سامي النصف

حكومة الأزمات الاقتصادية القادمة

في عام 2008 وصلت اسعار النفط الى 150 دولارا لمدة قصيرة دون رغــبة او ارادة من الدول المنتــجة وقـــد نتج عن ذلـك الأمر اقتناع شعوب العالم أجمــع بضــرورة ايجاد السبل الكفيلة بالاستــغناء عن الــنفط كسلعة استراتيجية وتحويله الى مادة خام خاملة كالفحم والموز وغيرهما.

لذا فحرصنا الشديد على حسن اختيار شخوص الحكومة المقبلة يكمن في حقيقة انه قد تواجهه ازمات «اقتصادية» غير مسبوقة في تاريخ الكويت بسبب اسعار النفط التي قد تنخفض بشكل دائم وعندها ستصبح الازمات «السياسية» السابقة امرا لا يقارن على الاطلاق بتلك الاشكالات الاقتصادية والمالية.

فأقسى وأشد الأزمات السياسية الماضية تمت وأسعار النفط في ارتفاع متواصل ولم تمس أمور عيش المواطنين حيث لم يتم خفض سعر الدينار او رفع اسعار المحروقات او ازالة الدعم عن المواد الغذائية او اللجوء لإيقاف عمليات التوظيف والبدء بعمليات الاستغناء عن المواطنين في القطاعين العام والخاص كنتيجة منطقية لتلك العجوزات في الميزانية.

ومما لا أستوعبه ولا يستوعبه كل مواطن شريف غيور على بلده مفهوم نرجو خطأه، مضمونه ان القوى السياسية والنواب لا يؤيدون ولا ينصرون إلا حكومة تضم من يزكونه حتى لو ثبت خطؤه وتعديه على الأموال العامة، وأما من هو خارج تلك التزكية فلا يستحق الدعم والنصرة والمؤازرة حتى لو كان أنقى وأطهر وأكفأ الناس.

لقد كانت الكويت حتى عقود قليلة في أشد حالات الفقر والفاقة رغم ان عدد سكانها لا يزيد آنذاك على 100 ألف نسمة من العاملين المنتجين المكافحين وعلى نفس رقعة الارض الحالية ثم أتى الذهب الأسود ليغيرنا من حال إلى حال، لذا يجب ان نأخذ على محمل الجد الشديد احتمال بقاء اسعار النفط في مستويات منخفضة لأجل غير مسمى فنحن في النهاية بلد لا زرع ولا ضرع ولا اقتصاد ولا خدمات ولا استثمار ولا سياحة فيه، وعلينا ان نحتاط للأسوأ وان نجهز الدواء قبل «الفلعة» فذلك ما تقتضيه الحكمة والعقل.

ان الملفات السياسية القادمة بحاجة الى عقول خير من العقول التي ورطت الحكومة المستقيلة في اكثر من مطب، كما ان الملفات الاقتصادية (الاهم) بحاجة كذلك لعقول خير من العقول التي ثبت خطأ أقوالها وتوقعاتها أكثر من مرة، ان الذكاء والاحتراف عملتان نادرتان والبحث عمن يتصفون بهما عملية مضنية للغاية الا ان للحصول على هؤلاء فوائد ومنافع جمة لا تعد ولا تحصى، وواجب حكومة «التغيير» ان تصل اليهم وتفاجئنا بوجودهم ضمن طاقمها القادم.

آخر محطة:
 أحد أسباب نهضة الكويت الحديثة في الستينيات ان الآباء المؤسسين كانوا يحسنون الاختيار ويفرقون بين من يوفر ويعمر من ناحية ومن يخرب ويدمر من ناحية أخرى والموضوع ذو شجون.

