سامي النصف

حكمة الأمة بين النباطة والجزمة

يعلم كل مراقب محايد، وجل الكويتيين سواء ممن يعتبرون الكويت وطنهم الاول والنهائي، أو ممن يعتبرونه وطنهم الثاني ـ بعد المائة ـ وممن لا يمانعون في التضحية بمصالحه وحتى ببقائه في سبيل خدمة ولاءاتهم البديلة أن اخوتنا وأحبتنا في فلسطين يختلفون على كل شيء الا انهم يتفقون في الاغلب حتى اليوم على عشق صدام، والايمان بصحة ما حدث لنا في 2/8/90، وتخطئة ما عملته الولايات المتحدة والقوى الدولية في 26/2/91، ومع ذلك فأواصر الاخوة والانسانية تفرض علينا تقديم النصح الصادق لهم هناك، ولحلفائهم الفاعلين هنا في الكويت ومن ذلك فعلى الجميع معرفة الحقائق التالية:

ان الرئيس محمود عباس هو ضيف رسمي على سمو أمير البلاد حفظه الله كما أنه ضيف الشعب الكويتي كافة ومن ثم على الجميع ابداء واجبي الضيافة والاحترام المستحقين له. ان الاشكال الحالي تسببت فيه أوامر قيادة حماس التي ارسلتها من مقرها الآمن في احدى العواصم العربية وتعرضت على اثره غزة ـ لا الضفة الغربية التي يحكمها رجال السلطة ـ لما قالت اسرائيل انها ستقوم به حال تعرضها لصواريخ حماس، وهي دولة ان قالت فعلت كما علمتنا تجارب الماضي. إذا قبلنا المستوى البعثي المنحط من صحافي صدامي اجير لا يمثل إلا نفسه، فإن أحدا لا يقبل التشبه بمثل ذلك التصرف غير المؤدب وغير المسؤول ممن يمثل الشعب الكويتي قاطبة كما أتى في المادة 108 من الدستور (عضو المجلس يمثل الامة بأسرها ويرعى المصلحة العامة) وحتى لا يصبح ممثل الشعب الكويتي الى ممثل على الشعب. نرجو ألا تتحول «المهرجانات العامة» الى «تهريجات» عامة عبر استخدام «النباطة» تارة و«القندرة» تارة اخرى واظهار قوة الحناجر واللوز من قبل من يحرضون الشباب على الثورة والخروج ثم يعودون بعد ذلك آمنين الى بيوتهم واحضان زوجاتهم. ان حدود وابواب الكويت ستبقى دائما وأبدا مفتوحة على مصراعيها «للمحرضين» ممن يودون محاربة الآخرين في فلسطين ولبنان والعراق وأفغانستان والشيشان وغيرهم، وهو أمر افضل من خطابات ساخنة تلقى في الساحات ثم تلغى من الاذهان بعد سويعات. في عصر المفاهيم المقلوبة وتحويل الابيض اسود والاسود ابيض لا نعلم كيف يتم تحميل دول التعقل والحكمة والسلام في المنطقة مسؤولية ما يجري وتتم تبرئة من حرض وأجج وفجر ويتم نسيان ان الدال على الشر كفاعله سواء بسواء؟!  ولا نعلم بنفس القدر لماذا تلقي بعض الحناجر الثائرة باللائمة عل‍ى معبر فلسطين الضيق مع مصر وتنسى في الوقت ذاته معابر أخرى تمتد لعشرات ومئات الكيلومترات مع فلسطين لا تطلق منها رصاصة أو تعبر منها خبزة؟ الحرب الحالية ستساهم في اكتساح الجناح اليميني المتشدد الانتخابات الاسرائيلية القريبة… كالعادة. ع‍لى «الداخلية الكويتية» ان تفرض هيبة الدولة في مثل تلك المهرجانات عبر منع رفع أعلام حماس وغيرها، كما تم في السابق منع رفع اعلام حزب الله حتى لا تتهم بازدواجية المعايير. لقد حان الاوان لنتخلص من نهج الغوغاء والتوقف عن تحكيم العواطف في قراراتنا القومية والاستراتيجية بعد أن جربنا هذا الاسلوب مئات المرات وانتهينا في كل مرة بهزائم مدمرة تسمى مجازا في القاموس العربي بـ «الانتصارات».

أخيرا نقول ألف أهلا وسهلا بضيف الكويت الكبير وصديقها ومحب السلام وصاحب الحكمة في التصرف والكلام الرئيس محمود عباس ولا عزاء على الاطلاق للاغبياء والمخدوعين والمغرر بهم، ممن إذا قبلنا خداع الآخرين لهم مرة فكيف نقبل بأن يلدغوا من نفس الجحر.. ألف مرة؟!

احمد الصراف

ضيف يوسف الجاسم وأنا!

