طريقة سمو الرئيس في تشكيل حكومته لذيذة جدا، تأكل أصابعك وراها. نظام محاصصي معتق: القبائل الأربع مطير والعوازم والرشايدة والعجمان لكل منها ممثل في الحكومة، والحضر لهم ممثلوهم، والشيعة كذلك والنساء. أي أن الغنائم وزعت بالتساوي. وعلى كل من هؤلاء الوزراء تقديم «ضمانات الكفالة» لنفسه والتأمين الشامل عليها.
لكن ثمة ثغرة في الخطة لم يحسب الرئيس حسابها، فالوزراء الشيوخ لا درع لهم ولا ظهر، وليس أمامهم سوى الدفاع عن أنفسهم بالسلاح الأبيض ضد المدافع والمدرعات. والمشكلة الأكبر أن قيادة الجيش أو رئاسة الحكومة هي ذاتها غير محصنة، بل هي الثغرة الأكبر والأكثر وضوحا للخصوم. وفي كل النظريات العسكرية التي يعرفها الناس جميعا «متى ما سقط القائد سهل سقوط الجيش، ولذلك يجب تأمين مناطق القيادة بأقوى الأسلحة وأشدها فتكا»، ومنطقة قيادة الحكومة تتمركز في العراء الطلق مكشوفة الظهر والرقبة، يحرق الصيف جلدها بلهيبه ويفتك البرد في عظامها بلا مقاومة. والنواب أدركوا ذلك، وهنا لندن، وهناك الكارثة.
وعندما أقول قيادة الحكومة، فالمقصود ليس فقط سمو الرئيس بل ونائبه الأول وزير الدفاع أيضا، إذ ان كليهما لا يمكن أن يصعد المنصة، إما بسبب حكاية «الخط الأحمر» التي يحاولان تسويقها، أو لعدم قدرتهما على الدفاع عن خططهما ومقارعة الحجة بالحجة. ولذا فالخيارات مفتوحة أمام النواب، ما بين سمو الرئيس ومعالي نائبه الأول، ومن أراد أن يفرض مشروعا ويلغي آخر أو أن يبتز الحكومة فليختر واحدا منهما، وليطلب حينها الفدية التي يراها مناسبة. فقط ليس على النائب، أي نائب، سوى أن يهدد باستجواب أحدهما وستمطر السماء على أرضه وستنبت أزهار الربيع حول مضاربه وستمتلئ الصحف بالأخبار المحزنة وستدور ماكينة الحكومة لإرضاء النائب بالتي واللتيا، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وعلى المصحف أقسم بأنني كمواطن لا أعرف إنجازا لسمو الرئيس منذ أن تولى رئاسة الحكومة، بخلاف «مشروع أمانة» وتراجع عنه، ومشروع المصفاة الرابعة وسيتراجع عنه، وكلا المشروعين كارثة بقرون شيطان، وكذلك سحب مشاريع «بي أو تي» بطريقة لم يتم ضبطها قانونيا فعادت علينا بخسائر باهظة.
وعلى الصعيد الشخصي، سمو الرئيس جنتلمان مثقف لبق، أما على الصعيد السياسي فلا صعيد على الإطلاق، والجود من الموجود. ولا أدري لماذا لا يستقيل هو ونائبه الأول ليستريحا ويريحا، وليفسحا الطريق لشباب الأسرة الحاكمة القادرين على الصمود والصعود. ورغم أن هذه الحكومة «الأنتيكة» مطوّفة ثلاثة أقساط و«الشاصي» مضروب، لكن الأمل في قدرة شباب الأسرة على سحب هذه المهترئة إلى الكراج لتصليحها وإعادتها إلى المضمار من جديد.