احمد الصراف

الزرزور وعازف الفيولين

قبل اربعين عاما، عندما زرت لندن لاول مرة، صدمت حضاريا بأمور عدة ليس المجال هنا لسردها جميعا، ولكني اتذكر ان رؤية العصفور الصغير وهو يحط على طاولة الطعام التي كنت اتناول غذائي عليها في حديقة «الهايدبارك» كان مفاجئا لي! فلم يسبق ان امتلكت طيور بلدي تلك الجرأة في الاقتراب من البشر، وضحكت بداخلي وانا اكلم نفسي قائلا ان ذلك الزرزور الصغير ما كان ليجرؤ على المخاطرة بحياته ومستقبله، لو كان يعرف الخلفية «الحضارية» التي جئت منها، والتي لم تكن تسمح لطائر، مهما صغر حجمه، بأن يقترب كل تلك المسافة من دون ان تنتهي حريته او حتى حياته.. الى الابد.
كما كنت اتعجب من طريقة حياة الموسيقيين المشردين، واختيارهم الشارع كمأوى. وكثيرا ما كان العزف الجميل لبعضهم يستوقفني لدقائق طويلة للاستماع له وانا اعبر انفاق المترو الارضية في طريقي الى البنك، وكنت اتساءل دائما عن سبب عدم قيامهم بالعزف في الحفلات والاماكن العامة طالما كانت لديهم كل تلك المواهب! كما كنت احتار في سبب عدم وجود مأوى لهم في دولة غنية كبريطانيا، قبل ان اعرف ان غالبية هؤلاء كانوا ولا يزالون يفضلون ما يوفره لهم النوم في الشارع من حرية مقارنة بالعيش في الملاجئ، لما تفرضه من قيود على حرية تحركهم ونومهم وروتين حياتهم الخالي من اي التزام بقواعد او قيود لا تتقبلها نفوسهم التواقة للحرية المطلقة وغير المسؤولة!
تذكرت كل ذلك وانا اقرأ النص التالي من رسالة انترنت، وجدت ان من المجدي ترجمتها وبتصرف قليل: في يوم من ايام يناير الباردة اسند رجل ظهره الى حائط في احدى محطات مترو العاصمة الاميركية واشنطن، وبدأ بعزف مقطوعة رائعة للموسيقار العالمي باخ، على آلة فيولين قديمة، استمر عزفه لخمس واربعين دقيقة، واثناء ذلك مر به الآلاف في طريقهم الى اعمالهم، بعد ثلاث دقائق من العزف توقف رجل في منتصف العمر لثوان ليستمع له قبل ان يسرع الخطى مرة ثانية، وبعد دقائق اخرى توقف رجل للحظات ليسقط دولارا في الاناء الموضوع امامه، قبل ان يستمر في طريقه، وبعدها بدقائق جلس رجل آخر على مقعد خشبي مقابله وانصت للعزف مليا قبل ان ينظر الى ساعته وينطلق الى حال سبيله، واجبر طفل والده على التوقف لينظر في وجه العازف وحركات يديه، وكان الوحيد الذي ابدى اهتماما، او ربما فضولا، اكثر من الآخرين، ولكن وقوفه لم يطل كثيرا بعد ان اجبرته والدته على مواصلة السير! وتكررت الحال مرات عدة مع اطفال آخرين، وفي جميعها اجبروا على مواصلة سيرهم.
خلال الفترة كلها توقف 6 اشخاص فقط للحظات، ووضع عشرون شخصا اموالا في انائه، وكان اجمالي ما تجمع لديه يقارب مبلغ 32 دولارا، وعندما انتهى من العزف لم يلاحظ احد ذلك، ولم يكن هناك اي تصفيق، او تقدير لجهده، ولم يعرف احد من آلاف المارة ان ذلك العازف لم يكن سوى جوشوا بل، احد اشهر عازفي الكمان في العالم، وان المقطوعة التي عزفها كانت واحدة من اصعب ما لحن باخ للعزف على الكمان، وان الآلة التي عزف عليها كان ثمنها يزيد على 3،5 ملايين دولار! وما لم يعرفه اي من المارة ايضا ان «حفلة» جوشوا بل الاخيرة، التي كانت في بوسطن قبل يومين من وقوفه في محطة المترو، بيعت تذاكرها ذات المائة دولار بكاملها في يوم واحد.
هذه قصة حقيقية تم ترتيبها بين الفنان وبين جريدة واشنطن بوست كجزء من دراسة تتعلق بدقة الملاحظة ونفاذ البصيرة والذوق والاولويات في حياة البشر.
بينت التجربة باختصار اننا، وفي اي مكان عام، لا ننتبه عادة للجماليات او ندرك حقيقتها، كما لا نتوقف عادة لتقدير قيمة اشياء كثيرة تستحق النظر او التأمل، كما لا نلتفت كثيرا لاصحاب المواهب ان تواجدوا في المكان غير المتوقع او المناسب!
والخلاصة اننا اذا لم يكن لدينا لحظة واحدة للتوقف والانصات لواحد من اعظم عازفي القرن، وهو يعزف واحدة من اجمل المقطوعات الموسيقية، على مر التاريخ ومن خلال اغلى آلة كمان، فكم من الاشياء الجميلة الاخرى يا ترى التي لا نحس بوجودها؟

أحمد الصراف

محمد الوشيحي

سمير عطا الله … إليك النواقص

استاذنا الأنيق سمير عطا الله الذي تتطلب قراءة مقالاته توافر قطعة كرواسان وفنجان قهوة وربطة عنق بخطوط مائلة، كثيرا ما غافلته وقرأته منبطحا من دون اي كرواسان – اي والله – وبسببه ادركت وغيري، بالدليل الساطع وبما لا يدع مجالا للعك، الا خلافات عائلية بين الكتابة السياسية والادب كما يشيع قليلو الادب. وشاهدنا الانيق وهو يربط الجملة السياسية هذه بتلك بحبل وثيق من الادب، او بحبل من الادب الوثيق. فتعلمنا. متابعة قراءة سمير عطا الله … إليك النواقص

سامي النصف

نحتاج لصدمة تغيير موجبة

نحتاج ضمن الحكومة القادمة الى وزراء اذكياء وما اندر الاذكياء في الكويت، والى وزراء امناء وما اقل الامناء في بلد أصبح فيه تحصيل الثروات مقدما على خدمة الاوطان، ونحتاج للاكفاء ممن تمنع كفاءاتهم وقدراتهم الحكومة من السقوط في الاحراجات المتكررة.

ونحتاج الى تبني شعار «التغيير» قولا وعملا، فالعودة لمنهاج «التقليد» والعمل بما عملناه في المرات السابقة سيؤديان بنا قطعا الى نفس مسار الازمات والاستجوابات والمشاحنات السياسية المتواصلة، والتي يقوي الطرف المعارض فيها وفرة الاخطاء من قبل من تنقصهم القدرة على اتخاذ القرارات الصحيحة والترويج لها من الوزراء والوكلاء والمديرين في الادارات الحكومية المتعاقبة.

كما يحتاج الامر الى منظرين ومفكرين يجيدون رسم السياسات الحكومية الذكية التي تقنع الناس ويستطيعون الدفاع عنها تحت قبة البرلمان وخارجه، ولا تحتاج الحكومة القادمة بالمقابل لأصحاب التكتيكات الخاطئة أو الى من ترتعد فرائصهم مع كل صرخة توجه اليهم، فمثل هؤلاء الناهلين من خير الحكومة هم في الواقع عالة كبيرة عليها.

ولا حاجة في هذا السياق لإعادة من تمت تجربته وافتضح أمره وثبت أنه يود الوصول للمناصب العامة لأجل الصفقات والعمولات والرغبة في الثراء الشخصي، ومن هؤلاء المجربين من ورط البلد في السابق في قرارات ادت الى ازمات وكوارث وكلفة ضخمة على الاموال العامة، فما الرسالة التي سيتلقاها الشارع الكويتي عندما يجد اسماء هؤلاء «المجربين» ضمن الوزارة القادمة؟!

