كان صاحبنا دائم الرضا عن مستوى ذكائه وطريقة تفكيره، ولكن من هم حوله أقنعوه، أو ربما أوهموه، بأنه أكثر ذكاء مما يشعر ويعتقد، وتطبيقاً لما يقول الآخرون عنه قام هذا بجرد كل ما استطاع تكوينه وادخاره من ثروة خلال أربعين عاماً من العمل الجاد والمستقيم، ووضع خطة مالية محكمة تضمن له تأمين مستقبله ومستقبل أبنائه لسنوات طويلة مقبلة.
اعتمدت الخطة على عاملين أساسيين، تنوع أدوات الاستثمار وانتشارها جغرافيا، بحيث ان تأثرت منطقة أو عملة بقيت الأدوات والعملات الأخرى بمأمن، وبناء عليه قام بتكوين محافظ استثمارية في عدة دول، بدءاً من الكويت وانتهاء بدول مجلس التعاون، مروراً بالهند وهونغ كونغ وسنغافورة والصين والولايات المتحدة وأوروبا.
وفجأة ضرب التسونامي المالي العالم بصورة لم يتوقعها أحد على وجه الكرة الأرضية، وخسرت أسواق العالم مئات المليارات من قيمها الحقيقية خلال ساعات، وبدأت المصارف والبيوتات المالية بالترنح والشركات بالانهيار، وخلال أيام معدودة فقد العشرات من كبار قادة المال والاستثمار حول العالم وظائفهم المرموقة، وامتدت الضربات لتشمل أسواق العالم أجمع، بما فيها استثمارات صاحبنا، وتبين أيضاً أن تاريخاً جديداً تجري كتابته، وأحداثا غير مسبوقة تحدث في كل مجال، فللمرة الأولى في التاريخ الحديث تفقد المعادن، بما في ذلك الحديد والبترول والذهب قيمها بصورة شاملة، وهو ما لم يحدث من قبل، وفي أي فترة من التاريخ الحديث، بما في ذلك فترة الحربين العالميتين. ولأول مرة تنخفض أسعار الأدوية والأغذية والمحاصيل العالمية. ولأول مرة تفقد جميع الاستثمارات في الاتصالات ونظم المعلومات والمواصلات أجزاء كبيرة من قيمها السوقية. أما أسعار العملات فحدث ولا حرج، فقد اختفت مناطق الأمان الاستثماري من العالم أجمع، وبالتالي اتسمت التعليقات التي حاولت تصوير الكارثة المالية والاقتصادية بأنها نوع من العقاب السماوي بسبب انتشار الفساد والمراباة، اتسمت بالسخف وانعدام الاحساس بمصائب الآخرين، التي لا شك ستنعكس علينا وبالا. فالمستقبل المظلم ينتظر العالم، في حال استفحال الأمر، لن يستثني دولة أو مدينة أو شعباً مهما كانت قدسيته بنظر نفسه، أو بنظر الغير!
كما يمكن القول انها المرة الأولى التي ينتشر فيها الكساد المالي بهذه السرعة ليغطي كل هذه الرقعة الجغرافية خلال فترة قصيرة جداً. كما أنها المرة الأولى التي لا يفيد فيها التحوط والحذر. فقد فوجئ الجميع من قمة الهرم، الذي أصبح متمثلاً بالمستثمر وارن بوفيت إلى قاعدته التي يحاول «صاحبنا» جاهداً ان يكون ضمنها، مروراً بجورج سوريش وعشرات آلاف المستثمرين ورجال الأعمال والمصرفيين المميزين الآخرين، فوجئوا جميعاً بانكشاف أوضاعهم وبأنهم معرضون بين يوم وليلة لفقد أجزاء كبيرة من ثرواتهم أو حتى التعرض للافلاس.
نعود إلى زبدة الموضوع ونقول إن أمام العالم، برأينا غير المتواضع، أحد خيارين:
إما الانهيار التام أو التعافي البطيء! الخيار الأول يعني نهاية العالم الذي نعرفه الآن، والذي سوف تتغير تركيبته وصورته بشكل كامل، وربما ستسود دوله حال من الهلع والتكالب على المواد الأساسية، التي ستجرنا جميعاً لفوضى شاملة وحروب متفرقة لا يمكن التكهن بنتائجها.
أما الخيار الثاني، وهو التعافي البطيء، فيعني انه من الأفضل التحرك الآن واقتناص الفرص الجيدة بعد أن فقد الكثير من الشركات الفاسد من شحومها وفضلاتها وأصبحت أكثر رشاقة وإغراء! وهذا ذكرني بالنكتة التالية: أخذت سمكة القرش ابنها الصغير لتعلمه كيفية الافتراس وقالت له: عندما تشاهد رجلا يعوم حاول الدوران حوله مرتين وتأكد من انه يعلم بوجودك من خلال زعنفتك الظاهرة، اتركه للحظات وعد إليه ثانية، وتأكد أيضاً انه يشعر بوجودك وقم بالالتفاف حوله مرتين أخريين وبين له قوة أنيابك الفتاكة ثم اتركه مرة ثانية وعد له بعد دقائق لتتمتع بالتهامه! وهنا سأل الصغير أمه عن السبب في عدم القيام بذلك منذ اللحظة الأولى دون دوران وخلافه، فقالت الأم يمكنك بالطبع فعل ذلك، هذا إذا لم يكن لديك مانع من التهام الرجل بفضلات أمعائه! وأعتقد أن أسواق الأسهم أصبحت في نهاية دورتها الرابعة!
أحمد الصراف