قال روبرت حسين يوما، وهو ممثل فرنسي من اصل تونسي اشتهر في الستينات بأدواره المتقنة والمعقدة، إنه يكره ان يقابل من يشبهه او من هو على شاكلته. ويتفق الكثيرون في ذلك معه من دون ان يعلموا. فالزيجات الناجحة او الصداقات الطويلة والمثمرة تدوم عادة بسبب الاختلافات، او المزايا والمواهب والصفات التي يراها طرف في الطرف الآخر ولا تتوافر فيه. وسبق ان رأينا ان اول مظاهر انفتاح الصين على العالم، قبل ثلاثين عاما، كان في قرار ترك الحرية للصينيين في التخلي عن الشكل واللون الموحد لما يرتدونه من ملابس، فالانسان بطبيعته ملول ويميل للتنوع والتغيير، كما يرى الاشياء نفسها التي يمتلكها اكثر جمالا في يد غيره. وقد كان لتلك الخطوة وقتها الاثر الايجابي العميق في نفوس مئات ملايين الصينيين!!
ولو قمنا بالعودة الى النصوص الدينية لوجدنا انها تحث على التغيير وترسخه، فلو شاء الخالق مثلا لجعل الجميع على دين واحد، بل فضل على ذلك، حسب النصوص نفسها، ان يجعل من البشر شعوبا متعددة الامزجة والعادات والتقاليد ليتعارف بعضها إلى بعض، وليس لتتحارب، او ينصهر بعضها مع بعض.
نقول ذلك بمناسبة المقال الذي كتبناه قبل فترة عن ظاهرة الاصرار على عقد مؤتمرات الحوار الديني، ومع الجانب المسيحي بالذات!! فغالبية المشاركين في تلك المؤتمرات، ومن جانبنا على الاقل، هم احد اثنين، إما أناس على ثقة بأن لا شيء سيتمخض عن تلك المؤتمرات، ولكن لا بأس من المشاركة فيها على اي حال، وإما اطراف يشاركون وهم على ثقة بأنهم قادرون، بالحجة، على «فر راس» الطرف الآخر، وجعله اكثر تقبلا لدينهم من تقبله لما شب عليه!!
وحيث ان غالبية المشاركين في تلك المؤتمرات وخصوصا في الجانب الاسلامي، هم من رجال الدين، فإن مهمة التقارب تصبح اكثر صعوبة ان لم تكن مستحيلة في جميع الاحوال.
وبالتالي من تحصيل الحاصل القول ان لا شيء تمخض او سيتمخض عن هذه المؤتمرات لا الآن ولا بعدها، لان في نجاحها قضاء على هوية طرف يجب الا يختفي، لتعلق وجود كل طرف على بقاء الطرف الآخر. فتميز الشيعة وانفراديتهم مثلا يكمنان في وجود سنة من حولهم، والعكس صحيح كذلك. وتميز اليهود نابع من وجودهم ضمن غيرهم من بقية البشر، فهويتي الطائفية او الدينية او السياسية لا معنى لها بغير وجود اصحاب هويات آخرين مخالفين لي، فلا يمكن ان يبرز اللون الاسود مثلا ويظهر جماله ان لم نضع ذلك اللون ضمن، او بجانب لون مخالف له، بحيث تظهر جاذبية وخصوصية كل لون وطرف وما يمثله من تميز وانفراد.
ولو نظرنا الى كل ما انجزه العالم في السنوات المائة الماضية في اي مجال انساني لوجدنا انه كان نتيجة تلاقح حضارات وافكار مجموعات من البشر المنتمين لاكثر من دين وثقافة. وبالتالي نحن بحاجة ماسة الى مؤتمرات حوار لا تهدف لتذويب الفوارق بين عقليات المشاركين فيها، فهذا اضافة إلى انه سوف لن يتحقق مطلقا، فإنه ضار لكل تقدم، بل مؤتمرات تسعى لقبول الآخر والعيش معه كما هو وتقبيله وشم رائحته ومصافحته والتعامل معه ورفع الحواجز من امامه واحترام عقيدته والاستفادة من تجاربه والاعتياد عليه كما هو، فهكذا يكون الحوار وليس بالمشاركة في المؤتمرات والانصات للممل من الخطب الطويلة والاستغراق في النوم خلالها ومن ثم توديع الجميع بعضهم لبعض على امل اللقاء مرة سابعة وعاشرة والف مرة لترداد الكلمات والجمل نفسها والاستمرار في مغالبة النعاس بالاكثار من التثاؤب.
ملاحظة: انسجاما مع فكرة هذا المقال، نتقدم بأجمل التهاني والتبريكات لجميع محبي السلام بعيد ميلاد رسول المحبة والسلام.
أحمد الصراف