تتجدد تلك المقولة العظيمة التي هي أساس نهضة الإمام الحسين (ع): «وإني لم أخرج أشرا ولا بطرا ولا ظالما ولا مفسدا، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي… أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر».

تلك هي الغرسة اليانعة الخالدة للنهضة الحسينية، نمَت وتفرعت الى قائمة خالدة أيضا من المبادئ: التوحيد، المساواة، العدالة، مكافحة الفساد والظلم، حقوق الإنسان، وغيرها مما نعجز عن حصره في معركة لم تدم أكثر من 3 ساعات عسكريّا، واستمرت وستستمر الى أبد الآبدين إسلاميّا وإنسانيّا.. لتتساقط حولها مقولات صغيرة سخيفة من قبيل انعدام «فائدة» الأمة من هذه النهضة، أو من قبيل الصراع الطائفي البغيض الغائر في عقول ظلامية من قبيل أن من يحيي ذكرى استشهاد الحسين (ع) هم من قتله، فشيعته هم ممن دعوه ثم انقلبوا عليه وخانوه وأسلموه للسيوف والرماح، هو وأصحابه وأهل بيته، ثم هم يبكون ويلطمون عليه اليوم تكفيرا لفعلة أجدادهم الشنيعة، واذا كان هناك من يريد أن يريح قلبه، نقول له إن قتلة الإمام الحسين هم ألوف من المرتزقة، سواء كانوا سنة أم شيعة، حتى لو كان من بينهم جدي السادس والستين وثلاثمئة وألف، فلعنة الله على جدي!

كل ذلك لا يهم أيها الأعزاء، ما يهم هو أن نمتثل لمبادئ عاشوراء ونفتح أبواب العدالة على مصراعيها، في عصرنا هذا وفي زماننا الحاضر وفي بلادنا، ولتفتح المحاكم أبوابها وليأخذ القانون مجراه تجاه ما يأتي:

– إذا كان هناك من استغل ذكرى عاشوراء لتفريق المسلمين وللتعدي على معتقدات الناس واستخدم المنبر لشتم الصحابة وأمهات المؤمنين رضوان الله عليهم أجمعين، فليبادر أصحاب النخوة والحمية الغيارى على دينهم ومعتقداتهم في تقديم أولئك (المتجاوزون) الى المساءلة القانونية، كل ما عليهم هو أن يجمعوا الأدلة، والقرائن، ويعرضوها على القضاء، فليس صعبا الحصول على الأشرطة المسجلة والمتلفزة لخطباء الفتنة، من قبل من يدعي حرصه على الدين وعلى تراث الأمة، وليثبت أنه صادق فيما يقول ويتجه مباشرة الى المحاكم… أما إذا عجز أو أعدم الحيلة، فليخرس.

– عاشوراء الحسين (ع) ليست لتأليب المواطنين ضد بلادهم وضد قيادتهم، وليست لإشاعة روح العداء ضد الدولة أو ضد أية طائفة من الطوائف… إذا، سنكون مساندين لكل من يثبت بالدليل أن هناك من الخطباء من تمادى كثيرا وشحن الناس ضد بلادهم وقيادتهم، وبادر بتقديم دعاوى ضدهم، فهذه مسئولية، ومن ينكر كرم الدولة والقيادة في هذه الذكرى، وحرصها على تقديم التسهيلات، فلا يستحق أن يكون طرفا في إحياء الذكرى، فالوطن هو الذي احتضن هذا الإحياء.

وإن لم يكن لديه سوى الهرطقات والشحن المقصود، فليخرس أيضا.

– ينطبق الكلام على أولئك الذين تجاوزوا حدودهم كثيرا كثيرا كثيرا، مع أبناء الطائفة الجعفرية، فمن وصفهم بالكفار والروافض المجوس وبني صهيون، كما فعل ويفعل وسيفعل النائب الشيخ العالم العامل المتفاني لوطنه ولولاة الأمر جاسم السعيدي، أو كما فعل ويفعل وسيفعل من استضافته جهة رسمية – مع شديد الأسف – من دعاة وخطباء، لم يكن لديهم ما يوحدون الأمة به، ولو على الأقل بخطاب صادق عما يجري في قطاع غزة وفي سائر بلاد المسلمين، وصبوا جام غضبهم على طائفة واحدة وأوغروا صدور من حضر محاضراتهم بكلام لا نعتقد أن الدولة ترضى به، وإن رضيت، فما أشدها من كارثة!

من باب الاعتراف بالجميل والتقدير، لم تقصر الدولة إطلاقا في تسخير امكانيات وخدمات وتسهيلات لا يجحدها إلا ناقص عقل سواء لموسم هذا العام أم المواسم السابقة، والفضل لله ولقيادة البلاد، لكن أن يتم التغاضي عن الأفاعي التي تبث سموم الفرقة والطائفية والصراع المدمر للوطن، فالدولة وحدها تعرف كيف توقفهم عند حدهم.