إن الأحداث الأخيرة التي تطل علينا من روسيا في جورجيا تأكيد على عودة دور الدولة وربما عودة التاريخ، فروسيا الجديدة أكدت دورها كدولة ضمن الحدود الروسية أولاً ثم بدأت بتأكيد دورها خارج حدودها. كما أن الأحداث التي تطل علينا مع عودة التطبيع العالمي مع أنظمة عربية عديدة كانت في عداد الخارجة عن القانون الدولي لتؤكد لنا أنه لا بديل في العالم الجديد عن وجود الدولة وانحياز الدول لبعضها البعض. فالدول تتصارع في الغرب والشرق لكي تتفاهم ثم تعقد الصفقات دون التفات كبير للشعوب والبيئة وغيرها من المسائل. هكذا أصبح من السهل على الولايات المتحدة أن تتفاهم مع الرئيس الليبي العقيد القذافي رغم التاريخ شديد السلبية بين البلدين والضيق الذي تشعر به المعارضة الليبية التي تؤمن بالديموقراطية. وفي الوقت نفسه أصبح من الممكن للرئيس الفرنسي أن يتفق مع سورية رغم الشعور بالضيق في صفوف قطاعات لبنانية رئيسية، كما قد يكون ممكناً أن تتفق الولايات المتحدة مع أحمدي نجاد وإيران بغض النظر عن آراء المعارضة الإيرانية بما فيها إخراج العراق لـ «منظمة مجاهدي خلق» المعارضة من أراضيها. هكذا سنجد أن الدول ستنحاز في نهاية اليوم للدول وأنه بينها لغة مشتركة وتسعى لحماية مصالحها من خلال الاتفاق مع الدول على المسائل القابلة للاتفاق بغض النظر عن مدى تناقض ذلك أم تناغمه مع قضايا أخرى مثل الديموقراطية، وحقوق الإنسان، والمعارضة، والانتخابات، والمشاركة السياسية، والحريات. متابعة قراءة عودة التاريخ ودور الدول
اليوم: 11 سبتمبر، 2008
الكويت وديوان المحاسبة العراقي
صدر قبل مدة قصيرة كتاب ذكريات الاستاذ حنا رزوقي الصائغ والذي عاصر كرئيس لديوان المحاسبة العراقي 6 عهود عراقية هي عهد الملك فيصل الثاني وعبدالكريم قاسم وعبدالسلام عارف وعبدالرحمن عارف واحمد حسن البكر وصدام حسين، وقد كان شاهد عصر على احداث كثيرة اخترنا تسليط الضوء على البعض منها.
يقول الكاتب ان العصر الملكي كان الوحيد الذي خلقت فيه الميزانيات بشكل صادق ومراقب ومتوازن، أما بعد ذلك فأصبح هناك صرف دون السؤال عن الموارد اللازمة لتغطيته، وقد كان شاهدا على لقاء قاسم بوكيل وزارة المالية الشجاع احمد عبدالباقي الذي سأله الطاغية عن احوال الميزانية فأجابه بأنها في أسوأ حال ما دام سيادتكم توزعون العطايا والمشاريع تحت الاضواء دون الرجوع الينا، ويضيف الصائغ ان اول ازمة مالية خانقة بتاريخ العراق حدثت في ابريل 1961 وقد تكون السبب الرئيسي في مطالبة قاسم بالكويت بعد شهرين من تلك الازمة.
وقد كان الصائغ ضمن الوفد العراقي برئاسة احمد حسن البكر الذي زار الكويت عام 63 للحصول على قرض كويتي بـ 30 مليون دينار، ويقول انه عند انتهاء الزيارة وفي قاعة المطار التي تصدرها الشيخ صباح السالم واحمد حسن البكر سأله الفريق صالح مهدي عماش وزير الدفاع: وين الفلوس؟! معتقدا انها تقدم نقدا، فأجابه الصائغ لقد تم تحويلها للبنك المركزي العراقي، وهنا هدده عماش بالاعدام ان وصلوا بغداد ولم يصل المبلغ، وقد استخدم عماش الشتائم الكبيرة بحق من يعيد ذلك القرض للكويت.
