لو فردت خارطة العالم أو قرأت تاريخه لوجدت بقرب كل دولة صغيرة دولة أكبر منها قد تكون غزتها أو تعدت عليها في حقبة تاريخية ماضية، كحال ألمانيا وإيطاليا وروسيا وبريطانيا وفرنسا واليابان.. الخ مع جيرانها الصغار، هذا الأمر لا يعني ان على الدول الصغيرة مثل بلجيكا أو ايرلندا أو پولندا أو كوريا أو استونيا ان تبقى في حالة رعب دائم من اعادة ذلك الاحتلال أو أن تحاول نفخ نفسها كالضفدع لإخافة جيرانها الكبار.
وعليه اعتقد ان الحديث عن خوف كويتي من التسلح العراقي في غير محله لأسباب عدة منها ان فارق العدد والمساحة ايا كان التسلح سيعطي دائما وأبدا العراق ميزة رئيسية على بلد صغير مسطح كالكويت، كذلك فقد حدد الدستور العراقي الجديد مهام الجيش بالدفاع فقط والعمل ضمن الأراضي العراقية، كحال ألمانيا واليابان بعد الحرب الكونية الثانية، اضافة الى محدودية قدراتنا في التحكم بعملية تسليح الجيش العراقي وحقيقة ان حدودنا معه ملزمة بموجب البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة.
ان تسليح الجيش العراقي من قبل الولايات المتحدة كما هو معروف لحمايته من الجيران الآخرين ومنهم ايران التي افترض احد العسكريين الكويتيين السابقين انها ستغزو الكويت عن طريق البصرة لافشال الضربة الأميركية المرتقبة عليها، اي اننا امام موقفين متناقضين، فمن ناحية نطالب حلفاءنا بعدم تسليح العراق، اي اضعافه كي لا يحتلنا ومن ناحية اخرى نقول لنفس الحلفاء ان ذلك الاضعاف سيتسبب في اختراق ايران السريع لحدود العراق ومن ثم احتلالنا.
وكمبدأ استراتيجي وكنظرة واقعية لا مصلحة حقيقية لبلد صغير كالكويت ان يصدر عنه ما يسيء لعلاقاته بجيرانه كإيران والعراق أو حلفائه كالولايات المتحدة، عبر اساءة الظن المعلن بهم، كما لا يمكننا وضع العلاقة الأميركية – الكويتية بشكل يوحي وكأننا الطرف الأقوى فيها من حيث قدرتنا على فرض نوع تسليحها للعراق او كما اتى في احدى التوصيات التي ضمها مقال نشرته الزميلة «الوطن» بتاريخ 9/9 وكان نص التوصية: «اجبار الولايات المتحدة على تقديم معدات دعم هندسي ومدفعية ميدان….الخ». ولا اعتقد ان كلمة «إجبار» مناسبة.
كما أتى ضمن المقال نفسه الذي خطه احد المختصين حديث عن احتلال ايراني للكويت يسبقه احتلال ايراني لمدن البصرة والعمارة والفاو، اي افتراض قدرات عسكرية خارقة ستهزم الجيشين الاميركي والعراقي معا، إلا ان تلك القدرات الايرانية سيمكن صدها من قبل الجيش الكويتي بالتعاون مع كتيبة قوات خاصة اردنية وباكستانية وماليزية.
اننا أول من يحبذ خلق جميع انواع السيناريوهات العسكرية وحتى اكثرها جموحا ثم وضع الحلول الناجعة لها، إلا ان المكان الأمثل لتلك السيناريوهات هو الغرف «المغلقة» منعا للبلبلة او اساءة العلاقة بالآخرين، فلم نسمع قط بسيناريوهات عسكرية «معلنة» لدول صغيرة في اوروبا وآسيا وافريقيا وأميركا اللاتينية تتحدث عن غزو جيرانها الكبار لها حيث ان الحديث المعلن في مثل تلك الأمور يضر أكثر مما ينفع.
آخر محطة:
وافتراض ايران أن هناك مخطط ضربة عسكرية قادما لها لن يجعلها منطقيا تستبق تلك الأحداث بغزو العراق والكويت كون ذلك التعدي سيعطي المبرر الأخلاقي والقانوني للتعدي عليها، بل على العكس ستحاول خلق حالة طمأنة وسلام لجيرانها سحبا للبساط من تحت أقدام أعدائها.