المعروف عن الانتخابات الأميركية الراهنة أنها تحمل في طياتها الكثير من المفاجآت. مفاجأة نجاح أوباما ومفاجأة اختيار بايدن ومفاجأة اختيار نائبة ماكين ساره بالين لتكون المرشحة عن الجمهوريين لموقع نائب الرئيس. وحتى الأمس القريب لم يكن أحد ليتوقع أن يقع ما نراه أمامنا. إن أحد أهم غرائب هذه الحملة الانتخابية أنه في يناير الماضي 2008 عندما قام «الحزب الديموقراطي» بخلوته الكبيرة لأعضاء الحزب كلهم في الكونغرس وهم بالمئات، كانت الغالبية المطلقة ما عدا ستة منهم مع هيلاري كلينتون. كان أوباما يحظى بتأييد ستة من أعضاء الكونغرس كمرشح محتمل عن «الحزب الديموقراطي». لقد نجح أوباما في فرض نفسه من خلال قواعد الحزب الذين اختاروه في الانتخابات التمهيدية الخاصة بالحزب بغض النظر عن رغبة أعضاء الكونغرس. من جهة أخرى تروى قصة طريفة عن الرئيس بوش بأنه في حديث خاص مع رئيس الوزراء الأسترالي منذ عام، بالتحديد وفي معرض الرد على سؤال عن مرشح «الحزب الديموقراطي» كان بوش متأكداً بأن هيلاري كلينتون ستكون المرشحة. الكثيرون من المشاركين في حملة «الحزب الديموقراطي» يؤكدون أنهم لم يشاهدوا ظاهرة كهذه طوال حياتهم السياسية.
ويصبح السؤال: هل تنجح التكتيكات التي أتت بأوباما من خارج الدائرة في إيصاله إلى البيت الأبيض؟ فمن الواضح أن أوباما يتمتع بذكاء كبير، وبقدرات خطابية فذة، وبمقدرة على التأثير، وباستراتيجيات سياسية خلاقة سمحت له بعمل انقلابه الشرعي بين يوم وليلة. فهو سياسي طموح، ويعي جيداً علاقة العرق بالسياسة والأثر الذي تركه بوش على مجمل الحياة السياسية الأميركية الباحثة عن التغيير، وهو يعي أنه من الصعب أن يأتي جمهوري لمرة ثالثة. فقد حصل هذا مرتين على مدى ستين عاماً.
من جهة أخرى، إن خسارة ماكين ستفسر على أنها خسارة كبيرة لليمين، ولكن خسارة أوباما ستفسر على أنها خسارة للتغيير وللأقليات وستفسر على أرضية عرقية وستحمل معها نسبة أكبر من الغضب الداخلي، لأن الكثيرين من الملونين سيأخذون عدم فوزه في إطار عرقي. بمعنى آخر، إن الحملة الانتخابية الأميركية الراهنة تعبر عن مدى حدة الانقسام الأميركي – الأميركي، بين اليمين الديني واليمين التقليدي والمحافظين من جهة، وبين الليبرالييين والوسطيين واليسار من كل صنوفهم، إضافة إلى الملونين وعدد كبير من الأقليات ممن يجدون في رسالة أوباما تأكيد على الحلم الأميركي. لم يكن الانقسام الأميركي بهذه الحدة من قبل، فكل خسارة في الانتخابات ستكون لها آثار كبيرة في الداخل والخارج على الولايات المتحدة.
تبقى الآن الكثير من الأسئلة… كيف سيتصرف أوباما في المناظرات الثلاث المقبلة مع ماكين؟ فهذه المناظرات ستقرر الكثير وستكون عبارة عن جولات كبرى يتحدد من خلالها مصير الانتخابات ويتحدد فيها قناعة كل ناخب بكيفية ادلاء صوته يوم الانتخابات. من جهة أخرى، كيف سيتصرف بايدن في المناظرة مع بالين؟ ثم نتساءل عن الرسائل التي يرسلها كل معسكر عن الآخر، وعن الدعاية وغيره من وسائل التأثير في الناخب. إن مقدرة المرشحين، خصوصاً أوباما على دفع فئات جديدة لم يسبق لها أن اهتمت بالانتخابات، أو حتى شاركت فيها في السابق على الادلاء بأصواتها، سيكون مفصلياً. إن مقدرة أوباما في الوصول إلى مناطق وأحياء وفئات لا تحترم العملية السياسية والانتخابية انطلاقاً من أنها لا تغيّر شيئاً هو بحد ذاته أحد أهم عناصر التغيير.