في عام 2008 وصلت اسعار النفط الى 150 دولارا لمدة قصيرة دون رغــبة او ارادة من الدول المنتــجة وقـــد نتج عن ذلـك الأمر اقتناع شعوب العالم أجمــع بضــرورة ايجاد السبل الكفيلة بالاستــغناء عن الــنفط كسلعة استراتيجية وتحويله الى مادة خام خاملة كالفحم والموز وغيرهما.
لذا فحرصنا الشديد على حسن اختيار شخوص الحكومة المقبلة يكمن في حقيقة انه قد تواجهه ازمات «اقتصادية» غير مسبوقة في تاريخ الكويت بسبب اسعار النفط التي قد تنخفض بشكل دائم وعندها ستصبح الازمات «السياسية» السابقة امرا لا يقارن على الاطلاق بتلك الاشكالات الاقتصادية والمالية.
فأقسى وأشد الأزمات السياسية الماضية تمت وأسعار النفط في ارتفاع متواصل ولم تمس أمور عيش المواطنين حيث لم يتم خفض سعر الدينار او رفع اسعار المحروقات او ازالة الدعم عن المواد الغذائية او اللجوء لإيقاف عمليات التوظيف والبدء بعمليات الاستغناء عن المواطنين في القطاعين العام والخاص كنتيجة منطقية لتلك العجوزات في الميزانية.
ومما لا أستوعبه ولا يستوعبه كل مواطن شريف غيور على بلده مفهوم نرجو خطأه، مضمونه ان القوى السياسية والنواب لا يؤيدون ولا ينصرون إلا حكومة تضم من يزكونه حتى لو ثبت خطؤه وتعديه على الأموال العامة، وأما من هو خارج تلك التزكية فلا يستحق الدعم والنصرة والمؤازرة حتى لو كان أنقى وأطهر وأكفأ الناس.
لقد كانت الكويت حتى عقود قليلة في أشد حالات الفقر والفاقة رغم ان عدد سكانها لا يزيد آنذاك على 100 ألف نسمة من العاملين المنتجين المكافحين وعلى نفس رقعة الارض الحالية ثم أتى الذهب الأسود ليغيرنا من حال إلى حال، لذا يجب ان نأخذ على محمل الجد الشديد احتمال بقاء اسعار النفط في مستويات منخفضة لأجل غير مسمى فنحن في النهاية بلد لا زرع ولا ضرع ولا اقتصاد ولا خدمات ولا استثمار ولا سياحة فيه، وعلينا ان نحتاط للأسوأ وان نجهز الدواء قبل «الفلعة» فذلك ما تقتضيه الحكمة والعقل.
ان الملفات السياسية القادمة بحاجة الى عقول خير من العقول التي ورطت الحكومة المستقيلة في اكثر من مطب، كما ان الملفات الاقتصادية (الاهم) بحاجة كذلك لعقول خير من العقول التي ثبت خطأ أقوالها وتوقعاتها أكثر من مرة، ان الذكاء والاحتراف عملتان نادرتان والبحث عمن يتصفون بهما عملية مضنية للغاية الا ان للحصول على هؤلاء فوائد ومنافع جمة لا تعد ولا تحصى، وواجب حكومة «التغيير» ان تصل اليهم وتفاجئنا بوجودهم ضمن طاقمها القادم.
آخر محطة:
أحد أسباب نهضة الكويت الحديثة في الستينيات ان الآباء المؤسسين كانوا يحسنون الاختيار ويفرقون بين من يوفر ويعمر من ناحية ومن يخرب ويدمر من ناحية أخرى والموضوع ذو شجون.