محمد الوشيحي

النائب الفلِز

العمر يمشي والسنون تجري والشهور تتقافز والأيام تتطاير والحكومة لما تتشكل بعد. ليش؟ علم ذلك عند ربي والحكماء. والحكماء هم كل من يؤيد الحكومة ويتغزل في جسمها المترهل ويمتدح رقصتها المكسحة، بينما نحن المعارضين مجانين رسمي بختم وطابع، ونحن أصلا لسنا معارضين، نحن «معاً راضين» بأي شيء تعمله الحكومة، المهم أن تعمل شيئا، ووالله لنعلمن أنصارها – حينذاك – كيف يكون التصفيق والتهليل ورقص العرضة.
سابقا، كانت أسماء بورصة المرشحين لتولي المناصب الوزارية تظهر بعد اليوم الثالث من تكليف رئيس الوزراء بتشكيل حكومته، أو اليوم الرابع على أقصى تقدير. والآن مضت دهور ولم يتسرب شيء، سبحان الله. والحكومة مختفية خلف جدار الاستقالة، وهي مختفية أساسا وهي على رأس عملها، فما بالك بها بعد الاستقالة؟ ستتبخر بإذن الله، ولن تسمع لها تصريحا ولا بيانا يسد رمقك! كل واحد يسد رمقه بمعرفته.
والله يمسيه بالخير ناصر الدويلة، النائب الموسوعة، كان هو من يسد رمقنا فابتعد عن الأضواء، فص ملح وحاص. قيل انه سكت خوفا على مستقبل أخيه الوزير، وقيل بل رحمة بالبلاد والعباد. المهم أنه غاب واعتزل التصريحات وهو في قمة عطائه، فحل محله، أجاركم الله، النائب السلفي عبد اللطيف العميري، رحمتك يا رحيم.
والحكومة عهدة تسلمها العميري من الدويلة، والدويلة لذيذ تأكل أصابعك وراه، يقدم لك بوفيها من التصريحات، وأنت وذوقك والسماء فوقك، كل شيء متوافر بسعر التكلفة، بينما العميري من ذوي البأس الشديد في زرع البكاء والحزن في الأرجاء، بينه وبين التكشيرة مودة عميقة، عمقها من هنا إلى الحرب العالمية. وهو نائب بلا أملاح، وبلا رأي ولا قرار، سلط ملط، يرى بأعين أحمد باقر ويسمع بأذنه. كلمة باقر عنده لا تصد ولا ترد، من الأذن تنتقل إلى الأنف إلى اللسان، ومنه إلى مائدتك مباشرة. هو موصل جيد للكهرباء، فلزي من الطراز الفاخر.
العميري عصَرَ نفسه كثيرا وصمت طويلا ثم انتثر كله مرة واحدة، لم يدخر شيئا للشوط الثاني. كل التعليمات التي تلقاها كرّها في أسبوع واحد لا شمس فيه، خمسة تصريحات متتالية، رقم قياسي. أولها تصريح عن موعد تشكيل الحكومة، وخامسها تصريح يطالب فيه النواب بالاستعداد للانتخابات التي ستجري قريبا «هذا إذا كانت هناك انتخابات أصلا»، يقول ذلك وهو يشير إلى الحل غير الدستوري، من الطرف الخفي، هكذا بلا حصافة ولا ملح. كما أبلغوه أبلغنا بأمانة شديدة، لم يكذب الرجل ولم يزوّر، عدّاه العيب وراح للي بعده.
عد إلينا يا ناصر، فقد تركتنا بيد من لا يرحم. كنت أنت تتحدث باسم الحكومة من المحيط إلى الخليج، وجاء العميري ليتحدث باسم الحكومة من باقر إلى السلطان. وإنا لله وإنا إليه راجعون.

آخر مقالات الكاتب:

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *