محمد الوشيحي

«سلّط على النصراني»

«من دون تفكير، الإجابة: بندر بن سرور العتيبي»، هذا ما قلته للأصدقاء عندما سئلت عن «شخصية تتمنى وجودها معنا الليلة في الديوانية». فبندر رحمة الله عليه هو أحد عظماء الشعر في الجزيرة العربية، ولم أستغرب عندما علمت بأن الراحل الكبير أحمد الربعي يحفظ الكثير من أشعاره، فالربعي متذوق فاخر للشعر.
شرسة تلك المعارك التي دارت بين الدنيا وبين بندر، انتصرت هي عليه في النهاية، لكن انتصارها جاء بالغدر. انتصرت بعدما استعانت بالظروف والجبناء والأموال وسوء الحظ، والكثرة تغلب الشجاعة وأنا أخوك.
بندر ساءه أن تتلاشى الفروقات بين الرجال بسبب النفط، أو الزيت كما كان يسميه، فكتب قصيدة ولا أجمل، يقول في جزء منها: سلّط على النصراني اللي لقا الزيت، لعل نبع الزيت يعمي عيونه / لولاه تحتاج المراجل شفاليت، تحتاج شيء (ن) يقصر اللاش دونه /… إلى آخر القصيدة.
صدق بندر، فالنفط ركل بعض الرؤوس فطرحها أرضا، وانحنى ليصعد على أكتافه بعض أشباه الرجال. وأتذكر موقفا كلما مر في ذاكرتي أغمي علي لشدة الضحك…
قبل سنوات، كنت وصديق ننجز معاملة له في إحدى الدول العربية (أنا لم أقل الكويت)، فساقنا الروتين الطويل إلى ذلك المسؤول، تستطيع أن تقول عنه «حقير» وأنت مرتاح الضمير. كائن زوّر في الأوراق الرسمية فأصبح إنسانا. متعته تعذيب المراجعين. نشوته وقمة سعادته في البحث عما يعيق معاملاتهم. الناس أمامه في طابور طويل ممل، وهو يشخط وينطر حينا، ويتحدث في الهاتف ويضحك بجلجلة حينا آخر. باختصار «كل ما يفعل الحقير حقير». الطابور طال وصاحبي ينفخ ويتبرم ويتأفف من هذا الزمن الذي جعل مصالح الناس في يد مثل هذا الكائن.
وبعد طول انتظار، أمطرت سماء الرحمة ووصلنا الدور واستلم الحقير معاملة صاحبي، لكنه أزاحها جانبا وأمسك بالهاتف بطريقة مستفزة وراح يتحدث ويضحك بجلجلة، غير عابئ بالطابور الذي طال ولا بمصالح الناس. هنا ارتكز حاجبا صاحبي فانحنى على الطاولة وهو يكاد ينفجر لشدة الغيظ وهمس في أذن المسؤول: «ملعون أبو النفط اللي رزّك»، فأزاح المسؤول الهاتف عن أذنه وسأل صاحبي بدهشة: شنو؟ فتكفلت أنا بالترجمة الفورية وانحنيت بدوري لأهمس في أذنه: «يقول إنك حقير»، وأطلقت ضحكة مجلجلة كضحكته الحقيرة، هاهاها، فاعترض صاحبي على الوصف، وصحح معلومتي: «لا، هو جبان»، فغضبت ورددت على صاحبي: «أنا أقول انه حقير، تراهن؟»، ورحنا نتبادل وجهات النظر حوله بينما عيناه تنتقلان بيننا، رايحة جاية، وكأنه يتابع مباراة في التنس الأرضي، قبل أن «يوقّع» المعاملة ونغادر مكتبه وأنا في حيرة من أمري، هل أضع يدي على بطني الذي آلمني لشدة الضحك، أم أمسح بها دموعي… غادرنا المبنى وأنا أغني وصاحبي يردد خلفي: «سلّط على النصراني اللي لقا الزيت…».
واليوم أكرر الأغنية لكن في اتجاه آخر، في اتجاه من لا يجيد سوى محاولات سرقة النفط تحت مسميات مختلفة… «لعل نبع الدّاو يعمي عيونه».

آخر مقالات الكاتب:

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *