بعد ان سمعنا مقامات حزن شديدة على عدم قيام مشاريع كبرى في الكويت منذ السبعينيات، عاد من يقوم بغناء تلك المقامات البكائية الحزينة نفسه لمحاربة إنشاء أي مشاريع جديدة في الدولة! حيث تم قتل مشاريع B.O.T عبر إطلاق علوقة «التفريط بأراضي الدولة» عليها، كما خنق الاقتصاد الوطني بإصدار قوانين متعجلة وغير مدروسة تختص بالعقار والتسهيلات والقروض، مما تسبب في الانهيار السريع للبورصة وتضرر مئات آلاف المواطنين ممن هللوا وبذكاء شديد لصدور تلك القرارات الضارة بهم.
وقبل 15عاما تم الإعلان عن طرح مشروع حقول الشمال واستمعت وغيري من اعلاميين ومواطنين من قبل المختصين النفطيين للفوائد الجمة لذلك المشروع الحيوي الذي قيل انه سيضاعف إنتاجنا النفطي من حقول الشمال عبر استخدام الوسائل الحديثة للتنقيب ويريح في الوقت نفسه مكامن النفط المستهلكة في الجنوب، ولو أنجز ذلك المشروع في حينه لكسبنا عشرات المليارات من مضاعفة إنتاجنا النفطي وبيعه بالأسعار غير المسبوقة التي وصل اليها برميل النفط في الأشهر الماضية، مرة أخرى تم إطلاق علوقة «سرقة العصر» على ذلك المشروع الحيوي، وتم إصدار شهادة وفاة سريعة بحقه، ولم يذرف أحد دمعة واحدة على مصلحة الكويت التي دفنت معه.
وكانت طائرات «الكويتية» قد تقادمت وقارب عمرها العشرين عاما وأصبحت شديدة الكلفة في التشغيل وتدنت بالتبعية عناصر السلامة فيها، لذا قرر مجلس إدارتها السابق تفعيل صلاحياته وشراء أسطول حديث بتمويل ذاتي دون الحاجة لفلس واحد من الدولة وبأسعار «لقطة» معلنة للجميع وبمواعيد تسليم مبكرة وعبر شركة مساهمة كويتية.
مرة أخرى تطلق العلوقات ويختلط الحابل بالنابل ويتصدى للموضوع من أراد تحويل ذلك المشروع العام الى مشروع تنفيعي خاص به، ولما فشل في مسعاه ألغاه، مما تسبب في خسارة المال العام 2.2 مليار دولار كما بينا في مقال مفصل سابق، وأصبحت احدى أقدم مؤسسات الطيران في المنطقة في مهب الريح رغم كل ما يقال.
هذه الأيام نرقب كمواطنين وإعلاميين الصراع المحموم حول مشروع المصفاة الرابعة، ولا يفهم أحد حقيقة ما يحدث، فلم نشهد حوارات هادفة حول ذلك المشروع تسوّقه وتبين أهميته وتبرر كلفته وتظهر فوائد إبقائه ومضار إلغائه أو بالمقابل مضار إبقائه وفوائد إلغائه، لقد شبعنا من عمليات الصراخ ومنهج الصراعات السياسية والاقتصادية التي يدفع الوطن والمواطن ثمنها غاليا وبتنا في حاجة ماسة لمنصة حوار هادئ تستضيف أصحاب الرأي والرأي الآخر حتى ننتهي الى القرار الصحيح بعد ان ادمنّا وادمانا كم القرارات الخاطئة التي نتخذها.
آخر محطة:
ليس من الإنصاف في نهاية الأمر ان يصبح الوطن بين خيارين مرّين، فإما إيقاف كل المشاريع الحكومية عبر التشكيك فيها وإطلاق «العلوقات» السياسية عليها ومن ثم استمرار مسيرة التعطيل التي عشناها خلال الـ 30 عاما الماضية، أو عدم دراسة جدوى تلك المشاريع بشكل جاد والقبول بمضاعفة أسعارها مقارنة بما لدى الآخرين.