استاذنا الأنيق سمير عطا الله الذي تتطلب قراءة مقالاته توافر قطعة كرواسان وفنجان قهوة وربطة عنق بخطوط مائلة، كثيرا ما غافلته وقرأته منبطحا من دون اي كرواسان – اي والله – وبسببه ادركت وغيري، بالدليل الساطع وبما لا يدع مجالا للعك، الا خلافات عائلية بين الكتابة السياسية والادب كما يشيع قليلو الادب. وشاهدنا الانيق وهو يربط الجملة السياسية هذه بتلك بحبل وثيق من الادب، او بحبل من الادب الوثيق. فتعلمنا. متابعة قراءة سمير عطا الله … إليك النواقص
اليوم: 21 ديسمبر، 2008
نحتاج لصدمة تغيير موجبة
نحتاج ضمن الحكومة القادمة الى وزراء اذكياء وما اندر الاذكياء في الكويت، والى وزراء امناء وما اقل الامناء في بلد أصبح فيه تحصيل الثروات مقدما على خدمة الاوطان، ونحتاج للاكفاء ممن تمنع كفاءاتهم وقدراتهم الحكومة من السقوط في الاحراجات المتكررة.
ونحتاج الى تبني شعار «التغيير» قولا وعملا، فالعودة لمنهاج «التقليد» والعمل بما عملناه في المرات السابقة سيؤديان بنا قطعا الى نفس مسار الازمات والاستجوابات والمشاحنات السياسية المتواصلة، والتي يقوي الطرف المعارض فيها وفرة الاخطاء من قبل من تنقصهم القدرة على اتخاذ القرارات الصحيحة والترويج لها من الوزراء والوكلاء والمديرين في الادارات الحكومية المتعاقبة.
كما يحتاج الامر الى منظرين ومفكرين يجيدون رسم السياسات الحكومية الذكية التي تقنع الناس ويستطيعون الدفاع عنها تحت قبة البرلمان وخارجه، ولا تحتاج الحكومة القادمة بالمقابل لأصحاب التكتيكات الخاطئة أو الى من ترتعد فرائصهم مع كل صرخة توجه اليهم، فمثل هؤلاء الناهلين من خير الحكومة هم في الواقع عالة كبيرة عليها.
ولا حاجة في هذا السياق لإعادة من تمت تجربته وافتضح أمره وثبت أنه يود الوصول للمناصب العامة لأجل الصفقات والعمولات والرغبة في الثراء الشخصي، ومن هؤلاء المجربين من ورط البلد في السابق في قرارات ادت الى ازمات وكوارث وكلفة ضخمة على الاموال العامة، فما الرسالة التي سيتلقاها الشارع الكويتي عندما يجد اسماء هؤلاء «المجربين» ضمن الوزارة القادمة؟!
وهناك كذلك شخصيات عامة نظيفة تمت تجربتها في اكثر من موقع بارز في السابق وأعطت ما عليها واكثر واصبحت اقرب لليمونة التي تم عصرها أكثر من مرة، فما الفائدة من الاعتقاد ان لديها جديدا تعطيه، ان الحكومة القادمة بحاجة الى التغيير لكسب ود الشعب عبر الاستعانة بدماء جديدة ذات فكر جديد، وهذه للعلم اهم مواصفات الاستحواذ على التأييد الشعبي في الديموقراطيات المتقدمة.
ومن الامور الواجب الانتباه لها حقيقة ان بعض القوى السياسية لا ترشح عادة الا المنضوين تحت لوائها، والكويت اكبر كثيرا من كل الكتل السياسية مجتمعة، والواجب الا تنحصر الرؤية فيما يقدم من تلك الاسماء كي لا ترسل رسالة خاطئة تدفع الجموع للانضمام للكتل كوسيلة للترقي وتحقيق الطموح الشخصي، بل يجب الخروج لفضاء الكويت الواسع والفسيح الذي يزخر بالاكفاء والامناء والاذكياء راجين ان يصاب الشعب الكويتي هذه المرة، حال ظهور التشكيل الحكومي الجديد، بصدمة التغيير الموجبة بعيدا عن منهاج الصدمات السالبة المتكررة.
آخر محطة:
«الشرقة» تحدث عندما تدخل قطعة طعام بطريق الخطأ الى مسار الهواء في الانسان فتسده وهي احد المسببات الرئيسية للوفاة في الولايات المتحدة ولا يحتاج الامر الا الى الوقوف خلف المصاب ورفعه من عند الحجاب الحاجز كي يدفع الهواء الخارج تلك اللقمة بعيدا عن المجرى، توفي في الفترة الاخيرة طفلان بسبب «الشرق» الذي يمكن ان يحصل في البيوت والمطاعم والاسواق والمدارس ولا وقت حينها للهلع أو طلب الاسعاف، حيث سيموت الدماغ او المصاب قبل الوصول، وبدلا من التوعية العامة بكيفية التعامل مع الحالة يحاول البعض للاسف ان يستغلها لخلق ازمة سياسية جديدة، ولا حول ولا قوة الا بالله.