ومما يذكره الصائغ ان حكومة الكويت اهدت شيكا بمبلغ مليوني جنيه استرليني شخصيا للرئيس عبدالسلام عارف، الا انه طلب من وزير المالية ومنه ادخاله في حساب الدولة كونه لا يريده، ويضيف الصائغ: ان السيد نزيه الشهواني وهو صديق شخصي لعارف اخبره عام 95 بان عارف ظل يردد امامه حتى وفاته عام 65 أنه ارجع اموال هدية الكويت للخزانة العامة، الا ان البعثيين وعلى رأسهم البكر وعماش وصدام وآخرون احتفظوا بها لأنفسهم، ويرى رئيس ديوان المحاسبة العراقي ان النهب والسرقات المكشوفة بدأت في عصري البكر وصدام، ففي عام 74 أمر البكر باعطاء العقيد لطيف نصيف جاسم مبلغ 3 ملايين دولار نقدا ودون وصل او اوراق مستندية، ومثل ذلك مع وزير التخطيط آنذاك طه ياسين رمضان وعزة الدوري، ويقول ان عدنان الحمداني حاول استخدام الوضع المالي السيئ للدولة كوسيلة للحد من توسع سلطات صدام الذي كان يستخدم الاموال العامة كوسيلة لرشوة الآخرين، ويذكر انه كان يطلب منهم تحضير شنط سفر كبيرة تحوي مبالغ تصل الى 50 مليون دولار كانت ترسل لبعض الحكام العرب ممن كانت لهم مواقف شائنة لاحقة من غزو صدام للكويت.
وضمن المذكرات روايات عن المبالغ التي كان يحصلها صدام من دول الخليج ابان الحرب العراقية – الايرانية فيذكر انهم استقلوا الطائرة الخاصة صباحا في جولة لعدة دول خليجية وعادوا في المساء وكانت بحوزتهم 7 مليارات دولار دعما من تلك الدول وهو أمر غير مسبوق.
ويضيف: ان ذلك الامر تكرر معهم عدة مرات خلال الـ 6 اشهر اللاحقة حتى جاوز المبلغ المستحصل 18 مليار دولار منها 9 مليارات من السعودية و6 مليارات من الكويت و3 مليارات من الامارات.
وعلى هامش المذكرات يقول الصائغ ان وزير الاقتصاد العراقي د.عبدالكريم كنونة رأس ذات مرة المجلس الاقتصادي العربي وما ان جلس على يمينه امين عام الجامعة عبدالخالق حسونة حتى انفجر د.عبدالكريم بضحك هستيري لعدة دقائق وفيما بعد سأله الصائغ عن سبب الضحك فأجابه بأنه نظر لحسونة فتذكر مقولة المهداوي عنه ابان محكمة الشعب وبأنه «حسونة بزونة» فلم يتمالك نفسه من الضحك.
آخر محطة:
ويذكر الصائغ ما رواه له صديقه د.محمد حلمي مراد وزير التعليم العالي المصري عن سبب خروجه من الوزارة فيقول ان مجلس الوزراء انعقد في جلسته الاولى برئاسة عبدالناصر وقرأ رئيس الديوان عبدالمجيد فريد بنود الجلسة، وبعد قليل اعلن انتهاءها، ولما سأله مراد فيما بعد عما يحدث اجابه فريد بأن الموضوعات نوقشت وانتهت، فعندما يحني الرئيس رأسه لتحت فهذا يعني الموافقة، وعندما يرفعه يعني الرفض، ويقول د.حلمي انه سأله مازحا: ماذا لو كان الرئيس موافقا وحطت ذبابة على رأسه فحركه الى اعلى لطردها فهل يعني هذا الرفض؟ وقد اعفي د.مراد من الوزارة بسبب تلك المزحة في زمن لا مزاح فيه!