يقول مارتن نايملر Martin Neimoller، وهو نازي سابق، انه عندما بدأ النازيون بالقضاء على الشيوعيين في المانيا لم احرك ساكنا، فلم اكن شيوعيا، ولم اعبأ بالتالي لما كان يجري لهم من قتل وتشريد! وعندما بدأوا بحملتهم ضد «الديموقراطيين الاجتماعيين» التزمت الصمت، فلم اكن يوما «ديموقراطيا اجتماعيا»، وعندما اعلنوا الحرب على الاتحادات العمالية، لم افتح فمي معترضا، فلم اكن عضوا في اي اتحاد عمالي او مهني! وعندما جاءوا للقبض علي، بعد وشاية آثمة، لم يبق هناك احد ليقف معي ويدافع عني!
اكتب ذلك بمناسبة ما يتعرض له سكان غزة من قتل وتشريد على يد الآلة العسكرية الاسرائيلية، ففكر حماس وحكومتها لم يتركا لها صديقاً في العالم، غير بعض الجهات المتخلفة او العاجزة عن فعل شيء لمساعدتها، فقد رفض قادة حماس الاعتراف بوجود اسرائيل، وهذا من حقهم، ومن حق اسرائيل بالتالي ان تثبت ذلك الوجود، كما عادوا الولايات المتحدة، ورفضوا مساعي الاتحاد الاوروبي لجمعهم مع الاسرائيليين، وخسروا تعاطف الدول الخليجية ومصر بالذات، ورفضوا كل منطق وعقل في تعاملهم مع اخوانهم في منظمة التحرير والجبهات الفلسطينية الاخرى، كما لم يصدقوا جدية التهديدات الاسرائيلية بان آلتها العسكرية ستتحرك ان لم يتوقف ناشطو حماس عن اطلاق الصواريخ العشوائية باتجاه مدنها، ولم يتمكنوا، او ربما يشتهوا، قراءة اهمية زيارة تسيبي ليفني لمصر واستقبال مبارك لها في القاهرة، على الرغم من انها سابقة ذات دلالات مهمة، وقال اسرائيل ان لصبرها حدودا وان «إنف از انف»، ولكن حكومة حماس لم تأبه لكل ذلك، وبقيت وتيرة الحياة في غزة كما هي، وما ان بدأ القصف الاسرائيلي وسقط مئات القتلى وآلاف الجرحى، حتى صاحت حماس بان الهجوم غادر وغير متوقع!.
وبمناسبة النداء الذي اصدره رئيس المكتب السياسي لحركة حماس طالبا من الكويتيين مواصلة دعمهم لغزة الجريحة والمحاصرة، فإننا نتساءل فقط أين كان أهالي غزة بالذات يوم تعرضت الكويت للاحتلال والسلب والنهب من النظام العراقي الهمجي السابق الذي لم تردعه أواصر الأخوة والمحبة والقربى من أن يفتك بكل ما وصلت اليه يداه؟ هل وقف سكان القطاع على الحياد عندما تشرد مئات الآلاف من الكويتيين بعد أن فقدوا هويتهم ومستقبلهم وأملاكهم وبيارات نفطهم؟ ألم تهلل الجماهير الغزاوية في الشوارع مرحبة بذلك الاجتياح الهمجي مسرورة باحتلال صدام، مبتهجة لقيام دباباته بدك البيوت الآمنة وتخريب مؤسسات الدولة لغير سبب منطقي؟ الم يرفعوا صور الطاغية صدام داعين له بطول العمر ومطالبيه بالفتك أكثر بنا؟ آه كم هي ضيقة ذاكرة شعوبنا! ولكن مع كل هذا فإن انسانيتي تجعلني أترفع عن التصرف بمثل ما تصرف به الكثير من أهالي غزة بالذات تجاهي. فحبي لوطني لا يسمح لي إلا بمقابلة اساءتهم بالحسنى، وأن أضع الماضي خلفي وأقف معهم متبرعا بما استطيع من مال وما اتحمل من دم، ليس لخوفي فقط لما تبطنه الأيام لنا، ولكن لأن عدم الوقوف معهم يمثل خيانة لمبادئي!
أعلم جيدا أن لا أحد منهم سيقرأ هذا الكلام، وان قرأه فلن يعبأ به كثيرا، ولكني أكتبه لاقتناعي به وليس لاي امر آخر.
ولكن على أهالي غزة عدم نسيان أن من دفعهم للتصرف معنا في زمن الغزو والاحتلال العراقي بكل ذلك السوء لم يكن سوى حماس ومن كان وراءها من قيادات متأسلمة متخلفة لم تتغير منذ ما قبل غزو واحتلال الكويت وحتى اليوم! فهؤلاء هم الذين جلبوا لكم الدمار والفقر والمرض، وبعد أن قمتم باختيارهم من خلال صناديق الاقتراع. فتطرف قيادتكم الدينية السياسية لا يقل عن تطرف القيادة الاسرائيلية الدينية، وحماس هي التي أعلنت غزة «وقفا إسلاميا» لا يحق لغيرهم التواجد فيه وتملك أراضيه!
ونصيحة أخيرة، لا يغركم وقوف القيادات المتأسلمة في الكويت وغيرها من سلف واخوان وتلف من جماعة “النباطة” وربطات الجبين المضمخة بالألوان الحمراء، فهؤلاء لا هدف لهم غير البروز والمال، ومآسيكم ودماؤكم هي التي تزيدهم شهرة وثراء، فلا ايران ستنفعكم في نهاية اليوم ولا الأقطان ستقف معكم، فمصير غزة يكمن في أيديكم وعليكم الخلاص ممن وضعكم في هذا المأزق الذي لن تتمكنوا بسهولة من الخروج منه.. سالمين!
ملاحظة: طالبت القيادات الممثلة للسلف والاخوان وحزب الامة، وبقية الاحزاب غير الشرعية، عبر خطب ملتهبة القيت في ساحة الارادة، بفتح باب الجهاد امام الجماهير الاسلامية لتقوم بالتصدي لطائرات اسرائيل وصواريخها من خلف متاريس مصنوعة من قنادر «منتظر»! وعند انتهاء المهرجان «الخطابي» لم يتقدم احد للتطوع، بل غادر الجميع الساحة الى امان بيوتهم واحضان زوجاتهم وعناق ابنائهم والوثير من فرش صالاتهم لمتابعة برامج قنوات روتانا المسلية!