وهناك كذلك شخصيات عامة نظيفة تمت تجربتها في اكثر من موقع بارز في السابق وأعطت ما عليها واكثر واصبحت اقرب لليمونة التي تم عصرها أكثر من مرة، فما الفائدة من الاعتقاد ان لديها جديدا تعطيه، ان الحكومة القادمة بحاجة الى التغيير لكسب ود الشعب عبر الاستعانة بدماء جديدة ذات فكر جديد، وهذه للعلم اهم مواصفات الاستحواذ على التأييد الشعبي في الديموقراطيات المتقدمة.

ومن الامور الواجب الانتباه لها حقيقة ان بعض القوى السياسية لا ترشح عادة الا المنضوين تحت لوائها، والكويت اكبر كثيرا من كل الكتل السياسية مجتمعة، والواجب الا تنحصر الرؤية فيما يقدم من تلك الاسماء كي لا ترسل رسالة خاطئة تدفع الجموع للانضمام للكتل كوسيلة للترقي وتحقيق الطموح الشخصي، بل يجب الخروج لفضاء الكويت الواسع والفسيح الذي يزخر بالاكفاء والامناء والاذكياء راجين ان يصاب الشعب الكويتي هذه المرة، حال ظهور التشكيل الحكومي الجديد، بصدمة التغيير الموجبة بعيدا عن منهاج الصدمات السالبة المتكررة.

آخر محطة:
 «الشرقة» تحدث عندما تدخل قطعة طعام بطريق الخطأ الى مسار الهواء في الانسان فتسده وهي احد المسببات الرئيسية للوفاة في الولايات المتحدة ولا يحتاج الامر الا الى الوقوف خلف المصاب ورفعه من عند الحجاب الحاجز كي يدفع الهواء الخارج تلك اللقمة بعيدا عن المجرى، توفي في الفترة الاخيرة طفلان بسبب «الشرق» الذي يمكن ان يحصل في البيوت والمطاعم والاسواق والمدارس ولا وقت حينها للهلع أو طلب الاسعاف، حيث سيموت الدماغ او المصاب قبل الوصول، وبدلا من التوعية العامة بكيفية التعامل مع الحالة يحاول البعض للاسف ان يستغلها لخلق ازمة سياسية جديدة، ولا حول ولا قوة الا بالله.

احمد الصراف

بها فقط يكمن الحل!

تجارب الكويت السياسية، لفترة ما بعد الاستقلال واصدار الدستور وانتخاب مجلس امة من 50 عضوا، اثبتت ان الديموقراطية، مهما كانت درجة تقدمها، لا تكفي بحد ذاتها لضمان حقوق الانسان، وحقوق الاقليات والفئات الخاصة بالذات. فجميع الدول العربية والاسلامية التي تتبع النهج الديموقراطي، وما اقلها، غير قادرة على حماية الحريات المدنية لافراد المجتمع المدني لاسباب كثيرة يعود البعض منها لخلل تاريخي متجذر في طريقة تفكير قيادات هذه الدول، فالشطط المتطرف الذي قوبل به طلب بناء مسجد لطائفة «البهرة» المسلمة والمسالمة مثلا اظهر بوضوح كم هي ديموقراطية عرجاء عاجزة، واحيانا مزيفة، فما حصل مع البهرة يحصل كل يوم مع الاقليات الطائفية والدينية الاخرى، من شيعة ومسيحيين كويتيين، دع عنك ما يلقاه اتباع المذاهب والديانات الاخرى من غير المواطنين! فالمجتمع الكويتي اعتاد – خلال السنوات الاربعين الاخيرة، ومع انهمار اموال البترودولار – تهميش مواضيع كرامة الفرد واستقلاليته الفكرية، وكمثال صارخ على
ذلك ما يتعرض له معرض الكتاب كل عام من سلخ وشطب، اما ما تتعرض له حقوق المرأة من انتهاكات يومية في اروقة المحاكم فحدث ولا حرج، وربما يكون موضوع رفض كل الدول الاسلامية تقريبا التوقيع على مواثيق حقوق الانسان بنسختها الاصلية، ومن غير تحفظ، دليلا دامغا آخر على ان الديموقراطية التي نتكلم عنها ونؤمن بها في الكويت وغيرها من الديموقراطية الشرق اوسطية هي تلك التي تناسب مزاج الفئات المسيطرة ذات الصوت العالي والفهم المحدود لحقوق البشر الآخرين.
وبالرغم مما تعتقده الزميلة المبدعة ايمان البداح (الجريدة 29-11) من ان القانون كان وسيبقى بيد السلطة التشريعية، التي لا تقدر الحريات الفردية الدستورية، وان وسيلتنا الوحيدة للخروج من هذا المأزق، برأيها، تكمن في اللجوء للمؤسسات المدنية التي ستضغط على التعليم الذي سيخلق القيم الدستورية لدى النشء منذ الصغر، حتى لا نعيد انتاج التخلف والدكتاتورية، لكن المسألة اعقد من ذلك بكثير، فما العمل ان لم تتحرك مؤسسات المجتمع المدني؟ وما الضمان بأن هذه المؤسسات سوف لن تقر مناهج دراسية شبيهة بالحالية؟ وكيف يمكن الفكاك من اسر الفكر الديني بمجرد التمني وانتظار ما ستقدم عليه المؤسسات المدنية، وما العمل ان لم تسمح السلطة لهذه المؤسسات بالتدخل في التعليم العام والديني بالذات؟
الحل، برأيي المتواضع، يكمن فقط في وصول قيادة سياسية مؤمنة بفصل الدين عن الدولة للسلطة والتي بامكانها القيام، حتى قسرا لو تطلب الامر ذلك، بتطوير المناهج الدراسية وجعلها متسقة تماما مع مناهج المجتمعات المتقدمة والمنفتحة والاكثر انسانية، وهو الامر الذي حاول الكثير من قادة الدول الاسلامية القيام به من امثال محمد علي باشا ورضا شاه ومصطفى كمال، ولم ينجح منهم بشكل جذري غير الاخير الذي حول تركيا من دولة مهزومة ومتخلفة لدولة عصرية صناعية متقدمة بمعنى الكلمة، من دون ان تفقدها العصرنة جذورها الدينية، وهذا ما نحن بحاجة اليه، ومن دون ذلك فلا تقدم ولا اقتصاد صلب ولا استقلال حقيقي ولا كرامة وعزة نفس بالتالي. فبالعلمانية وحدها يمكن تأمين العيش المشترك لجميع فئات المجتمع وبها يمكن الالتزام بتوفير دور العبادة لكل المواطنين والمقيمين على ارض الدولة من دون تردد، كما انها المعززة لمبدأ فصل السلطات، وتحت ظلها تكون السيادة للقانون وليس لنصوص الفكر الديني، لانها ترفض حتى مجرد فكرة المحاصصة السياسية على اسس دينية او مذهبية، وبها تصان حرية الفكر والتعبير والنقد والقول وتشجع مختلف الانشطة الثقافية الادبية والعلمية.

