لو كنت من أولئك الذين يحملون رأسا كبيرا، وصوتا قويا، ومكانة مرموقة لدى حكومتنا التي نحبها ونواليها ونحترمها كثيرا، لقلت لحكومتي: «الله يرضى عليك يا حكومة، انظري بعين فاحصة لحال المواطن البحريني الذي يعيش حالا من القهر والغيظ والحنق في كل ساعة من ساعات يومه»، ولربما وجد نفسه مضطرا إلى أن يغضب أكثر كلما ضاقت عليه ظروف الحياة وداهمته صروف الدهر، وبالتالي، ربما يغيب صوته، لكن لن يخفى قهره.
ولست أجد نفسي مكترثا بمن يحمل لواء إلقاء تهم التأليب وزعزعة الأمن والاستقرار والخروج على ولاة الأمر حين ينفس مواطن ما عن نفسه… بل أنا على يقين، على رغم كل تلك الملفات الشائكة والمتشعبة وأوقات الشد والتشكيك التي نعيشها بين حين وآخر، وأمام حملات توزيع صكوك الولاء والانتماء والتجييش الطائفي وفقاعات التآمر… وقائمة تطول لا أعرف آخرها… أقول أنا على يقين بأنه ليس هناك مواطن بحريني يكره بلده؟ ومن يكره البحرين يا ناس؟ وعلى يقين أكثر بأن شعارات العداء للحكومة ما هي إلا نتيجة عكسية لقوة وشدة طرقات مطارق المعيشة الصعبة على رؤوس المواطن… بل أنا على يقين، بأن شعبا مسالما ودودا طيبا ينسى ويصفح ويلملم جروحه مثل شعب البحرين، لا يمكن أن يسعى بتلقائية لحرق إطار هنا وتفجير إسطوانة غاز هناك أو يسعى من يسعى لإشعال فتيل الغضب إلا بسبب حدوث انخراط قوي ومتتابع في حلقات عقد العلاقة بين الدولة وشعبها.
أشكال الغضب التي يعيشها المواطن البحريني كثيرة، أولها أنه ليس من المعقول إطلاقا أن يبقى متوسط دخل المواطن البحريني يقارب 13 ألف دولار في السنة في دولة نفطية قادرة على التوسع في الموارد وتنمية الاقتصاد، وليس من المعقول أن ننتظر صرف علاوة الغلاء كما ينتظر المنكوبين في المناطق المبتلية بالمجاعات والحروب والتهجير، كما نشاهد على شاشات التلفاز قطعا، وصول شاحنات الإغاثة.
لسنا نعيش في دولة لا يمكنها أن تضع الحلول لكل تلك المشكلات والمصاعب التي تحيط بنا من كل جانب… أستغرب كثيرا أن تنشط مشروعات جبارة في البر والبحر، وترتفع إيرادات مبيعات النفط، ولا يشعر المواطن بحلاوة كل ذلك في جيبه… في جيبه وليس في أي شيء آخر! حتى لو لم يحصل على الدواء الذي أصبح يشح فجأة بين ليلة وضحاها من رفوف صيدليات المؤسسات الطبية، وحتى إذا لم يرضَ عن مستوى التعليم المجاني، ولم يحصل على الوظائف التي تضمن له ظروفها العيش في استقرار اجتماعي، وحتى إذا لم يحصل على أشياء أخرى كثيرة ناضل من أجلها كما هو الحال بالنسبة إلى برلمانه ومجالسه البلدية…
لب الموضوع هو الجيب يا حكومتنا الموقرة، الذي لن تملأه طبعا علاوة الغلاء الذي يشعل بيوتنا جميعا، ولن تسعده الحلول المؤقتة والترقيعية، بل تنقذه استراتيجية نشطة لتحسين المعيشة بدءا بالنهوض بالأجور المتدنية انتهاء بالحفاظ على حقوقه… وبعد ذلك، لن نجد تقاطعا بين الحقوق والواجبات التي يجب على كل مواطن أن يقوم بها تجاه وطنه الغالي.
لن يفلح أولئك الذين يسعون لاعتبار كل صوت يطالب بحق من حقوقه المشروعة على أنه صوت تآمري يضمر الشر للبلاد والعباد… صوت القهر والغضب هو حال ظاهرة في مجتمعنا اليوم، وحكومتنا الرشيدة بقيادتها التي نكن لها الولاء والشرعية المطلقة، هي من يجب أن ينتشلنا مما نحن فيه.
كل همومنا يمكن أن تزال بشكل مرحلي، مع إقرار خطة استراتيجية محورها الرئيسي هو منح كل مواطن حقه في العيش الكريم بعيدا عن «مانشيتات» الصحف التي تملأ عيوننا لكنها تفشل في إقناعنا بأن كل شيء يسير على ما يرام.
وللحديث صلة