على مستوى دول مجلس التعاون الخليجي كلها، بدأت ظاهرة «المستشارين» قديما، وربما منذ عشرينيات القرن الماضي إذ كانت بعض مشيخات الخليج تستعين بمستشارين من هنا وهناك للمساهمة في تسيير أمور الدولة وتخطيط حاضرها ومستقبلها، وكان لبعض المستشارين دور لا يمكن إنكاره في تحقيق مراحل تطوير حقيقية مشهودة، فيما كانت للبعض الآخر صفحات سوداء سجلت في تاريخ هذا البلد أو ذاك، لا يمكن أن تنسى.
وعلى أي حال، ليس حديثنا هنا لتوثيق أسماء ومساهمات بعض المستشارين وأدوارهم فقد رحلوا وبقيت بصماتهم الجيد منها والسيئ، لكن الذي لا يزال قائما هو الاستعانة بخبرات من مختلف الدول، وبعضها من دول عربية، لتقديم الدراسات والتقارير الاستشارية للحكومات… إن الملاحظ على مدى السنوات العشرين الماضية، أن دول الخليج العربي مرّت بأزمات سياسية ومالية متعددة، وكان لبعض المستشارين حضور واضح في إثبات فشلهم في القدرة على تقديم الرؤى الواضحة والدقيقة في استشراف المستقبل، بل ما يلاحظ أن بعض أولئك المستشارين الذين يتقاضون أجورا خيالية وامتيازات لا يحلم بها من هو في مثل مستواهم وأفضل منهم من أبناء الخليج من الخبرات والطاقات الخلاقة، كانوا سببا في تعطيل الكثير من الخطط والبرامج التطويرية، وكان جل ما يقدر عليه بعضهم تقديم التقارير والاستشارات المبنية على الخيالات والدوافع الافتراضية غير المستندة على حقائق، ما أسهم في وقوع بعض دول الخليج في مشاكل سببها كذب أولئك المستشارين وعدم دقة تحليلاتهم.
والسؤال هو: «مع ثبوت فشل أداء الكثير من المستشارين، لماذا الإصرار على الاستعانة بهم في الوقت الذي تزخر فيه دول الخليج بالكثير من العقول من أبنائها؟ وهل لا تزال (عقدة الخواجة) متأصلة ومؤسسة على قناعة بأن ذوي الشعر الأشقر، أو أولئك الفطاحل من المستشارين العرب، يمتلكون عقولا وأفكارا وعبقرية لا يمكن أن تتوافر في أبناء البلد؟».
لسنا بالطبع ضد المستشارين ذوي الكفاءة من أصحاب الضمائر الحية، ولكن آن الأوان لإحداث تحول في رسم سياسات دول الخليج بالاستعانة بالخبرات الوطنية، وقد أثبتت بعض التجارب نجاحها، نأخذ على سبيل المثال دولة الإمارات العربية المتحدة، ودولة الكويت اللتين أدركتا أن من المهم منح الفرصة للخبراء الاستراتيجيين من أبناء البلد لوضع السياسات والبرامج والخطط، فكانت النتيجة مثمرة على صعيد تنشيط الاقتصاد وتطوير التشريعات والنظم وإحداث طفرات مميزة في مجالات التعليم والصحة والعمل الاجتماعي، بل وحتى على صعيد تنمية الطفولة والشباب، فيما لا تزال بعض الدول تقع في أزمة تلو الأخرى بسبب سوء تقدير وأداء مستشارين اعتادوا على الكذب وتقديم التقارير المليئة بالخيالات المخيفة والمقلقة وتلك التي لا تقوم على الأسس العلمية في التحليل والاستنتاج، حتى أن بعض دول الخليج لا تزال تعاني من معوقات متعددة على صعيد استكمال مؤسسات المجتمع المدني وتعزيز العمل الديمقراطي والتعامل مع قضايا مهمة مثل البطالة والتصدي للفقر وتمكين المرأة وتنمية الاقتصاد الوطني، والسبب في ذلك، رؤى استشارية لا تعدو كونها سيناريوهات لا تصلح حتى لفيلم «هندي»