طلب مني الصديق يوسف الجاسم مرافقته لاصطحاب ضيف كبير في زيارة لأهم معالم البلاد الحضارية. بدأنا جولتنا في منطقة الشدادية، التي اختارها يوسف لأهميتها المالية والعلمية حيث إن المصرف الذي يمثله الضيف سبق أن مول المقاول الذي أنهى بناء جامعة الكويت الجديدة الواقعة هناك.
أول ما استرعى نظرنا من بعيد كان منظر بوابة الجامعة المهيبة. عند وصولنا لها كان مسؤول العلاقات العامة بانتظارنا حيث شرح لنا رمزية البوابة وارتباط طرازها القوطي الشائع في الأندلوثييا، في اسبانيا، بتاريخ العرب هناك. وقد شعرت ويوسف بالفخر لهذا الإنجاز الهندسي الباهر، خصوصا بعد أن عرفنا بسعة اطلاع الضيف هندسيا. وما إن دلفنا تحت البوابة وأصبحنا في شوارع الجامعة الداخلية حتى انتابنا شعور بأننا نعيش في حلم علمي جميل، وأن الكويت ستكون شيئا آخر خلال سنوات قليلة، بفضل مخرجات هذا الصرح العالمي، والذي سيكون مفخرة هندسية وعلمية لكل العرب، وربما المسلمين أيضا، فقد كانت المباني العلمية التي صممت على طراز الباروك شيئا غير عادي بجميع المقاييس، بحيث تجعلك تشعر وكأن رائحة العلم تتسرب من خلال فتحات شبابيك قاعات المحاضرات في كل مبنى.
غادرنا الجامعة واتجهنا إلى مستشفى جابر في منطقة جنوب السرة وكانت زيارة مميزة بكل المعايير والأطوال والمقاييس. وقد انتبه الصديق يوسف لأمارات الحسد التي كانت بادية على وجه الضيف الأوروبي وهو يشاهد جمال المبنى وفخامته ونظافته والمستوى الرفيع للخدمة الطبية والتمريضية فيه، وقال الضيف إن المواطن الكويتي، والمقيم كلاهما، قد ضمن بهذا الصرح مستوى علاجيا لا يضاهى للسنوات العشرين المقبلة على الأقل. وقد تأسف جدا لفشل مصرفه في الفوز بتمويل مشروع بناء المستشفى بسبب فارق السعر.
غادرنا المستشفى واتجهنا لاستاد جابر الرياضي على الدائري السادس وشاركنا الضيف الشعور بالفخر، بعد أن استمع لشرح واف عن مزايا الاستاد غير العادية والتي دعت اللجنة الأولمبية العالمية دول العالم للاقتداء بمعاييره والاحتذاء بمواصفاته عند بناء أي مبنى مماثل. كما شرح المسؤول السرعة الخيالية التي اعتمد فيها المشروع ونفذ، وبالرغم من ذلك جاء في المرتبة الثانية بعد جسر الصبية، الذي حاز على المرتبة الأولى. وقال الضيف، الذي بدا على اطلاع كاف بمشاكلنا الكروية، اننا بهذا الاستاد العظيم سنقلب الطاولة على ابن همام وصحبه، وسيكون الدور عليه قريبا للجري خلفنا ومراضاتنا.
جسر الصبية كان هدفنا التالي حيث انطلقنا له من الدائري الأول بسرعة تجاوزت المائة بقليل. جمال المنظر من فوق الجسر خلب لب الضيف فطلب منا فتح نوافذ السيارة للاستمتاع بهواء البحر، ورائحة اليود والزفر المنعشة المنبعثة من مناطق تفريخ السمك، التي بقيت من دون تخريب نتيجة بناء الجسر. وخلال دقائق كنا على مشارف مدينة الحرير، التي كانت شيئا آخر، فقد ذكرتنا أحياؤها السكنية بالمدن الأميركية الجديدة الخلابة، التي بنيت على الطرز المكسيكية والدانمركية الحديثة بمسحة اسكندنافية واضحة. وقد أضعنا طريقنا لأكثر من ساعة بين ملاعب الغولف العديدة المنتشرة هناك، فقد تشابه علينا البقر، ولم نود أنا ويوسف حقيقة الخروج من تلك المنطقة بسبب خضارها العجيب.
انتهت جولتنا هناك في أحد مطاعم الداون تاون، الذي سيصبح قلب الكويت المالي خلال اشهر قليلة. وفي ذلك المطعم الدوار على قمة ناطحة سحاب تيسية (من تيس) الذي يتسع لأكثر من ألف شخص، تناولنا طعاما شهيا ونحن نستمتع بمنظر غروب الشمس في الأفق من جهة وتلألؤ أضواء منظر مدينة الكويت من الجهة الأخرى.
وهنا طلب الضيف منا إعادته إلى الفندق فما شاهده ورآه في ذلك اليوم يكفيه زادا هندسيا وثقافيا وعلميا ونفسيا وغذائيا لأشهر عدّة مقبلة، وقد أسفنا لطلبه، حيث إن في جعبتنا الكثير من المشاريع المماثلة التي كنا نود إطلاعه عليها والتي كانت وستبقى مصدر فخر كبير لنا ككويتيين مميزين!!
عند عودتي مساء ذلك اليوم للبيت قرأت في «السياسة» أن برج مبارك الكبير الذي سيتوسط إحدى أكبر ساحات مدينة الحرير سيكون الأعلى في العالم بارتفاع 1001 متر وستبلغ كلفة بنائه 86 مليار دولار، وسيتكون من 230 طابقاً، وسيجذب استثمارات كثيرة للكويت. وبالرغم من أن الموعد المتوقع للانتهاء منه سيكون في عام 2033، فان الحكومة الكويتية قررت الانتهاء منه مع نهاية عام 2009، كما طلبت الحكومة من المصمم إضافة طابق للمبنى في قمته يخصص جزء منه لعرض مشاريع الكلك الكويتية، وجزء آخر لعرض الدنابك والمراويس!!
ملاحظة: صاحب فكرة هذا المقال الحلم هو الصديق يوسف الجاسم.

أحمد الصراف