الله يمسيه بالخير ذلك الشايب، كان يمتلك الكثير من فراسة البدوي، وكان يدقق النظر في وجه بوش ويقول: «عيون النصراني هذا عيون الشجاع»، ويدقق مرة أخرى وبجدية لا حدود لها في عيني بوش ثم يردد: «أشهد بالله أن عينيه عينا شجاع»! إلى أن جاءت ليلة ظهر فيها بوش في نشرة الأخبار يلوح بيده ويقبل زوجته، فصرخ الشايب مستنكرا: «الخبيث ديوث»؟
عبثا حاونا أن نشرح له بأن عاداتهم في أميركا لا تمنع مثل هذا التصرف بين الأزواج، بل بين العشيقين، وأمام الناس، لكنه أصر على أن بوش لديه بيت يستطيع أن يقبل فيه زوجته ويفعل معها ما يريد، أما أن يقبلها أمام الناس فهذه «دياثة» لا مراء فيها. وماذا عن شجاعته طال عمرك وهو الديوث؟ سألته فأجاب: «ما على هذي من هذيك»، أي لا دخل لهذه بتلك، هو شجاع وديوث في وقت واحد، الخبيث. متابعة قراءة تحشيش
اليوم: 11 ديسمبر، 2008
الوزارة الشابة القادمة وأدوار الوزراء فيها
لنبدأ بوزراء الأسرة الحاكمة والذين نعتقد ان ادوارهم تختلف عن ادوار الوزراء الآخرين فلا يطلب منهم الدخول في اللغو والقضايا الخلافية مع النواب والكتل السياسية حرصا على مكانتهم وحماية لهم من التجريح خاصة ان منهم أمراء المستقبل لذا فإن طلب من غيرهم من الوزراء الكلام، فالافضل لهم الصمت على ان يضربوا القدوة الحسنة في العمل وفي حسن اختيار القيادات الادارية التي تعمل معهم.
ويمكن النظر في خلق عرف ديموقراطي يبعدهم عن عمليات الاستجواب وبالمقابل من يثبت عليه بالدلائل والقرائن الخطأ الجسيم او التجاوز يطلب اعفاؤه على الفور من منصبه الذي هو نهاية مطاف عملية الاستجواب حفاظا على كرامة الاسرة التي يمثلها وكي لا نصحو يوما ونجد اننا قد جرّحنا وضعضعنا مكانة كل امراء المستقبل، وللاعراف في الديموقراطيات المتقدمة قوة الدساتير واكثر.
وقد استمعت قبل ايام من عالم الفضاء المصري فاروق الباز ابان منحه جائزة مؤسســـة الفكـــر العربي مقولــــة صفق لها الجمهور طويلا وملخصهـــا انه وبهذه السن لا يحتــــاج للتكريــــم والجوائــــز ويفضل ان تقدم تلك الجوائز للشبــــاب كحوافـــز لهـــم، وبعد ذلك التقيت في سفــــرة لاحقــــة بكثير من وزراء المغـــرب ودول الاتحاد الاوروبي ولاحظــــت انهم جميعا في الثلاثينيات أو اوائـــل الاربعينيــــات من العمر حالهـــم كحال الرؤساء اوباما وبوش وكلينتون كونهم الاكثر عطاء وتحملا وتجديدا في العمل.
وما يحتاجه الأمر هو البحث عن الوزراء في مراكز عمل العقول الشابة الكفؤة من خريجي ارقى الجامعات والمعاهد لا في دواوين الحش والحكي، حيث ان تلك العقول لا ترتاد مثل تلك المنتديات بل تجدها متفرغة لتطوير ذاتها، لذا بودنا ان توضع لوائح بالمبرزين من شباب علماء معهد الأبحاث والاطباء والمهندسين وغير ذلك من مهن، وبذلك تسقط المحاصصة عن طريق توزير الكفاءات المحايدة التي لا يختلف اثنان على قدراتها ويصبح من واجب النواب والكتل اعطاء هؤلاء الشباب فرصتهم كاملة لخدمة الوطن لا ان يستبدلوا بالاستجوابات المباشرة كل اشهر قليلة، كي لا ننتهي باستبدال شعار «كل مواطن خفير» ليصبح «كل مواطن وزير».
