المستشرقون الباحثون في التاريخ شدوا شعورهم وأصيبوا بنزلة هبل وهم يقرأون الأدب العربي عندما فوجئوا بكميات هائلة من المفاخرة والفشخرة بالتاريخ والأمجاد والأنساب. وعلى ايش؟ على الفاشوش والخرطي وشركائهما… خذها من عصر ما قبل الإسلام إلى اليوم الساعة سبع وثلث، أي عصر أميركا، وستكتشف أن العرب هم أرذل الأعراق وبجدارة، والأكثر تفاخرا بالتاريخ الفضيحة، لا ينافسهم في تدني درجة العرق وكثر المفاخرة سوى الأفارقة السود، والفرق ما بيننا وبين الأفارقة الأفاضل في هذا العصر هو النفط وما ترتب عليه من أموال ترفع الوضيع وتهين العزيز، وما سوى ذلك نحن والأفارقة في تطابق، الخالق الناطق! وهي معادلة ثابتة: كل من يفاخر بأصله يعاني من آلام في معدة التاريخ. عد للتاريخ واكتشف مجدك المزور يا عزيزي العربي.
قبل الإسلام، كان للعرب مملكتان: مملكة «المناذرة» وتتبع امبراطورية فارس، ومملكة «الغساسنة» وتتبع التاج الصليبي. ولا يتحارب الفرس والروم إلا نادرا، وبقية الحروب التي نشبت بينهما كانت عن طريق «الصبيان»، العرب التابعون لي يقاتلون العرب التابعين لك. ثم ان ملوك العرب آنذاك، الغساسنة والمناذرة، إذا ما دخلوا قصور «معازيبهم» ملوك الفرس والروم جلسوا مطرقين في مكان قصي، هكذا تقول كتب التاريخ المحايدة. وفي الوقت الذي امتلأت فيه قصور أعيان فارس والروم بالنساء العربيات، لم يكن أحد ليصدق أن عربيا تزوج من رومية أو فارسية، ولو تشقلب أمام أبيها والتهم النار. الناس مقامات يا ولدي، والأعراق درجات. والعرب والأفارقة من درجة «معلش» كلنا لها.
وفي فترة استثنائية اعتز العربان بالإسلام، ثم عادت الأمور إلى نصابها الطبيعي، فهؤلاء يتبعون التاج البريطاني وأولئك يتبعون الامبراطورية العثمانية، ولا تتحارب الامبراطوريتان بصورة مباشرة بل عن طريق «صبياني وصبيانك»، هذا بخلاف بعض الدول العربية الأخرى التي تقاسمتها شعوب العالم، خذ أنت الكتف العربي وأنا سآخذ الفخذ، وتعال معي نصفق للعرب ونقهقه وهم يتفاخرون بأمجادهم وتاريخهم المشرف.
والعرب يفاخرون بـ«عاداتهم»، الشهامة والشجاعة والكرم، ونحن أحفادهم نصدقهم، فلا مصادر أمامنا تكشف كذب أجدادنا الأوائل، ثم اننا نريد أن نصدقهم أساسا، فالمجد الجاهز المحفوظ على الرف قد ينفعنا في هذا الزمن الأغبر. في حين أن للياباني خصالا ثلاثا، ذكرها مؤرخو الغرب ولم يذكرها هو عن نفسه: «الصدق» الذي لا شبيه له في الأرض، ولو أنك اتهمت يابانيا ولو على سبيل المزاح بالكذب لقتلك، وأهون عليه أن تسرق أمواله من أن تتهمه بالكذب، والصفة الثانية «احترام الكلمة والموعد»، والثالثة «اتقان العمل»، فلا يمكن أن «يسلق» الياباني الأمور كما يسلقها العربان. ومع هذا نجد الياباني أقل الناس مفاخرة، ثم إنه من عادات الياباني أنه إذا تعرض لهزيمة قتل نفسه، فلا مكان على الأرض إلا للمنتصرين، هكذا تقول عاداته وتقاليده.
وبدءا من سوق عكاظ وانتهاء بشاعر المليون ستكتشف تزويرا في المحاضر الرسمية وستسمع تفاخرا عربيا ناصع الغثاء، وكلها، أو جلها، عن قتلهم وتنكيلهم بعضهم ببعض، حتى السيوف التي كانوا يستخدمونها في الحروب والبنادق لم يصنعوها بأنفسهم. وستدخل بعض المجالس «الديوانيات» فتجد السيف والبندقية معلقين على الحائط، ليش؟ فيجيبك الجلساء: ويحك هذا حفيد فلان الفلاني الذي قتل في يوم واحد نحو أربعين رجلا. إذا هو يفاخر بجدّه الذي ارتكب جنايات لا تعد ولا تحصى و«مسجل خطر»، وهو عدو للحياة والبقاء والنهضة. طيب مَن هم قتلاه؟ أبناء عمومته العرب، يا صلاة الزين! أجزم وأقطع بأن العرب ليسوا عالة على الأرض فحسب، بل كائنات مؤذية غبية، بشكل عام.
ولو أنك ذهبت لأي بقعة على الكرة الأرضية ودخلت مطعما يابانيا أو هنديا، فسيطمئن قلبك وستضحك مع جليسك بملء قلبك، في حين لو دخلت مطعما عربيا، فسيتناول أحدكما الطعام وسيراقب الآخر الأوضاع، ثم تتبادلان الأدوار، فأنت في حمى العرب، حمى الشهامة والمروءة والكرم والشجاعة.
وقد أصدق أي صفة أو نعت ينعت العربي به نفسه، إلا الشجاعة، حاولت ابتلاعها ولم أستطع، عفوا… على أن المضحك الآن هو أن الإيرانيين لا يتخيلون العرب أندادا لهم، والإيرانيون عرق راق، كحال أعراق الشعوب الأوروبية التي لا تقبل الانصياع لأجنبي، ولو هزمتهم اليوم فسيهزمونك غدا ويستعيدون كرامتهم بسرعة، والعرب هزموا الفرس في قادسية عمر، فكرهه الفرس وشنعوا تاريخه ولم ينسوا جرأته تلك وتماديه عليهم، وسرعان ما استعادوا السيادة وأعادوا الأمور إلى نصابها، وها هم الآن «سادة» ولهم في الخليج العربي «وكلاء» عرب… ليعود العرب كما كانوا، من أرذل الأعراق، و«نحن قوم لا توسط عندنا، لنا الصدر دون العالمين أو القبر» و«خدري الشاي خدري».