ملاحظة: تقدم النائب حسين القلاف بمجموعة اسئلة لوزير الدفاع (القبس 3-11) تعلقت بفضيحة قوارب الـManta والـNaja الفرنسية التي قامت الوزارة بشرائها قبل سنوات وتبين عدم صلاحياتها لاي مهام عسكرية بحرية جادة، وحيث ان الاسئلة تضمنت طلب تزويد النائب بالاجراءات التي اتخذها الوزارة لمحاسبة من تسبب في جلب اسلحة غير صالحة للاستعمال، وعما اذا جرت محاسبة المسؤولين عن هدر المال العام وشبهة التنفيع، فإننا نؤكد للنائب المحترم أنه سوف لن يحصل على اجابة عن سؤاله، وعليه الانتظار لبعض الوقت، فأما ان تنتهي مدة نيابته او تتغير الوزارة، او يحل البرلمان وفي كل الحوال سيسقط السؤال بالتقادم او صريع المصالح الكبيرة.

أحمد الصراف

سعيد محمد سعيد

الديك الأعرج… ابن الدجاجة العرجاء

 

قبل فترة، أرسل لي زميل تونسي مجموعة من قصص الحكمة الصينية ترجمها الأديب التونسي إبراهيم رغوثي، ووجدت في الكثير من تلك القصص الرائعة ما ينمُّ عن عقلية عبقرية، وخصوصا قصص الكاتب الصيني ليو دي هيو، ما رأيكم لو قرأنا معا اليوم، تلطيفا للنفس من الكثير من العناء، قصة الديك الأعرج ابن الدجاجة العرجاء؟

تقول القصة:

اصطاد ثعبان ديكا أعرجَ واستعدَّ لالتهامه، لكن ثعلبا سرقه منه بحركة سريعة بارعة، ولم يترك له فرصة لاستعادته، فقال الثعبان: أنا من اصطاد هذا الديك البَرِّيَّ فمن حقي أن أتمتع بأكله!

ردَّ عليه الثعلب: سيكون من نصيبي يا ثعبان، فمنذ شهر، أوقفته وعضضته من إحدى قائمتيه… أنظر مليّا، أليس هذا الديك أعرج؟

أمام هذه الحجة الدامغة ترك الثعبان الديك للثعلب، واستعد الثعلب لالتهام الديك لكن ذئبا انقضَّ على الفريسة وخلصها منه، فلم يستسلم الثعلب بسهولة، وصار يحاجج الذئب: إنه ديكي يا ذئب… أنا من اصطاده، فهو ملكي ومن حقي التهامه… فلماذا تسطو على رزق غيرك أيها الظالم الغشوم؟

ردَّ الذئب مبتسما: هذا لن يكون أبدا يا ثعلبي العزيز… ولتعلم أنني اصطدت هذا الديك منذ ستة شهور لكنني لم آكل هذا الطائرَ البَرِّيَّ لأنه كان هزيلا، فربطته في كهف وجعلت أسمنه، ومع حرصي الشديد، غافلني ابن الدجاجة الملعونة وفرَّ بجلده. أنظر مليّا، ألا ترى ذيله المنتوف يا ثعلب؟

كان الثعلب يعرف أن ما قاله الذئب كذب في كذب، وأن مقولته لا أساس لها من الصحة مثلها مثل تأكيداته هو للثعبان، ولكن ما حيلته أمام حجج الذئب الدامغة، فتخلّى له عن الديك.

في تلك اللحظات، وصل نمر بغتة… انقض على الديك وخلصه من بين أنياب الذئب الذي صاح محتجّا: اترك لي ديكي أيها النمر، فأنا من اصطاده… إنه رزقي الحلال.

فردَّ النمر على افتراءات الذئب قائلا: هذا غير صحيح يا حبيبي؛ لأن هذا الديك ملكي الخاص… لقد حجزت هذا الطائر منذ سنة، والله لأقْطعَنَّ اليد التي تمتد نحو ريشة من ريشه.