وسيجد من يرغب ضمن القطاع الخاص قدرات وكفاءات شابة كويتية بارزة ومنجزة لم تتلوث بالروتين الحكومي المعتاد، والمهم عند الاستعانة بشباب ذلك القطاع ان نبعد عن اختيار من انتهوا للتو من اغراق ونهب الشركات الخاصة وبدأت شهيتهم تتجه لأمـــوال القطـــاع العام، فالقطاع الخاص كغيــــره مــــن القطاعـــات يضـــم بين اعضائه من هم اقرب للملائكـــة في نقائهــــم وضمنه كذلــــك مـــن هم اقرب للشيــــاطـــين في تدميرهــم.
مستشارو الكذب و…قلة «الحيلة»!
على مستوى دول مجلس التعاون الخليجي كلها، بدأت ظاهرة «المستشارين» قديما، وربما منذ عشرينيات القرن الماضي إذ كانت بعض مشيخات الخليج تستعين بمستشارين من هنا وهناك للمساهمة في تسيير أمور الدولة وتخطيط حاضرها ومستقبلها، وكان لبعض المستشارين دور لا يمكن إنكاره في تحقيق مراحل تطوير حقيقية مشهودة، فيما كانت للبعض الآخر صفحات سوداء سجلت في تاريخ هذا البلد أو ذاك، لا يمكن أن تنسى.
وعلى أي حال، ليس حديثنا هنا لتوثيق أسماء ومساهمات بعض المستشارين وأدوارهم فقد رحلوا وبقيت بصماتهم الجيد منها والسيئ، لكن الذي لا يزال قائما هو الاستعانة بخبرات من مختلف الدول، وبعضها من دول عربية، لتقديم الدراسات والتقارير الاستشارية للحكومات… إن الملاحظ على مدى السنوات العشرين الماضية، أن دول الخليج العربي مرّت بأزمات سياسية ومالية متعددة، وكان لبعض المستشارين حضور واضح في إثبات فشلهم في القدرة على تقديم الرؤى الواضحة والدقيقة في استشراف المستقبل، بل ما يلاحظ أن بعض أولئك المستشارين الذين يتقاضون أجورا خيالية وامتيازات لا يحلم بها من هو في مثل مستواهم وأفضل منهم من أبناء الخليج من الخبرات والطاقات الخلاقة، كانوا سببا في تعطيل الكثير من الخطط والبرامج التطويرية، وكان جل ما يقدر عليه بعضهم تقديم التقارير والاستشارات المبنية على الخيالات والدوافع الافتراضية غير المستندة على حقائق، ما أسهم في وقوع بعض دول الخليج في مشاكل سببها كذب أولئك المستشارين وعدم دقة تحليلاتهم.
والسؤال هو: «مع ثبوت فشل أداء الكثير من المستشارين، لماذا الإصرار على الاستعانة بهم في الوقت الذي تزخر فيه دول الخليج بالكثير من العقول من أبنائها؟ وهل لا تزال (عقدة الخواجة) متأصلة ومؤسسة على قناعة بأن ذوي الشعر الأشقر، أو أولئك الفطاحل من المستشارين العرب، يمتلكون عقولا وأفكارا وعبقرية لا يمكن أن تتوافر في أبناء البلد؟».
لسنا بالطبع ضد المستشارين ذوي الكفاءة من أصحاب الضمائر الحية، ولكن آن الأوان لإحداث تحول في رسم سياسات دول الخليج بالاستعانة بالخبرات الوطنية، وقد أثبتت بعض التجارب نجاحها، نأخذ على سبيل المثال دولة الإمارات العربية المتحدة، ودولة الكويت اللتين أدركتا أن من المهم منح الفرصة للخبراء الاستراتيجيين من أبناء البلد لوضع السياسات والبرامج والخطط، فكانت النتيجة مثمرة على صعيد تنشيط الاقتصاد وتطوير التشريعات والنظم وإحداث طفرات مميزة في مجالات التعليم والصحة والعمل الاجتماعي، بل وحتى على صعيد تنمية الطفولة والشباب، فيما لا تزال بعض الدول تقع في أزمة تلو الأخرى بسبب سوء تقدير وأداء مستشارين اعتادوا على الكذب وتقديم التقارير المليئة بالخيالات المخيفة والمقلقة وتلك التي لا تقوم على الأسس العلمية في التحليل والاستنتاج، حتى أن بعض دول الخليج لا تزال تعاني من معوقات متعددة على صعيد استكمال مؤسسات المجتمع المدني وتعزيز العمل الديمقراطي والتعامل مع قضايا مهمة مثل البطالة والتصدي للفقر وتمكين المرأة وتنمية الاقتصاد الوطني، والسبب في ذلك، رؤى استشارية لا تعدو كونها سيناريوهات لا تصلح حتى لفيلم «هندي»