في أكثر من مناسبة، أسقطت الكثير من الأضواء على «وزارة الداخلية» كهدف لكتابات كثيرة ماضية…بعضها يتصف بالقسوة حين لا تحسن الوزارة ومسئولوها، وبعضها يتصف بالإطراء والمديح حين يكون العمل المنجز لافتا للأنظار ومستحقا للثناء، فوزارة الداخلية، من وجهة نظري، ليست جهازا «قمعيا»وكلها شر مطلق، وليست أداة لقطع الأعناق والأرزاق، وليست هي – كجهاز مهم للغاية في منظومة الدولة – تستطيع أن تضع نهاية لكل قضايا البلد وملفاته ومشاكله بعصا سحرية.
ولهذا، يكون التحاور والنقاش مع المسئولين في الوزارة، يتصف بالصراحة المحترمة من الطرفين، ففي قضايا وظروف ومواقف متعددة، وجدنا في نخبة من المسئولين بوزارة الداخلية، تقديرا للموضوع المطروح قيد البحث والنقاش، سواء اتفقت وجهات النظر أم اختلفت…ولذلك، حين أثارت تصريحات وزير الداخلية الفريق الركن الشيخ راشد بن عبدالله آل خليفة ردود فعل «غاضبة في بعضها»و»عاصفة في بعضها الآخر»بشأن نقل الملفات وقضايا البلد الى «الخارج»في الاجتماعات والمؤتمرات الدولية، تعددت وجهات النظر حيال هذا الأمر بين فريق معترض ورافض للمادة (134) مكرر من قانون العقوبات التي تنص على عقوبة الحبس ثلاثة أشهر أو بالغرامة لكل مواطن حضر بغير ترخيص من الحكومة، أي مؤتمر أو اجتماع عام أو ندوة عامة عقدت في الخارج، أو شارك بأية صورة في أعمالها، بغرض بحث الأوضاع السياسية أو الاجتماعية أو الاقتصادية في مملكة البحرين أو في غيرها من الدول»، وهذا الفريق استند على أن مثل هذا القانون لا يتماشى مع مرحلة الإصلاحات التي تشهدها البلاد، فيما كان لفريق آخر موقف آخر ووجهة نظر أخرى تقوم على أساس أن نقل الملفات والقضايا المحلية إلى الخارج مرفوض، و فيه تشويه وإضرار بالبلد بل وإضعاف لهيبتها، وأيضا، له انعكاسات سيئة على الحراك السياسي والاجتماعي والاقتصادي وعلى الوحدة الوطنية، حتى لو تعثر التعاطي مع تلك الملفات.
لكن ليسمح لي القارئ الكريم أن أشير إلى نقطة من زاوية مختلفة، وهي أن تصريحات وزير الداخلية، كرّست شكلا من أشكال الاختلاف المحمود في وجهات النظر المختلفة، واحتفظ كلا الطرفين باحترامه وحقه في التعبير إلى درجة أنه عقدت ندوة للجمعيات السياسية أبدت فيها وجهة نظرها المشتركة والرافضة لوضع حدود على التحرك الداخلي والخارجي، فيما كان للطرف الآخر تحركات بلغت إلى حد رفع دعاوى قضائية والمطالبة بمساءلة من يفعل ذلك مساءلة قانونية.
وعلى أي حال، فتشويه صورة البلد، سواء كان ذلك على صعيد الداخل أم الخارج هو «منهج مرفوض»من وجهة نظري المتواضعة مع إيماني بأن هناك قضايا طال أمد البحث فيها دون الوصول الى بر الأمان، وسواء اعترض هذا الفريق على تصريح وزير الداخلية أو اتفق الفريق الآخر، يبقى الجانب المهم في الموضوع كله هو تفعيل اللقاء والتحاور على الصعيد الوطني من جانب المؤسسة التشريعية ومؤسسات المجتمع المدني والأجهزة الرسمية للتباحث بصدق وقناعة في الملفات ذات الحساسية العالية، والخروج بنتائج متفق عليها لحل الإشكالات المرتبطة بتلك الملفات.
وحتى لو وضع البعض اعتبارات لأهمية المشاركة الخارجية ونقل الملفات إليها، فلست أرى أن ذلك العمل يمكن أن يكون أجدى وأنفع من العمل على صعيد الداخل بجرأة وتفهم وتفاهم حتى لا يكون الأمر مجرد شعارات فضفاضة وصدام ينتهي إلى نتيجة شبيهة بنقل قضايا البلد إلى خارجه.
أعتقد أن تصريحات وزير الداخلية ستفتح المجال، لا لتقييد التحرك الخارجي من جانب النشطاء السياسيين وحتى البرلمانيين أنفسهم باعتبار أن هناك نقلة إصلاحية في البلد أتاحت مساحة واسعة مشروعة من حرية التعبير، بل للدفع في اتجاه تفعيل الحوار الوطني في القضايا المحلية المهمة، والسماح بتحرك أقوى لمن يريد أن يطرح كل قضية مهمة في حدود الداخل، على أن يكون هناك تفهم من كل الأطراف بأن النوايا تصب في مصلحة البحرين وشعبها، وليس للإضرار بها