د. شفيق ناظم الغبرا

أخطاء أفغانستان وعودة «طالبان»؟

لقد ذهبت إدارة بوش إلى أفغانستان عام 2001، وهي بحالة تردد، واعتقدت أنها ستنجز أعمالها العسكرية إبان أسابيع، وذلك لكي تركز بعد ذلك على العراق حيث ستكون الحرب الأساسية. كانت أفغانستان مكاناً ثانوياً في التفكير الأميركي وكان العراق هو الهدف الرئيسي. وهذا بطبيعة الحال جعل الولايات المتحدة مشوشة في مقدرتها على إنجاز أهدافها في أفغانستان. في الآونة الأخيرة تبيّن أن «طالبان» استعادت الكثير من قوتها، وأنها سيطرت على أقاليم عدة في أفغانستان بعد أن كانت قد هُزمت العام 2001، عندما احتلت الولايات المتحدة أفغانستان وأسقطت نظام «طالبان» بقيادة الملا عمر و«القاعدة» بقيادة بن لادن. فما سر عودة «طالبان» وآفاق تهديدها للعاصمة كابول في الآونة الاخيرة؟
يشير أي تقييم جاد لما وقع في أفغانستان منذ العام 2001 إلى الكثير من الأخطاء التي ارتكبتها إدارة بوش في أفغانستان. فنظرة تلك الإدارة إلى الإسلام وعلاقة التقاليد القبلية في أفغانستان والقبائل بالإسلام كانت سطحية في أحسن الأحوال. هكذا اعتقدت أنه بإمكانها تغيير أفغانستان بمجرد هزم «القاعدة»، وكأن الإسلام السياسي أمر طارئ أو سطحي يجري التعامل معه بالقوة فينتهي.
بعد أن سيطرت الولايات المتحدة على أفغانستان ونجحت في هزيمة «طالبان» و«القاعدة» خلال فترة قياسية بدأت بالتحضير لمؤتمر كبير للأطراف كلها التي ستشكل الحكومة والدولة الجديدة. كان الخطأ الأميركي الأول شبيهاً بالخطأ الأميركي الذي سيرتكب فيما بعد في العراق، أي أنها استثنت من تشكيلتها الحكومية قبائل الباشتون الذين هم في الجوهر قواعد «طالبان» وأهم التشكيلات الاجتماعية في أفغانستان. «طالبان» بعد العام 2001 كانت متراجعة فاقدة للقوة ويلوم الكثيرون من أعضائها «القاعدة» لما حل بهم، ولو نجحت الولايات المتحدة بمد الجسور معهم في ذلك الوقت لتغيرت أوضاع أفغانستان منذ اليوم الأول. ولكن إدارة بوش رفضت إشراك الأجنحة المعتدلة في «طالبان»، والتي كانت لن تمانع في الاشتراك في الحكومة. ورغم وجود دعوات دولية ودعوات من ممثل الأمم المتحدة المتميّز الأخضر الإبراهيمي لهذه المشاركة، إلا أن الفكرة رُفضت عن بكرة أبيها. وفي هذه الأجواء بدأت التجاوزات بحق الباشتون، مما أعاد إلى «طالبان» الكثير من شعبيتها بين تلك القبائل. ومع الوقت لم يعد اللوم يقع من قبل «طالبان» وأنصارها على «القاعدة»، وبدأت في لململة صفوفها لمقاتلة القوات الأميركية، وهذا ما حصل.
ولكن «طالبان» ما كانت لتحقق نتائج سريعة لصالح استعادة قوتها لولا عوامل إقليمية ساهمت أيضاً السياسة الأميركية في تقويتها. فعلى سبيل المثال، نتج عن خطاب الرئيس بوش في فبراير 2002 عن محور الشر أن إيران قررت أن تمارس تخريباً على السياسة الأميركية في أفغانستان. لهذا قدمت إيران عوناً للملا عمر الذي كانت سترفض التعاون معه لو كان الخطاب الأميركي تجاه إيران مختلفاً. وتشير المعلومات إلى أن الملا عمر كان قد التجأ إلى إيران إبان الهجوم الأميركي، وأن إيران تركته يعود إلى أفغانستان بعد ذلك الخطاب.
وعلى سبيل المثال، نجد أن نجاح أي خطة أميركية في أفغانستان لن يكون ممكناً بلا موافقة وتعاون باكستان. في المقابل قامت السياسة الأميركية بعزل باكستان التي لها تأثير كبير في أفغانستان وعلى «طالبان» بالتحديد، ولهذا فإن تجاهل باكستان ودورها قد دفع بقطاعات مهمة في باكستان إلى العمل ضد الولايات المتحدة والقوات الدولية. لنتذكر أن العلاقة الباكستانية – الأفغانية عميقة الجذور وتعززت بشكل كبير في زمن مقاومة الغزو السوفياتي.
وقد ساهمت الحرب في العراق في سلسلة الأخطاء والتطورات التي أدت إلى استعادة قوة «طالبان». فمن جهة عندما حركت إدارة بوش قواتها عام 2003 إلى العراق بدأت في إهمال أفغانستان، ومن جهة أخرى، عندما تبين أن العراق لم يكن يملك أي أسلحة للدمار الشامل وصلت الرسالة إلى الأفغان بأن الحرب ليست بهدف الانتقام من «القاعدة» أو الانتقام من أحداث الحادي عشر من سبتمبر، بل أكثر من هذا، وعندما شاهدت «طالبان» كيف بدأ القتال في العراق بعد هزيمة النظام العراقي اكتشفت مدى مقدرتها على تقليد أسلوب العراقيين والمقاتلين العرب في القتال. هذا كله ساهم في إنجاح الفريق المقاتل في «طالبان» ورفع مقدرته على تجميع الصفوف.
كما أن ضعف الحكومة المركزية في كابول في مجال الإدارة والخدمات ساهم في مزيد من الالتفاف مرة ثانية حول فلول طالبان. فالحكومة المركزية كانت في مناطق محددة، وكان لديها نقص كبير في التمثيل الشعبي، وكان من الطبيعي أن تبقى ضعيفة في ظل غياب حل سياسي وتفاهم وطني بين القوى التي تتشكل منها أفغانستان بما فيها «طالبان».
لقد تبيّن من جراء حرب أفغانستان مدى حدود القوة العسكرية الأميركية، وأن معظم الحلول هي في الجوهر سياسية قبل أن تكون عسكرية، وأن إهمال الحلول السياسية يؤدي إلى كوارث وخسائر كبيرة. في عالم اليوم لا توجد انتصارات مطلقة، ولا توجد هزائم شاملة لأحد. لهذا بالتحديد فإن الكثير مما وقع في أفغانستان(وأيضاً العراق) كان بالإمكان أن يكون مختلفاً لو سادت لغة أكثر عقلانية في التعامل.

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

د. شفيق ناظم الغبرا

أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت
twitter: @shafeeqghabra

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *