سعيد محمد سعيد

كفاك نوما!

 

كما وعدتكم يوم الأحد الماضي، بأنني في هذا اليوم الخميس «الأنيس»، سأكمل تفاصيل الحلم «الكابوس» الذي فزع منه الكثير من القراء بعدما قرأوه! فعلى رغم أن بعضهم وصفه بأنه (فيلم هندي) لم يتردد آخر في القول إنه (فيلم أميركي) أما ثالث فاكتفى بالقول (كفاك نوما واستيقظ من أحلامك وكوابيسك)، ولست والله أرى ذلك الكابوس، الذي مثلت فيه دور الموظف في مكتبة للتقارير المثيرة، إلا حالة من حالات الإنبعاث الشعوري اللاارادي السمبثاوي، كما يقول علماء النفس بارك الله فيهم.

ما يهمنا الآن هو تكملة الكابوس/ الحلم، فعبد أن اجتث الوالي الحكيم الوقور رؤوس الفساد ورمي بهم وبتقاريرهم في غياهب السجون، تفجرت الآبار الجافة بالماء العذب وجرت الأنهار وغردت العصافير في البساتين الجميلة، وازهر الربيع وطاب العيش للناس في بلادهم التي سقوها من دماهم قبل عرقهم، وما تبقى من الأحقاد في القلوب، زال بعد التصافي والتحابب والانشراح.

هذا ما كان من أحوال الرعية. أما ما كان من أحوال وعاظ السلاطين وحراس البلاط والمطبلين والمكذبين والمنافقين، فقد دارت عليهم الدوائر وجارت عليهم أنفسهم قبل الزمن، إذ ذاقوا الوبال بسبب نفاقهم وكذبهم وتأليبهم العباد والبلاد، وإشعالهم نيران الفتنة والمساهمة في كتابة فصول من التقارير وبنود من التعابير وملفات لا تحملها الأضابير، فرماهم الوالي الحكيم بعيدا عن الأرض الطاهرة، فلا يعودوا إليها أبدا حتى ولو اغتسلوا في أقدس الأنهار، وأعلنوا التوبة والاعتذار.

ووقف الوالي مخاطبا بعضا آخر من الوعاظ فقال لهم: «أيها الناس، أنتم الأمناء، فلم تكن لكم أمانة، وأنتم حراس الدين وحماته فلم تكن لكم حمية لا على دينكم ولا على وطنكم ولا على أنفسكم حتى… وأنتم من يصلح بين الراعي والرعية، فلم يكن ديدنكم إلا الموائد الدسمة، والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة، وكان الناس ينتظرون منكم كلمة حق لله فيها رضا، ولي ولكم فيها صلاح، فما تكلمتم وخنتم أماناتكم، فاسمعوا وعوا: إما أن تعودوا إلى رشدكم وتقوموني إن انحرفت، وإما أن… أو… على… متى… أين… قد… برأت منكم الذمة».

والحمد لله… الحمد لله أنني استيقظت من النوم، ولا أدري أكان ذلك قبل أذان الفجر أم بعده، فخفت أن أقول ذلك، فيعتبرني البعض كذابا إن كان كابوسي قبل الأذان، ويعتبرني البعض الآخر، كذابا أيضا، إن كان كابوسي… بعد الأذان.