على الرغم من أن شهرة الروائي وليد الرجيب وتعدد اعماله، فان قصته البديعة «مستيك» كانت الاولى التي اقرؤها له، ولم تأخذ مني الا القليل لانهائها، ليس لقصرها، بل لجمال سردها الذي يشدك فتقلب صفحاتها لاهثا من دون ان تشعر بمرور الوقت، او التعب.
تشم من خلال صفحات الكتاب عبق الماضي غير البعيد وتسمع اصوات الباعة في الشوارع وصوت «نخم الجليب»، او تنظيف الآبار، وترى بين حروفها تصاعد خيوط البخر وهي تتسلل من بين تراب الارض الى انفك بعد ارتطام ماء سيارات البلدية به وهي تجوب الشوارع محاولة التخفيف من شدة الحر.
قد تكون رواية «مستيك» الاولى في تاريخ كتابة الرواية في الكويت التي يتطرق فيها كاتب بحجم، وبخلفية الرجيب الاثنية، إلى جانب من حياة شريحة كبيرة من المجتمع الكويتي من الذين تعود جذورهم إلى فارس! ولا يعيب هذه التجربة، او السابقة الجميلة، ما وقع فيه الكاتب من هفوات بسيطة عند تطرقه إلى سرد تاريخ واسباب هجرة هؤلاء، وغيرهم الى الكويت، والذي يسبق احداث الرواية بأكثر من قرن. فقد حاول الكاتب جاهدا، ونجح في التعامل مع جميع شرائح المجتمع، من خلال شخوص الرواية، بطريقة تتسم بالكثير من الحيادية والتسامي عن الصغائر، مشددا على انه ليس هناك من له فضل على الآخر، طالما ان الجميع اتى إلى هذه الارض لحاجة ما. وربما يكون المأخذ هنا انه وضع الكلام على لسان «مانع نهار»، العامل في شركة النفط والاب الروحي لمستيك، او مصطفى، الشخصية الرئيسة في الرواية، بشكل يميل إلى الخطابة عندما قال له معترضا على تساؤل مستيك: «انت كويتي وانا كويتي وش هالخرابيط! في الكويت ناس نزحوا من كل مكان من تركيا الى العراق الى ايران الى نجد الى فلسطين الى الهند الى مختلف الاصول الاخرى كلهم عندهم جنسية وكلهم مواطنون يحبون الكويت..»!
ملاحظة: يمكن الحصول على رواية «مستيك» من مكتبة «فيرجن» في «المارينا مول».
تزامنت قراءتي للرواية المليئة بالشجون، التي ربما لا تعني الكثير للبعض، مع ورود انباء فوز باراك حسين اوباما في انتخابات الرئاسة الاميركية، واخذت افكر في عظمة تلك الدول وهوان حالنا، وكيف ان المعدن الحقيقي لاي امة يظهر في المحن وليس في اوقات الرخاء، وسرح بي الخيال فيما لو ان حسين اوباما اتجه قبل نصف قرن إلى الكويت، بدلا من اميركا، وتزوج كويتية وانجب منها طفلا وتركها وعاد إلى كينيا، لكان ابنه الذي اصبح في منتصف اربعينياته الآن لا يزال مسجلا في كشوف الـ«بدون» وامه لا تزال تنتظر دورها للحصول على احد بيوت الدولة المخصصة للارامل والمطلقات!
قطع حسين اوباما 14500 كيلو مترا ليصل الى اميركا، وليتزوج اميركية وليحقق ابنه حلما طالما راود مخيلة ملايين البشر في وصول اسود بيت ابيض! وهنا لا يزال من جاء الكويت قبل اكثر من 200 عام محرما عليه العمل في نصف مؤسسات الدولة ودوائرها الحساسة وشركاتها الخيرية، وقائمة المنع في ازدياد بفضل الصحوة المباركة.
أحمد الصراف