فارتفع لغط الذئب والثعلب والثعبان، لكن الأخير، أي الثعبان، كان ذكيا فقال للنمر: هذا كذب بائن يا نمر، فعمر هذا الديك أقل من سنة، هات حجة أخرى إن كنت صادقا؟

فقال لهم النمر هادئا مطمئنا: كلامكم سليم يا أحبابي، ولكن لتعلموا أنني اصطدت منذ سنة دجاجة عرجاء وبلا ذيل، فاستعطفتني هذه الدجاجة المسكينة وطلبت مني أن أطلق سراحها، ووعدتني بأن تهبني كل فراخها مقابل عطفي وكرمي… انظروا أيها العميان، أليس هذا الديك أعرج وبلا ذيل؟ إنه بلا شك واحد من ذرية دجاجتي، فمن العدل إذا أن يكون من نصيبي

احمد الصراف

رد من عبدالمحسن تقي الوفاء.. الوفاء يا ناس

لا تحبذ «القبس» عادة نشر ما يردها من تعليقات على ما يكتب في صفحات الرأي و«الاتجاهات»، ولم اعتد شخصيا نشر ما يردني من تعليقات في هذه الزاوية المتواضعة، ولكن لما للأخ عبدالمحسن تقي مظفر من معزة، ولجمال ما كتب، ولكمّ العواطف الصادقة التي تضمنها رده، أجدني مضطرا، بسرور، لإفساح المجال له لعل وعسى يلتفت المعنيون بالأمر الى موضوع مقالي والرد عليه ويقومون بعمل شيء يساهم في رد الاعتبار لمن لهم دين كبير في أعناق الكثيرين منا:
«الأخ أحمد الصراف، جريدة «القبس» الغراء، تحية طيبة،
اطلعت صباح اليوم (الأربعاء) على ما كتبته في عمودك اليومي بجريدة القبس «كلام الناس» تحت عنوان «علماؤنا وتسامحهم»، وأود ان اعرب لك عن اعجابي الشديد واتفاقي الكامل معك في ما كتبته، وهو يتسق تماما مع نظراتك الإنسانية الموضوعية في معظم مقالاتك التي اتحاور معك بشأن بعض ما فيها على الهاتف. ولكني في هذه المرة رأيت من الأنسب ان اكتب إليك – لأهمية موضوع مقال يوم 17-12 – بدلا من الحوار على الهاتف، أو في الحقيقة، إضافة إليه، لأني أرى ان هذا الموضوع جدير ان تتسع دائرة الاهتمام به بين الكويتيين الحريصين على رسم صورة إنسانية جميلة لهذا الوطن الصغير العزيز علينا.
صلب الموضوع وأساسه هما تقدير الكفاءات البشرية من مختلف الأعراق والمذاهب والجنسيات التي خدمت الكويت في مجالات مختلفة على امتداد التاريخ الحديث لدولتنا الفتية، هناك رجالات «ونساءات!» عظام قدموا لنا خدمات جليلة، ولكننا لم نحفل بتكريمهم او تقديرهم في الوقت المناسب، بل لم نفكر في الأمر حتى بعد فوات الأوان، والأوان لم يفت إذا كنا جادين في نظرتنا إلى هذه الامور، ولم نستخف بها او نستعلي عليها، وسأبدي بعض الملاحظات حول اثنتين ذكرتهما في مقالتك الجيدة، مع أن في بالي شخصيات أخرى تستحق منا التبجيل والاحترام:
الفنان صالح الكويتي وأخوه داوود يكفي أنهما في ذلك الوقت لم يكن للكويت شأن كبير ولا منزلة عالية كما هي الآن، اعتزا وافتخرا دائما بأن ينسبا نفسيهما إليها، ويجعلا الكويت في اسم عائلتهما، ويورثا ذلك الاسم العزيز لأولادهما وأحفادهما، على الرغم من انهما برزا ونشطا فنيا في مدن عربية اخرى لعل أبرزها بغداد عاصمة الفن والثقافة في ذلك الوقت. وظل هذان الرجلان معتزين ومفتخرين بالكويت حتى بعد هجرتهما إلى فلسطين مضطرين واقامتهما هناك واكتسابهما للجنسية الاسرائيلية. وربما استمع كثير منا إلى الفنان صالح الكويتي واشادته بالكويت وبالفترة التي عاش فيها في لقاءاته الإذاعية من «اورشليم القدس». نعم يا أحمد، الكويت كانت أولى بالاحتفال بمئوية هذا الفنان الكبير الذي ادخل فعلا السعادة والسرور وحب الحياة ليس فقط الى قلوب أجدادنا وآبائنا، بل حتى إلى قلوبنا نحن في هذا الوقت وقلوب أبنائنا وبناتنا، فكثير منا لايزال ينتشي بألحانه البسيطة الجميلة وأغانيه العذبة الشجية. ولكن كثيراً منا عندما يطرب لتلك الألحان والأغاني لا يدري انها من تراث ذلك الفنان المبدع. وأنا لا يزال يتردد في أذني صوت المطرب العراقي الريفي الشهير حضيري أبوعزيز (وليس خضيري!) وهو يقول ضمن مقطع غنائي له: «جرَ الكمنجة عدل يا صالح كويتي»!
لقد كنت سعيداً جداً عندما نشأت علاقة ودية عفوية – بفضل الإنترنت والتقدم التكنولوجي الحديث – بين ابنتي شروق وابن صالح الكويتي شلومو الذي اطلع على ما جاء في مدونة شروق «الجابرية زحمة» حول الفنان العتيد مع وضع إحدى أغانيه على المدونة، فكانت الاستجابة سريعة من ذلك الابن. وجرى تبادل عدد من الرسائل الودية بين الطرفين، سقطت فيها جميع العوائق التي فرضتها الظروف السياسية، وتلك التي أوجدتها الانتماءات العرقية والدينية والمذهبية التي فرقت بين الناس، ولم ينتج عنها غير الأحقاد والعداوات وسوء الفهم المتبادل، في الوقت الذي نطمح فيه جميعاً إلى تحقيق السلام والعدل والتفاهم والتعاون العالمي، للوصول إلى مستقبل أفضل للبشرية.
أما الدكتور لويس اسكدر (وليس اسكندر!)، ذلك الطبيب الإنساني الرائع، فاعتقد ان الكويتيين جميعاً – وفق تجارب مختلفة معه – يذكرون بالعرفان فضله عليهم. لقد كان لويس اسكدر إنساناً بمعنى الكلمة، محباً للخير، حريصاً على خدمة الناس – أيا كانت مستوياتهم – بكل إخلاص وتواضع. أذكر جيداً ولا أنسى أبداً موقفاً له معنا – ونحن من أسرة متواضعة – كيف أتى إلى منزلنا وتبسط في الحديث مع صغيرنا وكبيرنا بلغته العربية المحدودة في ذلك الوقت. مرض والدي في أواخر الأربعينات من القرن الماضي، وكنت وقتها صغيراً دون العاشرة من عمري، فذهبت بالسيارة مع أخي الأكبر إلى منزل الطبيب الإنسان الدكتور اسكدر، وكان الوقت يقترب من منتصف الليل، كان نائماً وقتها، ولكنه لم يتأخر في ارتداء ملابسه البيضاء الأنيقة البسيطة وركب معنا في السيارة حاملاً معه حقيبته السوداء. في الطريق من الوطية إلى الميدان، كان يمزح معي ويتقرب إلي وأنا صغير ويلقنني بعض الكلمات بالإنكليزية حتى وصلنا إلى منزلنا. مد يده بلطف شديد إلى والدي المستلقي على ظهره متألماً وأجلسه ليبدأ الفحص والتشخيص. ثم أعطاه العلاج اللازم (شراباً وابرتين من حقيبته). لم يكن والدي راقداً على سرير بل ممدداً على أرضية الغرفة المغطاة بالحصير والبساط وفي جانب منها مسندان فقط. أثناء الفحص والتشخيص والعلاج السريع كانت والدتي تعد الشاي للضيف العزيز في حوش البيت الترابي الصغير. وضع المكان الذي أعد فيه الشاي وعرض على الدكتور الأميركي لم يكن مناسباً أبداً، ربما كنت أنا أتأفف من شرب الشاي فيه، ولكن الدكتور اسكدر استجاب لطلب والدتي وتناول منها الشاي بعد ان جلس – بملابسه البيضاء النظيفة – على أرضية الليوان الاسمنتية، ومد رجليه الى أرضية الحوش الترابية السمراء، وألقى بعض كلمات الشكر والمجاملة لوالدتي على كرم ضيافتها! ثم ودع من في البيت بكلمات طيبة وتطمينات لوالدي المريض. وفي طريق العودة الى منزله كان مصرا على الجلوس معي على مقعد السيارة الخلفي ليواصل لطفه ومزاحه معي ومحاولة تعليمي الانكليزية، وأخي عبدالله يقود السيّارة مبتسما وهو ينظر الينا في مرآة السيارة الأمامية. وصلنا منزله بعد الثانية من منتصف الليل. ودّعنا بابتسامة لطيفة وكأنه يعرفنا من سنين ودلف الى منزله. تلك الدقائق والساعات القليلة لا تُمحى من ذاكرتي رغم مرور ما يقارب ستين عاما عليها. كان لنا في ما بعد خمسة أو ستة لقاءات أخرى متباعدة مع الطبيب الإنسان لويس اسكدر في المستشفى الأميركي. لا أظن أنني رأيت أو سوف أرى طبيباً في مثل تواضعه وحرصه على متابعة المريض وكأنه قريب له!.
هذا الذي كتبته لك هنا عن الدكتور اسكدر سبق ان ذكرته شفاهة بحضور القس لويس اسكدر ابن الدكتور لويس اسكدر،بعدمحاضرة له ــ على ما أذكر ــ في دار الآثار الاسلامية في 21 فبراير 2000، وكان ذلك تعبيرا عفويا مني وعرفانا بجميل ذلك الانسان الطيب في حضور ولده.
رجال مثل هذين النموذجين يا أخي أحمد يستحقون منا كل التقدير والتكريم، فشكرا لك على ما كتبته، وعسى ان ندرك بعض مافاتنا».

