سامي النصف

عبقرية الآباء المؤسسين وأنانيتنا

تأسست الكويـت في البدء من هجــرات قـدمت من قلب الجــزيرة العــربيـة وقــد كـان أمام الآباء المؤسسين خيارات ثلاثة للدولة التي انتـووا خلقـها في الركن الـشمـالي الغربي من الخـليج حيث لا زرع ولا ضرع ولا ماء.

الخيار الأول هو تأسيس دولة قبلـية أي التي تعـتمد فـي وجودها وبقــائهـا على الانتــمـاء القــبلي وحصرها في القـبيلة السائدة آنذاك وهي قبيلة عنزة كحال بعض الدول والممــالك الســائدة في الجــزيرة العربية إلا أن هؤلاء الآباء العـباقرة رفـضـوا مـثل تلك الـدولة وتنازلوا حـتى عـن الأسماء التـي تدل على انتـمـائهم القـبلي لأجل ذلك الهـدف السامي.

وكــان الخـيــار الثــاني هو تأسيس دولة دينـية قائمـة على احد المذاهب الإسلامية كحال بعض الدول التي قـامت في اليمن وعـمان ووسط الجـــــــزيـرة وإيران إلا أن الآبـاء المؤسسين رفضوا ذلك الأمر وفتحوا الباب واسعا لهجرة أصحاب المذاهب والديانات الأخرى في الدول المجاورة والبـعـيـدة ممن وجـدوا في الكويت ملجأ آمنا لـهم بعيدا عن مـجتمـعات القمع والكراهية التي قدموا منها.

لقـد اختـار الآباء المؤسسـون الأخذ بمبدأ الدولة المدنية المتسامحة مع جـميع الأعراق القـبليـة وغيـر القـبلية وجـمـيع الأديان والطوائف فـتـواجد عـلى ارض الكويت الدولة الجديدة تشكيل رائع وجميل انصهر في بوتقـة الوطن الواحـد وحـارب هؤلاء جميعا كـفا بكف وكتفا بكتف أمام الغـزاة من أهل التـعــصب وأصحاب الرأي الواحد.

كـما تبنـى الآباء المؤسسـون رغم أن أغلبيتهم المطلقة قد قدمت من صـحـاري نجـد والعـراق وفـارس الترحال والغوص الـبحري الجديد عليهـم فأبدعوا فـيه إلى حـد الكمال وأصبحت الكويت اكبر ميناء بحري تجـاري علـى الخليج واسـتــفـرد الكويتـيون بتـجارة وتصـدير غلة العراق والجزيرة إلى الهند وأفريقيا وإيران كمـا أبدعوا كـذلك في التراث الفني البحري والبـري ومازلت اذكر الثناء الشديد من مـسؤولي الثقـافة الجزائـريين على موروثاتنا الفنيـة البحرية وتنوعها وعدم وجود مثيل لهـا في الجـزائر أو العـديد من دول حوض البحر المتوسط الأخرى.

ومن الأمس إلى الـيـــــوم وإشكالات سـياسيـة واجتـماعـية كثيرة ترجع في حقيـقتها وأسبابها الخفـية إلى الاخـتلاف الحـالي على هوية الكويت ومن ثم ضرورة العمل جادين على تعـزيز موروثات الآباء المؤسـسين وترســيخ أسس الدولة المدنية المتـسامـحة مع الجمـيع وقد يكون احـد الطرق الأكثر فعـاليـة للوصول لذلك الهدف قـانون صغير لا يتعـدى صفـحة يفـرض ضرورة الاكـتفـاء باسم الفرد والأب والجـد والتـضـحـيـة لأجل الوطن البـاقي بأسماء العائلة (عدا الأسرة الحاكمة لخصوصيتهـا) والقبيلة أو حتى ما يشـيــر للطائفـة أو العـنصـر كي نحـصل عبـر التخلص من أنانيتنا على كـــويت العــدل والمـســاواة والتسامح التي حلم بها الآباء ويكاد يضيعها الأبناء.

آخـــر مـــحـطة:
العــزاء الحـار لآل رزوقي الكرام بـوفـاة فــقـيــدتهم الغاليـة، للفقيـدة الرحمة والمغـفرة ولأهلها وذويهـــا الصــبـــر والســلوان.