السياسة المحلية الآن بين الشوطين، فريق البرلمان يلعب بالناشئين المطعم ببعض الخبرات ومع ذلك هو يدبغ فريق الحكومة دبغا مبينا، والبرلمان سيهبط مستواه إذا استمر في اللعب مع الحكومة هذه، ويحتاج إلى معسكر خارجي يلعب فيه مع فرق قوية الهجوم والدفاع، ليكتشف مناطق ضعفه وقوته… وإلى أن يطلق الحكم صافرة بداية الشوط الثاني سـ«نقزّرها» في مقالات تنظيرية…
أيام دراستي في الثانوية، إن لم تخني ذاكرتي الخوّانة، اكتشفت أنني الأفضل حسبا ونسبا ودينا ومذهبا على طول امتداد الكرة الأرضية. يا ما أنت كريم يا رب. فأنا ولدتُ من دون أي مجهود مني، هكذا، تزوج والدي رحمة الله عليه من والدتي فأنجباني، سبحان الله. ومن هنا بدأت أمجادي تنهمر فوق رأسي المبارك. فأنا أعتنق أفضل الأديان على وجه البسيطة، الإسلام. وأنا أتبع أفضل المذاهب، المذهب السني. وأنا عربي، أو عربي أنا، كما قال العلامة يوري مرقدي في فيديو كليبه الجميل. وأنا من قحطان، وما أدراك ما قحطان، ويحك وويح أمًك التي جابتك، قحطان هم أصل العرب وخيارهم، ومنبعهم اليمن. وأنا من قبيلة «يام»، أو بالأحرى قبائل يام، وقد كتبت في يام وعن يام قصيدة طويلة قوامها نحو أربعين بيتا حربيا حماسيا، أثناء تواجدنا في الخندق على حدود العراق، بعد تهديد صدام الأخير للكويت، وكنت أقول لعساكر السرية التي أقودها: «الحرب تجمع الحطب الآن، ولا ينقصها سوى الكبريت، وكل منكم يفاخر بأجداده، والحروب مهمتها إظهار حقيقة تاريخ الأجداد، فليكتب كل تاريخ أجداده بيده اليمنى»، وتراجع صدام فكفانا الله شر الحرب. المهم أنني من يام أتفرع إلى «وعيل» وهي الأكثر كرما، ومنها أتفرع إلى «آل العرجاء»، نسبة إلى جدتنا ذات الاحتياجات الخاصة رحمها الله، وآل العرجاء هم خيرة أبناء القبائل، لا إله إلا الله، وهم «لابة (ن) من جن تمشي على هيئة بشر»، كما يقول الشاعر ضيدان بن قضعان. ومنها أتفرع إلى أفخاذ صغيرة تقودني إلى حمولة أو عائلة «آل وشيح»، وما أدراك من هم آل وشيح وما تاريخهم، هم أعظم الأعظم، على طول القبيلة وعرضها، وأنا ابن كبيرها… إذا أنا في الدين أفضل الأفضل، وفي النسب من نخبة نخبة نخبة النخبة، لا ينافسني سوى أخي سعود حفظه الله… كل هذا من دون تدخل مني، وإنما استلمت الأمور جاهزة، أقصد أمجادي.
هذا ما عرفته وما حفظته وفهمته أثناء مراهقتي، لكنني صُدمت، وما أشد الصدمات الكهربائية، صدمت حين عرفت بأن صاحبي المطيري يعتقد نفس الاعتقاد، تخيل، لا حول ولا قوة إلا بالله. أقول له، أنا من آل وشيح، هل تعرف معنى آل وشيح؟ فيقول، وأنا من آل فلان، وهم الأفضل! استغفر ربك يا رجل، اللهم لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا، يا رجل نحن من قتلت الحروب أجدادهم كلهم ولم يبق سوى رجل واحد، كلنا أو جلنا من سلالته! فاستشاط وراح يحكي لي بطولات «الجبلان» من مطير، وأنه هو نخبة نخبة نخبة النخبة، ورحنا نقارن ونقارن، ولم نتوصل إلى نتيجة.
وأثناء احتدام النقاش مع صاحبي المطيري دخل علينا جارنا الشيعي، واشترك معنا في الحوار، واستفتيناه أينا الأفضل، فأجابنا بأنه هو نخبة نخبة نخبة النخبة، قدر الله وما شاء فعل، من أين ظهر لنا هذا الشيعي المبارك؟
بعد ذاك، استغرقتني كتب التاريخ، فصفعتني على جبهتي الناصعة وصدغي العظيم، وعرفت واكتشفت أشياء وأشياء، فامتنعت منذ ذاك عن مناقشة المطيري والشيعي، ورثيت لحالي وحاليهما وحال عيال بطنها وحال العرب أجمعين.