أحمد الصراف

محمد الوشيحي

الأوباش وغطاء الحلة

يا عمي، حكومتنا هذه مرعبة، وداخلة على طمع، فلينتبه كلّ لمحفظته التي في جيبه إذا ما مر من أمام الحكومة، أو فليلبس «حزام الحج»، أو فليمر من هناك، من الشارع البعيد خلف المدرسة الابتدائية، المهم أن ينتبه فالحكاية كلها لطش في لطش، وفوائضنا المالية سنذكر محاسنها قريبا، ثم سنشد الأحزمة على البطون بطلب من الحكومة.
وما حكاية حدس وتكرار تواجدها في عمليات اللطش؟ أو كم نسبتها من العمليات هذه؟ خصوصا وأنها – أي حدس – هي التي تتسلق المواسير وتكسر شباك غرفة النوم بينما تكتفي الحكومة بالمراقبة في أول الشارع. ولم أشفق على أحد كما أشفق على «الوزراء الغلابة»، مثل وزير الصحة علي البراك، الذين لا يُستشارون في اللطش ولا يعرفون كم هي الحصيلة ولا نسبة لهم في العملية هذه ولا غيرها؟
ولو أن الحكومة شيّدت مدارس ومستشفيات وجسوراً وجامعات ومدناً إسكانية ولطشت من كل عملية هبرة، لصرخنا كلنا «ألف هناء وشفاء»، لكنها أي الحكومة تحدثنا عن شراء لوحات بيكاسو غالية الثمن لنعلّقها على جدران الصالة بينما تشتكي ثلاجاتنا من الفراغ. واقرأوا ما كتبته مدرسات إحدى المدارس في رسالتهن لي، المنشورة (ادناه)، لتدركوا بأن الحكومة لا تكتفي بسرقتنا بل تحاول قتلنا والتنكيل بجثثنا بعد أن تنهي «عملياتها». معلمات يشتكين من عدم وجود طاولات لهن في الفصول، تخيلوا. والكثير غير ذلك. متابعة قراءة الأوباش وغطاء الحلة

سامي النصف

عاد بخفي الزيدي

صدر قبل سنوات قليلة كتاب «بندقية للإيجار» للمؤلف البريطاني الشهير باتريك سيل تناول خلاله سيرة الإرهابي ابونضال الذي كان احد بنادق حزب البعث العراقي المأجورة، والذي ظهرت صورته في وقت لاحق مقتولا في احد فنادق العاصمة بغداد.

