سامي النصف

النصب السياسي والاقتصادي في العالم العربي

كي نفهم كم السذاجة السياسية التي تخدع بسببها شعوبنا العربية فتقاد من حرب الى حرب ومن كارثة الى كارثة علينا ان نرقب كيف تخدع وتسرق مدخرات نفس الشعوب مرات ومرات باستخدام نفس الطرق والوسائل والمناهج دون اتعاظ او تعلم.

في الكويت انهارت البورصة بعيد منتصف السبعينيات بعد ان تضخمت الاسعار بشكل غير عقلاني فانفجرت الفقاعة الكاذبة فأفلس من افلس وانتحر من انتحر وقد تدخلت الحكومة عبر الشراء المدعوم للاسهم من المواطنين لتبدأ بعدها وعلى الفور فقاعة «المناخ» بالانتفاخ ويجري من خدعوا في البورصة ليُخدعوا بطريقة اشد وامر في السوق الموازي (المناخ) الذي لا يبعد الا خطوات قليلة عن السوق الاول.

وقد خاطر وضحى الكويتيون عام 82 بمدخراتهم المالية في وقت صعب جدا كان اولى ان يحافظوا فيه على مدخراتهم بالنواجذ حيث اشتعلت على الحدود الحرب المدمرة بين ايران والعراق ولم يكن احد يعرف كيف ستنتهي وقد استُخدمت الاموال آنذاك لشراء شركات ورقية لا سند قانونيا لها، كما باعوا الاسهم لكبار المضاربين بنسب فائدة اجلة جاوزت في بعض الاحيان 500% وراقبوا بذكاء شديد من يشتري اسهمهم وهو يبيعها امام اعينهم بنصف ثمنها ليسدد عجوزاته ومديونياته ولم يتساءلوا كيف سيسدد فرسان المناخ ديونهم لهم كما لم يتدخل البنك المركزي في حينه لوقف عمليات النصب او توعية الجمهور وهو العالم رقما ويقينا باستحالة تسديد مبالغ تلك الشيكات الآجلة بفوائدها المركبة الضخمة نظرا للنقص الشديد والمتزايد للسيولة المالية في البلد مع انهيار اسعار النفط وهرب الاموال بسبب الحرب.

مصر السبعينيات ونسب الفائدة الرسمية على الجنيه المصري من البنوك الحكومية تقارب 20% (نسبة الفائدة على الدولار 18%) ومع ذلك يُخدع المواطنون ويضحون بشقاء العمر في شركات توظيف الاموال، كالريان والسعد وغيرهما، رغم ان عوائدها لا تفرق كثيرا عن عوائد البنوك الحكومية المضمونة، ويكتشف الجميع ان الاشكال لا تحصن الافعال وان من يدعي التقوى والامانة كان لا يصحو من تأثير ادمان المخدرات وعشق السرقات.

في الجزائر التي زرتها اخيرا ضجة قائمة وعملية نصب كبرى ساخنة حيث تتحدث الصحف والمجلات عن البنوك وشركات الاستثمار والطيران التابعة للشاب عبد المؤمن خليفة الذي تسبب بعمليات انهيارات وافلاسات جاوزت مبالغها 5,5 مليارات دولار هرب بعدها الى لندن كحال زميله المصري اشرف السعد، وما قام به الشاب خليفة يمكن لاي شخص القيام به حيث انشأ بنكا اعلن عن اعطائه فوائد للمودعين جاوزت 17% وقام في الوقت ذاته باقراض المسؤولين والقائمين على صناديق التأمينات الاجتماعية والاسكان مبالغ ضخمة بفائدة منخفضة لم تتجاوز 2% فحولوا اموال المؤسسات المؤتمنين عليها لودائع في بنكه كما قام بانشاء شركة طيران عبر منح بنكه لشركته مليارات الدولارات من القروض الميسرة ثم استخدم الشركة لتشغيل اقارب المسؤولين واعطاء التذاكر المجانية لهم وبالطبع لا يمكن لبنك يقرض بـ 2% ويعطي المودعين 17% ان يستمر طويلا.