بها فقط يكمن الحل!
تجارب الكويت السياسية، لفترة ما بعد الاستقلال واصدار الدستور وانتخاب مجلس امة من 50 عضوا، اثبتت ان الديموقراطية، مهما كانت درجة تقدمها، لا تكفي بحد ذاتها لضمان حقوق الانسان، وحقوق الاقليات والفئات الخاصة بالذات. فجميع الدول العربية والاسلامية التي تتبع النهج الديموقراطي، وما اقلها، غير قادرة على حماية الحريات المدنية لافراد المجتمع المدني لاسباب كثيرة يعود البعض منها لخلل تاريخي متجذر في طريقة تفكير قيادات هذه الدول، فالشطط المتطرف الذي قوبل به طلب بناء مسجد لطائفة «البهرة» المسلمة والمسالمة مثلا اظهر بوضوح كم هي ديموقراطية عرجاء عاجزة، واحيانا مزيفة، فما حصل مع البهرة يحصل كل يوم مع الاقليات الطائفية والدينية الاخرى، من شيعة ومسيحيين كويتيين، دع عنك ما يلقاه اتباع المذاهب والديانات الاخرى من غير المواطنين! فالمجتمع الكويتي اعتاد – خلال السنوات الاربعين الاخيرة، ومع انهمار اموال البترودولار – تهميش مواضيع كرامة الفرد واستقلاليته الفكرية، وكمثال صارخ على
ذلك ما يتعرض له معرض الكتاب كل عام من سلخ وشطب، اما ما تتعرض له حقوق المرأة من انتهاكات يومية في اروقة المحاكم فحدث ولا حرج، وربما يكون موضوع رفض كل الدول الاسلامية تقريبا التوقيع على مواثيق حقوق الانسان بنسختها الاصلية، ومن غير تحفظ، دليلا دامغا آخر على ان الديموقراطية التي نتكلم عنها ونؤمن بها في الكويت وغيرها من الديموقراطية الشرق اوسطية هي تلك التي تناسب مزاج الفئات المسيطرة ذات الصوت العالي والفهم المحدود لحقوق البشر الآخرين.
وبالرغم مما تعتقده الزميلة المبدعة ايمان البداح (الجريدة 29-11) من ان القانون كان وسيبقى بيد السلطة التشريعية، التي لا تقدر الحريات الفردية الدستورية، وان وسيلتنا الوحيدة للخروج من هذا المأزق، برأيها، تكمن في اللجوء للمؤسسات المدنية التي ستضغط على التعليم الذي سيخلق القيم الدستورية لدى النشء منذ الصغر، حتى لا نعيد انتاج التخلف والدكتاتورية، لكن المسألة اعقد من ذلك بكثير، فما العمل ان لم تتحرك مؤسسات المجتمع المدني؟ وما الضمان بأن هذه المؤسسات سوف لن تقر مناهج دراسية شبيهة بالحالية؟ وكيف يمكن الفكاك من اسر الفكر الديني بمجرد التمني وانتظار ما ستقدم عليه المؤسسات المدنية، وما العمل ان لم تسمح السلطة لهذه المؤسسات بالتدخل في التعليم العام والديني بالذات؟
الحل، برأيي المتواضع، يكمن فقط في وصول قيادة سياسية مؤمنة بفصل الدين عن الدولة للسلطة والتي بامكانها القيام، حتى قسرا لو تطلب الامر ذلك، بتطوير المناهج الدراسية وجعلها متسقة تماما مع مناهج المجتمعات المتقدمة والمنفتحة والاكثر انسانية، وهو الامر الذي حاول الكثير من قادة الدول الاسلامية القيام به من امثال محمد علي باشا ورضا شاه ومصطفى كمال، ولم ينجح منهم بشكل جذري غير الاخير الذي حول تركيا من دولة مهزومة ومتخلفة لدولة عصرية صناعية متقدمة بمعنى الكلمة، من دون ان تفقدها العصرنة جذورها الدينية، وهذا ما نحن بحاجة اليه، ومن دون ذلك فلا تقدم ولا اقتصاد صلب ولا استقلال حقيقي ولا كرامة وعزة نفس بالتالي. فبالعلمانية وحدها يمكن تأمين العيش المشترك لجميع فئات المجتمع وبها يمكن الالتزام بتوفير دور العبادة لكل المواطنين والمقيمين على ارض الدولة من دون تردد، كما انها المعززة لمبدأ فصل السلطات، وتحت ظلها تكون السيادة للقانون وليس لنصوص الفكر الديني، لانها ترفض حتى مجرد فكرة المحاصصة السياسية على اسس دينية او مذهبية، وبها تصان حرية الفكر والتعبير والنقد والقول وتشجع مختلف الانشطة الثقافية الادبية والعلمية.
