لا توجد اليوم دولة موغلة في مظاهر التدين كإيران. فرجال الدين فيها، بمباركة من نائب الحجة، الولي الفقيه، يتحكمون في كل مفاصل الدولة، حتى في الوزارات والادارات العلمية او العالية التقنية التي لا تمت للتعليم الديني بصلة.
ويؤمن احمدي نجاد، رئيس جمهورية ايران، بأن تصرفاته، كما صرح بنفسه في اكثر من مناسبة، تملى عليه من قوى خفية يؤمن بوجودها، وان هذه القوى تبارك خطواته وسيكون لها الفضل في انتصاره على اعدائه واعداء وطنه! والطريف ان الرئيس الاميركي بوش يعتقد كذلك بأن قوى ربانية تملي عليه افعاله، ولكنها حتما تختلف عن التي يسمع الرئيس نجاد طنينها في اذنيه كل يوم!
كما تعتبر جمهورية ايران الغرب، واميركا بالذات، من اعدائها الذين يسعون للقضاء على نظامها الاسلامي، وبالتالي تشك في نوايا تلك الدول تجاهها، ولم يكن غريبا وصف السيد الخميني لاميركا بالشيطان الاكبر منذ اليوم الاول لنجاح ثورته، ولهذا رفض اسلوب الحياة الغربية، المتمثل بارتداء ربطة العنق للرجال والفاخر من الازياء للنساء، اضافة الى رفضه اشكال اللهو وأنواعه من مسرح وموسيقى وتمثيل ورقص وغناء، والتي اعتبرها من قشور «الحضارة الغربية».
على الرغم من كل مظاهر التدين والعفة والاستقامة هذه التي تلف الدولة من اقصاها الى اقصاها، فإن هذا لم يمنع اتباع النظام من الوقوع في الفساد وارتكاب اخطاء اخلاقية فادحة كثيرة، وهذا على الاقل ما تحفل به الصحف الايرانية اليومية، او ما ينجو منها من المصادرة والاغلاق!
يعتبر منصب وزير الداخلية في «جمهورية ايران الاسلامية» منصبا شديد الحساسية، ليس لارتباطه بأمن الدولة الداخلي فقط، بل لكونه ايضا المعني بقضايا الشرف واخلاقيات الشعب وتصرفاته، وبالتالي كان خبر اعتراف وزير الداخلية الايراني علي كردان بكذبه طوال شهرين فيما يتعلق بصحة شهادة الدكتوراه الفخرية التي يحملها، قضية اخلاقية ودليلا على استشراء الفساد في الجمهورية الاسلامية الى درجة انه اصبح خبرا لم تستطع وسائل الاعلام الداخلية، والخارجية الغربية بالذات، تجاهله، خاصة بعد موافقة البرلمان الايراني على طرح عدم الثقة بالوزير الكذاب، وربما بصورة غير مباشرة بحكومة احمدي نجاد برمتها!
من المعروف ان تعيين وزير في النظام الايراني يتطلب موافقة اكثر من جهة معنية بقضايا الاخلاق والامانة والشرف، ومنها مكتب الولي الفقيه. ويصبح الأمر اكثر اهمية في حالة تعلقه بمنصب وزير الداخلية في دولة اقرب ما تكون للدكتاتورية!!
فكيف استطاع علي كردان الضحك على هذه الجهات كلها بصحة شهادته المزورة، التي عرف طلاب الجامعات بحقيقتها يوم تعيين الوزير في منصبه المرموق. ولماذا كابر الوزير كل هذا الوقت مع كل ما تضمنته شهادته من اخطاء املائية لا يمكن ان تصدر من جامعة بمستوى «اكسفورد» البريطانية!
والآن كيف اختارت جمهورية بكل هذا «النقاء» الاخلاقي وزيرا بمثل هذا المستوى المتدني ولاكثر المناصب حساسية!! واين ذهبت الايحاءات التي يدعي احمدي نجاد بأنها تنير طريقة عند سماعها؟ ان ما نقوله عن النظام الايراني لا يعني تمام صلاح بقية حكومات العالم، ولكنها على الاقل لم تدع يوما تمام الفضيلة وكمال الطهارة.
ان هذه الحادثة وغيرها المئات، سواء في ايران او في السودان وفي مناطق حكم طالبان، تبين، حتى لفاقد الحواس، ان فصل الدين عن الدولة اكثر من ضروري، وان المسألة ترقى الى مستوى الوجود او الفناء! فلا حل لمشاكل وقضايا هذا الوطن، ولبقية الدول الدينية والاسلامية بالذات، الا بفصل الدين عن السياسة بسبب او حال ومؤامرات ولف ودوران هذه الاخيرة. فإذا كان لدى وزير الداخلية في دولة ثيوقراطية بحتة كل هذه الجرأة على الكذب فيما يتعلق بصحة مصدر شهادته، فما بالك بشاغلي بقية المناصب! وما يسري على ايران يسري على دولنا العربية المتخلفة، فقد سبق ان تبين حصول نواب في مجلس الامة وغيرهم على شهادات ليسانس وماجستير من «مصانع شهادات» معروفة مقابل مبالغ لا تتعدى السبعمائة دينار!
ملاحظة:
في اليوم نفسه الذي اعترف فيه وزير الداخلية الايراني بعدم صحة شهادته، نجح علماء يابانيون في خلق فأر سليم عن طريق استنساخ عينة اخذت من فأر مات قبل 16 عاما وتم الاحتفاظ به مجمدا! وقد اثار هذا الكشف العلمي المخيف ردود فعل متناقضة، لانه يفتح الباب امام استنساخ الاموات الذين سبق ان جمدت اجسادهم بانتظار مثل هذا اليوم!
أحمد الصراف