سبحان الخالق، الناس أجناس والفنادق أيضا، ولو تشابهت أسماؤها. فشيراتون القاهرة يختلف عن أي شيراتون آخر في أوروبا أو في أي بلد آخر، تماما كما تختلف ثقافة الجودة واحترام القوانين في مصر عن ثقافة الجودة واحترام القوانين في أوروبا. فقط هذا هو الفارق، ولا شيء آخر. في شيراتون القاهرة ستشعر بأنك في عزبة عم حنفي، عزبة بحق وحقيقي، والغيطان على يمينك ويسارك، وقد يقتحم ثور هائج غرفتك. كل ما حولك في شيراتون القاهرة يوحي بذلك.
ستعترضك الصعاب وأنت تحاول غلق باب غرفتك، حتى ولو كانت الغرفة مصنفة «غرفة رجال أعمال»، وستحصل على الحسنات بإذن الله إذا أغلقت الباب بمجهودك الفردي، والحسنة بعشر أمثالها. وأزرار جهاز التلفون ستتصل لوحدها وستفصل لوحدها، قضاء وقدر. وقد يمازحك جهاز الهاتف فتتصل بموظف خدمة الغرف ويرد عليك الصيدلي المناوب، والناس سواسية، ولا فرق بين عربي وأعجمي إلا بالتقوى. وفي شيراتون القاهرة كلهم لآدم وآدم من تراب.
لم تجد حذاء الحمام في الغرفة؟ وما المشكلة، الأنبياء عليهم السلام كانوا حفاة، وبعضهم لم يكن يجد قوت يومه، وأنت تأكل وتشرب فاحمد المولى واشكره ولا تبطر.
و«ستغضب وتثور كثيرا، لكنك لن تعرف أبدا إنسانا يشبه مصريا» بالإذن من نزار قباني، وستتصل بخدمة الغرف لتطلب قهوة وسترد عليك الموظفة: «قبل القهوة، قوللي حضرتك بتأكل إيه دلوقتي وانت بتكلمني؟ باكل فستق / طب والنبي ابعت لي (شويتين) في كيس. حاضر يا ستي»، وستبعث لها والنبي الشويتين وأنت تضحك… هذا ما ينفرد به المصري عن غيره، البساطة. ولو أن الموظفة البريطانية في «شيراتون بارك تاور» في لندن طلبت شويتين فستق من سائح بلجيكي، لأبلغ الإدارة ولوجدت الموظفة نفسها خلف الشمس بشويتين. لكن الموظفة المصرية، عاشقة الفستق، ليست غبية ولذا فهي لن تتجرأ وتطلب من السائح الأوروبي أو الأميركي شويتين ولا حتى شوية واحدة. الخليجي فقط هو الذي يمكن اللعب والمناورة معه.
وفي شيراتون القاهرة لا بد أن «تعبّر» الكل لتحصل على أدنى متطلباتك، وستندهش وستسأل عامل التنظيف: الحمام أقرع، أمال فين الشامبو وبقية الحاجات؟ وسيجيبك بضحكة طاهرة: ما هو أصل حضرتك مش معبّرني؟ وستعبّره وسيمتلأ حمامك بما لذ وطاب من الشامبوهات والكريمات وستخلف صبيان وبنات. و«ما تقولش ايه ادتنا مصر، قول هندّي ايه لمصر» كما تقول الأغنية المصرية.
و«مهما يقولون مهما صار مهما تم» على رأي محمد عبده، ومهما غضبت وانفعلت وقارنت و، و، و، ستجد نفسك فجأة في الطائرة المتجهة إلى مصر. ليه؟ والله لا أدري، «وما أوتيتم من العلم إلا قليلا»… وستجد نفسك متنقلا بين أكشاك الكتب، وأينما التفت ستجد الكاتب الكاذب «أنيس الدغيدي» يخرج لك لسانه، أو كتبه، فهذا كتاب عن الحياة الخاصة لأمراء الخليج، وعن غرف نومهم تحديدا، وهذا كتاب بعنوان «صدام لم يمت»، وستتصفح الكتاب وستجد صورا لصدام قبل الاحتلال الأميركي للعراق وصورا بعد الاحتلال والمحاكمة والإعدام، والفروقات واضحة، كما يقول الكاتب الألمعي، فالشامة ليست موجودة، والمنخار يختلف. وستجد كتابا عن «هشام طلعت ولياليه الحمراء مع سوزان تميم»، وهو كتاب صدر بعد القبض على هشام بأسبوع أو أكثر، و«حيروح هشام من الدغيدي فين»، فالدغيدي سره باتع وجواسيسه يدخلون غرف نوم الملوك والأمراء، ومن هو هشام طلعت أمام هؤلاء؟ بالتأكيد، الدخول إلى غرفة نوم هشام أسهل وأجمل. ولهذا ومن أجل هذا تباع كتب هذا «الكاتب الأشر» للمراهقين والمراهقات الأحياء منهم والأموات.
لكنك، وفي الكشك ذاته، ستجد كنوزا مغطاة بالأتربة: كتب لكامل الشناوي وشقيقه مأمون، وزكريا الحجاوي وعبد الرحمن الخميسي ومحمود السعدني وبقية أهرامات مصر الخالدة.
هي هكذا مصر، فوضى في كل مكان، وعبقرية وإبداع وعظمة، وإزعاج سيارات وزحمة، وبساطة ونظافة قلوب. وبالمناسبة، القلوب فقط هي النظيفة في مصر، ولا شيء آخر… والحديث عن مصر له طعم ونكهة سحرية سرية، والصوت المصري هو الأعلى عربيا، أدبا وثقافة وغناء، والحديث عن الشأن المحلي المصري كالحديث عن الشأن العربي، أو أهم، والمسلسل المصري هو مسلسل عربي، واللاعب المصري لاعب عربي، ومن أراد الشهرة من المطربين والممثلين فليشد رحاله إلى مصر، مركز الشمس، حيث الأضواء والآفاق المفتوحة… وكم نعشقك يا مصر، و«متقولش ايه ادتنا مصر، قول هندّي ايه لمصر»، ومصر، كما يقول التاريخ، «ادّت وادّت وادّت» من مالها ولحمها ودمها، والآخرون «ادّوا» شعارات ونظريات وخذ وهات… ونهارك أبيض يا عظيمة يا مصر.