ملاحظة: تقدم النائب حسين القلاف بمجموعة اسئلة لوزير الدفاع (القبس 3-11) تعلقت بفضيحة قوارب الـManta والـNaja الفرنسية التي قامت الوزارة بشرائها قبل سنوات وتبين عدم صلاحياتها لاي مهام عسكرية بحرية جادة، وحيث ان الاسئلة تضمنت طلب تزويد النائب بالاجراءات التي اتخذها الوزارة لمحاسبة من تسبب في جلب اسلحة غير صالحة للاستعمال، وعما اذا جرت محاسبة المسؤولين عن هدر المال العام وشبهة التنفيع، فإننا نؤكد للنائب المحترم أنه سوف لن يحصل على اجابة عن سؤاله، وعليه الانتظار لبعض الوقت، فأما ان تنتهي مدة نيابته او تتغير الوزارة، او يحل البرلمان وفي كل الحوال سيسقط السؤال بالتقادم او صريع المصالح الكبيرة.
أحمد الصراف
الديك الأعرج… ابن الدجاجة العرجاء
قبل فترة، أرسل لي زميل تونسي مجموعة من قصص الحكمة الصينية ترجمها الأديب التونسي إبراهيم رغوثي، ووجدت في الكثير من تلك القصص الرائعة ما ينمُّ عن عقلية عبقرية، وخصوصا قصص الكاتب الصيني ليو دي هيو، ما رأيكم لو قرأنا معا اليوم، تلطيفا للنفس من الكثير من العناء، قصة الديك الأعرج ابن الدجاجة العرجاء؟
تقول القصة:
اصطاد ثعبان ديكا أعرجَ واستعدَّ لالتهامه، لكن ثعلبا سرقه منه بحركة سريعة بارعة، ولم يترك له فرصة لاستعادته، فقال الثعبان: أنا من اصطاد هذا الديك البَرِّيَّ فمن حقي أن أتمتع بأكله!
ردَّ عليه الثعلب: سيكون من نصيبي يا ثعبان، فمنذ شهر، أوقفته وعضضته من إحدى قائمتيه… أنظر مليّا، أليس هذا الديك أعرج؟
أمام هذه الحجة الدامغة ترك الثعبان الديك للثعلب، واستعد الثعلب لالتهام الديك لكن ذئبا انقضَّ على الفريسة وخلصها منه، فلم يستسلم الثعلب بسهولة، وصار يحاجج الذئب: إنه ديكي يا ذئب… أنا من اصطاده، فهو ملكي ومن حقي التهامه… فلماذا تسطو على رزق غيرك أيها الظالم الغشوم؟
ردَّ الذئب مبتسما: هذا لن يكون أبدا يا ثعلبي العزيز… ولتعلم أنني اصطدت هذا الديك منذ ستة شهور لكنني لم آكل هذا الطائرَ البَرِّيَّ لأنه كان هزيلا، فربطته في كهف وجعلت أسمنه، ومع حرصي الشديد، غافلني ابن الدجاجة الملعونة وفرَّ بجلده. أنظر مليّا، ألا ترى ذيله المنتوف يا ثعلب؟
كان الثعلب يعرف أن ما قاله الذئب كذب في كذب، وأن مقولته لا أساس لها من الصحة مثلها مثل تأكيداته هو للثعبان، ولكن ما حيلته أمام حجج الذئب الدامغة، فتخلّى له عن الديك.
في تلك اللحظات، وصل نمر بغتة… انقض على الديك وخلصه من بين أنياب الذئب الذي صاح محتجّا: اترك لي ديكي أيها النمر، فأنا من اصطاده… إنه رزقي الحلال.
فردَّ النمر على افتراءات الذئب قائلا: هذا غير صحيح يا حبيبي؛ لأن هذا الديك ملكي الخاص… لقد حجزت هذا الطائر منذ سنة، والله لأقْطعَنَّ اليد التي تمتد نحو ريشة من ريشه.
فارتفع لغط الذئب والثعلب والثعبان، لكن الأخير، أي الثعبان، كان ذكيا فقال للنمر: هذا كذب بائن يا نمر، فعمر هذا الديك أقل من سنة، هات حجة أخرى إن كنت صادقا؟
فقال لهم النمر هادئا مطمئنا: كلامكم سليم يا أحبابي، ولكن لتعلموا أنني اصطدت منذ سنة دجاجة عرجاء وبلا ذيل، فاستعطفتني هذه الدجاجة المسكينة وطلبت مني أن أطلق سراحها، ووعدتني بأن تهبني كل فراخها مقابل عطفي وكرمي… انظروا أيها العميان، أليس هذا الديك أعرج وبلا ذيل؟ إنه بلا شك واحد من ذرية دجاجتي، فمن العدل إذا أن يكون من نصيبي