الأرجح ان تلك البندقية قد استبدلت هذه الأيام بـ «حذاء للإيجار» قامت خلاله الأموال البعثية باستئجار مهرج يدعى منتظر الزيدي وبدأت بتلميعه اعلاميا قبل اشهر عن طريق ادعاء تمثيلية اختطافه وألحقتها بحادثة إلقاء القندرة لقندرته.

ومعروف ان الأخلاق العربية التي يدعيها حزب البعث وتروج لها قناة «البغدادية» تفرض احترام الضيف واكرامه حتى لو كان عدوا لك مادام قد زارك في دارك، ولم يرو التاريخ العربي او ضمن سير التراث قط ان اهانة الضيف هي عمل بطولي يستحق ان تحشد جموع المنافقين من المحامين للدفاع عنه.

وقد تختلف شعوب الأرض على حب او كراهية قادتها الا انها تتفق على ان اي اهانة تصيب القيادة هي اهانة للشعب كافة وقد رأينا في هذا السياق كيف ادعى كثيرون التعاطف مع الرئيس «السابق» صدام رغم جرائمه المعروفة بحق الملايين بدعوى ان اعدامه في اول ايام العيد يعتبر اهانة للعرب والعراقيين!، لقد اكسبنا الحذاء عداء امة مكونة من 300 مليون دون مكسب كما ان عملية التهريج الاعلامي تلك لا تبتعد كثيرا عن عمليات التهريج «الصحافية» التي كان يقوم بها محمد سعيد الصحاف وقبله لطيف نصيف جاسم.

يتبقى ان الحادثة اصبحت مجالا للتنكيت والطرافة فقد نشرت بعض الصحف الأوروبية ان الرئيس بوش قد وجد اخيرا اسلحة الدمار الشامل العراقية التي يبحث عنها، كما نشرت بعض المنتديات العربية ان بعض الطغاة العرب والمسلمين باتوا يصرون على ان يلتقوا شعوبهم في المساجد واماكن العبادة فقط.

تساءل اعلامي ياباني بارز عن السبب في عدم تضحية الرئيس بنفسه لمنع اصابة العلم الأميركي وعن كيفية معرفته لمقاس الحذاء الطائر؟ وقد يكون اطرف تعليق للحادثة الكارثة هو لوكالة الانباء الروسية التي قالت ان زيارة الرئيس بوش للعراق لم تؤت ثمرها وان دلالة الفشل هي انه عاد بخفي الزيدي بدلا من حنين.

آخر محطة:
 هذا ثاني اعتداء يتم بحضور الرئيس المالكي ويهتز الحضور ولا يهتز الرئيس وهو امر يدل اما على شجاعة عظيمة او على غير ذلك.