ان جميع عمليات الخداع المتكررة والمستمرة في اوطاننا العربية تعتمد على الطمع والسذاجة والغباء ثم الخجل او السكوت الحكومي حتى وقوع الفاس بالراس والغريب ان النصابين عادة ما يتهمون السلطات الرسمية حال تحركها وقيامها بواجبها بأنها ـ لا من قام بالنصب والكسب الحرام ـ من تسبب بانهيار تلك المؤسسات الورقية او انفجار الفقاعات البورصوية وهو ما نسمعه في الجزائر وبعض دولنا الخليجية والعربية وسنظل نسمعه ما بقي في عالمنا العربي طمع وجشع ونصابون واغبياء.. وصامتون!

سامي النصف

بيزنطة الجديدة وإنفلونزا الطيور

سقطت بيزنطة القديمة وأهلها مختلفون في داخلها بشدة على جنس الملائكة وهل هم ذكور أم إناث؟!

هذه الايام نمر بأحداث جسام في الكويت وخارجها ومازال بعض القوم في بيزنطة الجديدة يشغلوننا بأزمات واستجوابات متلاحقة أظهرت دون أدنى شك أن حس المواطن البسيط العادي أرقى وأكثر وعيا وقدرة على تحليل الأمور والاحساس بالخطر من بعض الساسة ومختصيها.

لم نلحظ قط أن احد فيروسات انفلونزا البشر دخل البلد فزار عائلة أو رواد ديوانية واحدة ثم خرج وودع، الحال كذلك مع فيروس انفلونزا الطيور الذي لن يكتفي بزيارة هذه المزرعة أو تلك الحظيرة ثم يغادر مودعا، ان بقاء الفيروس لمدة طويلة في الكويت يعني استقواءه وتوطنه، وهناك خوف شديد لدى منظمة الصحة العالمية من تحوله الى شكل وبائي يتسبب بإبادة ملايين البشر في جميع أنحاء العالم.

نسبت مجلة روز اليوسف في عددها الاخير للدكتور جون جابور رئيس المكتب الاقليمي لمنظمة الصحة العالمية قوله ان سورية وتركيا نجحتا في القضاء على مرض انفلونزا الطيور عبر ابادتهما لكافة الدواجن والطيور، وان سبب اخفاق مصر ووضعها المخيف الحالي الذي وطن الوباء لديها هو تخبئة الاهالي لدواجنهم وطيورهم وانتظار إصابتها قبل الابلاغ عنها والتخلص منها وواضح أننا في الكويت قريبون من ذلك المسلك غير الجاد والمدمر في المكافحة.

فما نشرته الصحافة المحلية في الايام الماضية خطير جدا، فهناك عمليات تساهل واستخفاف شديدة من الاهالي وبعض شركات ومحلات الدواجن في التعامل مع هذا الداء الكارثي الخبيث فالبعض يخشى على حمامه «القلابي» الثمين والبعض الآخر على صقوره وثالث مازال يبيع الدواجن والبيض والطيور للسذج والخدج لأجل حفنة قليلة من الدنانير لا يمانع مقابلها من بقاء المرض مستوطنا في البلد الى الابد.

لقد عايشت ومازلت الوضع في مصر حيث حرمنا الى أجل غير مسمى من أكل الحمام المصري الشهي والفراخ الطازجة واكتفينا بأكل الدجاج المستورد المثلج الذي لا طعم ولا قيمة غذائية له حتى ان بعض العائلات الكويتية والمصرية بدأت بإحضار كراتين الدجاج الطازج معهم من الكويت لاستخدامه وتوزيعه كهدايا ثمينة وهو أمر سيتوقف بالقطع في ظروفنا الحالية.

ان عدم التعامل السريع والحاسم مع داء انفلونزا الطيور وترك الأمر اختياريا لمن يود أن يثقب قاع سفينة الوطن عبر احتفاظه بدواجنه وطيوره يعني حرماننا لأزمان طويلة من وجبات الدجاج الطازج والبيض المحلي الذي عاقب رب العباد من رفع أسعاره على المواطنين بعدم وجود من يشتريه هذه الايام، اننا بحاجة لحملة تمشيط وابادة قوية تمتد من أقصى الشمال لأطراف الجنوب مع فرض عقوبات مغلظة على من يفضل حياة طيوره على ممات شعبه.

آخر محطة:
تسبب اخفاق الشقيقة مصر في محاربة المرض بعقد المؤتمر الدولي الثاني لمكافحته على أرضها، نرجو ألا يتسبب إخفاقنا في عقد المؤتمر العالمي الثالث للمكافحة على أرضنا.