احمد الصراف

حوار الأديان.. حوار الطرشان

اختلف المسلمون لقرون على من كان أحق بالخلافة قبل 14 قرنا، وفي غمرة ذلك نسوا من يحق لهم حكمهم اليوم!
* * *
عقدت منذ بداية العقد الاخير من القرن الماضي وحتى الامس القريب عشرات المؤتمرات الاسلامية ــ الاسلامية، والاسلامية ــ المسيحية، بهدف تقريب المذاهب بعضها إلى بعض واذابة الفوارق بينها، خصوصا بين اتباع المذهب الشيعي من جهة والمذاهب السنية الاربعة الاخرى، وبين مذاهب المسلمين الخمسة الرئيسية وبين المسيحية، واحيانا اليهودية! ويمكن القول من دون تردد او تلعثم ان لا شيء، لا شيء مطلقا، تمخض عن اي من هذه المؤتمرات، والتي كانت في مجموعها كلاما في كلام ومجاملات وتبادل قبلات ومصافحات وعناق، وطبطبة كل طرف على ظهر الطرف الاخر، وتوزيع ابتسامات، لتنتهي هذه الاجتماعات ومؤتمرات الحوار، وكل فريق باق على موقفه لا يريد الزحزحة عنه قيد انملة، فلو كان هناك مجال او امل، ولو ضئيلا، في تقارب، أتباع المذاهب والديانات المختلفة لما كانت هذه الفروق والاختلافات اصلا، فما خلقها، وتسبب في وجودها في المقام الاول هو الذي يضمن بقاءها ضمن حدودها دون تغيير يذكر، ولقرون طويلة قادمة.
ما يحتاج إليه اتباع المذاهب السنية الاربعة وما يحتاج إليه اتباع فرع الشيعة، لكي لا ندخل في مواضيع اكثر تعقيدا كتقارب الاسلام مع اتباع الديانات الاخرى، هو ان يقبل السني اخاه السني الآخر، وان يقبل شيعي اخاه الشيعي الآخر، وان يقبل كل فريق اتباع الفرق الاخرى ويتفهموا مواقفهم وآراءهم ومعتقداتهم وان يرضوا بها، قبل ان يفكروا مجرد تفكير في التقارب مع الخارجي من مسيحي او بوذي او هندوسي، فالانسان غير المنصف وغير المتسامح مع اهل بيته لا يستطيع ان يكون منصفا ومتسامحا مع اصحاب البيوت الاخرى.
وبهذا السياق اجرى السيد ابو القاسم الديباجي، وهو رجل دين معروف وامين عام «الهيئة العالمية للفقه الاسلامي»، وهي هيئة شيعية لا اعرف الجهة التي تنتمي إليها، اجرى في منتصف يوليو الماضي لقاء صحفيا في الكويت تطرق فيه لقضايا عدة تتعلق بالتقارب بين المذاهب الاسلامية من جهة وبين المسلمين والمسيحيين من جهة اخرى، تبين من تصريح الديباجي مدى ما نمارسه من لغو في مواضيع التقارب المذهبي بعضنا بين بعض وبيننا وبين الآخر، فقد ذكر ان الهيئة التي يتولى امانتها ستختار احد علماء السنة الكويتيين ليكون عضوا فيها، وسيعلن عن ذلك قريبا! ولكن بعد مرور اكثر من خمسة اشهر لم يتم اختيار احد، ولا نعتقد ان من في رأسه عقل سيقبل بهذا «التشريف»! فما الذي سيفعله رجل دين سني في محيط شيعي معاد لفكره ومواقفه لاقصى حد، وهل سيستمع له احد لو فتح فمه برأي او اعترض على امر؟ وقال الديباجي في مؤتمره ان الهيئة تلقت دعوة من امين عام رابطة العالم الاسلامي للمشاركة في المؤتمر العالمي للحوار الذي سيعقد تحت رعاية العاهلين السعودي والاسباني في يوليو الماضي، ومشاركة 200 شخصية اسلامية من كل المذاهب من ذوي المنصب والجاه (!!) ونكتشف اليوم ان المؤتمر عقد، وعقد مؤتمر آخر بعده في اروقة الامم المتحدة وحضره عدد من كبار زعماء العالمين الاسلامي والمسيحي، ويمكن القول ان شيئا لم يتمخض عن اي من المؤتمرين غير تبادل التمنيات واكتفاء المشاركين بهز الرؤوس بالموافقة على كل كلمة قالها ممثلو الاطراف الاخرى.
وورد في لقاء الديباجي الصحفي ان هيئته تبذل «قصارى» جهدها من اجل تذويب الفوارق بين الاديان والمذاهب، والحيلولة دون اتساع الهوة بينها! ونحن نؤكد هنا ان الفوارق بقيت كما هي ان لم تتسع فــ «علماء» كل طرف، ممن لهم باع طويل في الانترنت وهم النخبة القائدة في الساحة الدينية صعدوا كثير من لهجاتهم ضد الطرف الآخر، والانترنت بقنواته الدينية التي لا تحصى تزخر بكم هائل من الاحقاد والرفض والكراهية التي يكنها كل طرف لمعتقدات ومواقف الطرف الآخر، من بين هؤلاء بعض من شارك في مؤتمرات التقارب المذهبية هذه وغيرها، ونكون حقا مسرورين لو اخبرنا السيد الديباجي عن النتائج التي تحققت من قيام هيئته ببذل قصارى جهدها في الاشهر الستة الماضية مثلا!
وحول موضوع حقوق البشر قال الديباجي ان تلك الحقوق موجودة لدى المسلمين قبل سنها بعد الحربين العالميتين الاولى والثانية! ولا ادري من اين جاء الديباجي بكلامه هذا، علما بأن مجرد اصرارنا على طرح مثل هذه الاقوال واعتبارها من المسلمات كاف لنسف اي محاولة للتقارب مع اي طرف آخر، فلا حوار بشروط ومواقف مسبقة!
نعود للبداية، ونقول اننا لسنا ضد الحوار ولا ضد التلاقي ولا ضد التفاهم، فهذا من اساسيات اي تفكير علماني مستنير، لكننا ضد القيام بأي خطوات كبيرة وضخمة ما لم تسبق ذلك خطوات اصغر واكثر اهمية وخطورة ونعني هنا خطوات التقارب بين المسلمين بعضهم ببعض، فكيف يمكن ان نقنع الآخر بمبدأ التقارب معه في الوقت الذي يرفض فيه غالبية رجال دين الحوزات الدينية مواقف زملائهم رجال الدين السنة والوهابيين والسلفيين منهم بالذات؟ وكيف يمكن ان نطلب من الآخر المسيحي او اليهودي وحتى البوذي التقارب معنا وغالبية غلاة كل من المذهبين يكفر أحدهما الآخر.
هذا هو الواقع، وهذه هي الحقيقة وادبيات كل طرف اكثر من كافية لأن تشي وتدل على حقيقة مواقفهم، وفي الاعتراف بالمشكلة نكون قد خطونا الخطوة الاولى في طريق الحل، ولكن ما اطوله من طريق، فليس من السهل الاعتراف بوجود مشكلة، دع عنك وضع حل لها.
* * *
ملاحظة: ورد في «الوطن» 15ــ12 على لسان السيد الديباجي نفسه، تعليقا على موضوع الاختلاف على تحديد يوم عيد الاضحى الاخير، ان لدى الشيعة عموما قناعة حول شرعية رؤية الهلال، ولكن (!!) بالرغم من ان جميع المتواجدين في المشعر الحرام مأمورون بمتابعة قرار تحديد يوم عرفة (وكأن هناك خيارا آخر)، الا ان الاختلاف على يوم العيد كان خارج نطاق الحج، فقرار تحديد اليوم يرجع لرأي المراجع العظام في بلادهم!
وهكذا نجد اننا في الوقت الذي نعجز فيه حتى على الاتفاق على تحديد يوم عيد الاضحى، نصر على التقارب مع المسيحيين واليهود!

أحمد الصراف
habibi [email protected]